أول عائلة افتراضية في المغرب تنافس المؤثرين على صناعة المحتوى

شجع نجاح أول مؤثرة افتراضية مطورة بتقنية الذكاء الاصطناعي في استقطاب جمهور عريض من رواد منصات التواصل الاجتماعي صاحبةَ الشركة المبتكرة لها على اتخاذ خطوة إبداعية جديدة؛ فقد طوّرت أخا وأختا لها لتشكيل أول عائلة افتراضية في المغرب قادرة على صنع المحتوى والتواصل مع البشر، على أن يتم ابتكار الأم والأب في مرحلة لاحقة.
الدار البيضاء (المغرب) - اختارت المغربية مريم بسة أن تنافس المؤثرين وصناع المحتوى الذين صاروا يحتلون مكانة بارزة على مواقع التواصل الاجتماعي بابتكارها عائلة افتراضية يقدم كل فرد من أفرادها محتواه الخاص، لاسيما على تطبيقي إنستغرام وتيك توك.
وقالت مريم بسة، رئيسة شركة “لاطوليي ديجيتال” التي طورت هذه العائلة، إن الفكرة جاءت بعدما لاقت “كنزة ليلي” أول مؤثرة عبر الذكاء الاصطناعي نجاحا وتفاعلا كبيرا مع رواد منصات التواصل الاجتماعي.
وكانت “كنزة ليلي”، التي تم إطلاق حساب لها في نهاية ديسمبر الماضي عبر الشركة المغربية الخاصة المطورة لها، قدمت نفسها على أنها شابة تبلغ من العمر 33 عاما، وأنها جاءت لمشاركة متابعيها حياتها اليومية، مشيرة إلى أن محتواها يتناول أسلوب الحياة والموضة والجمال والتغذية والديكور.
وتعرض “كنزة ليلي” محتوياتها على متابعيها بواسطة فيديوهات تظهر فيها وهي تتحدث باللهجة المغربية الدارجة، وتشاركها على منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام، ويتناول المحتوى مواضيع عدة.
وتظهر حسابات “كنزة ليلي” أنها نجحت في بناء علاقات وطيدة مع متابعيها الذين يتبادلون معها الرسائل والتعليقات، حيث يتابعها 152 ألف شخص عبر إنستغرام، وتظهر في صور ومقاطع فيديو بالأزياء المغربية المميزة، وهو ما أثار إعجاب رواد منصات التواصل الاجتماعي.
وبعد أن حظيت الشخصية الافتراضية “كنزة ليلي” المطورة بتقنية الذكاء الاصطناعي باهتمام واسع على منصات التواصل الاجتماعي، اتخذت الشركة المغربية التي طورتها خطوة إبداعية جديدة؛ فقد طوّرت أخٍا وأختا لها لتشكيل أول عائلة افتراضية في المغرب قادرة على صنع المحتوى والتواصل مع البشر.
وتتكون العائلة من “كنزة ليلي” و”زينة” و”المهدي”، ويقوم فريق مكون من 13 شخصًا بقيادة بسة، رئيسة الشركة في مدينة الدار البيضاء غرب المغرب، بإدارة هذه العائلة الافتراضية.
وتوضح بسة أن شات جي بي تي يُقدم خدمة الإجابة عن الأسئلة على المواقع الإلكترونية، بينما تُعد “كنزة ليلي” و”زينة” و”مهدي” الشخصيات الافتراضية الأولى التي ترد على التعليقات والرسائل في منصات التواصل الاجتماعي باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي.
ليل ميكيلا
تشير بسة صاحبة الأربعين عامًا إلى أنها استلهمت فكرة “كنزة ليلي” من نموذج أميركي يُسمى “ليل ميكيلا” عام 2018. لكن التقنيات آنذاك كانت صعبة المنال وباهظة الكلفة، وهو ما حال دون إنشاء نموذج مغربي وعربي وأفريقي في ذلك الوقت.
وفي ديسمبر 2023 تم ابتكار شخصية “كنزة ليلي” من قبل شركة مريم، تلتها أختها “زينة” في يناير 2024، وأخوهما “المهدي” بعد ذلك بشهر واحد.
ويقدم “مهدي ليلي” نفسه عبر حسابه على إنستغرام بأنه “يبلغ من العمر 29 عامًا، وبأنه شغوف باستكشاف التكنولوجيا الجديدة”، مشددا على أن “العيش بأسلوب حياة صحي هو أمر أساسي”.
وتكشف منشورات “مهدي” أنه نموذج افتراضي لجيل الشباب الشغوف بألعاب الفيديو والسباحة. أما “زينة ليلي” فهي تختلف تماما عن شقيقتها “كنزة” المحجبة، إذ أنها تقدم نموذجا للفتاة الرياضية الشغوفة بالفورمولا 1 وبأسلوب حياتها العصري.
وحول بدايات خروج شخصية “كنزة ليلي” إلى العلن، تقول مريم إنه لم يتم التعريف بها كشخصية افتراضية مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي عند إطلاقها في ديسمبر الماضي، كان ذلك بهدف اختبار تفاعل الجمهور المغربي والعربي مع هذه الفكرة الجديدة.
وبعد ثلاثة أسابيع من إطلاقها تم الإعلان عن كون “كنزة ليلي” شخصية افتراضية مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي نظرًا للتفاعل المكثف الذي حظيت به.
وتضيف مريم “انطلاقًا من القيم كان لزامًا علينا أن نُعلن عن هوية كنزة ليلي، فقد تم الإعلان عن كونها شخصية افتراضية مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي على منصتي إنستغرام وتيك توك، كما نحرص على الإشارة إلى ذلك في جميع مقاطع الفيديو التي تنشرها كنزة ليلي”.
وأكدت بسة في تصريحات صحفية سابقة لقناة “ميدي1 تيفي” (حكومية) أن “المواطنين يطرحون أسئلة حول هذه الشخصية، خاصة أنها تتفاعل وكأنها واقعية، في حين أنها شخصية من توليد الذكاء الاصطناعي”.
وتحظى حسابات “كنزة ليلي” بتفاعل كبير من آلاف المتابعين، إذ تردّ هذه الشخصية الافتراضية على التعليقات والرسائل.
وتشير مريم إلى أن التجاوب الكبير مع هذه الشخصيات الافتراضية من قبل الجمهور يعود إلى سعيها لنشر قيم إيجابية مثل حب المغرب والمغاربة، والتحدث عن “تمغربيت” (ما له صلة بالمغرب)، فقد ساعد ذلك على تقبل الجمهور لهذه الفكرة، خاصةً أنها ابتكار مغربي خالص.
وتعكس “كنزة ليلي” بإطلالاتها المتنوعة شخصية الشابة المغربية المتدينة، وعن ذلك تقول مبتكرتها “ارتداء كنزة للحجاب يعود إلى أنها تمثل الهوية المغربية والعربية والإسلامية مئة في المئة”، موضحة أن “هذا يعكس الافتخار ببلادها وإسلامها، وبعد ذلك قمنا بتطوير أختها زينة ليلي وأخيها مهدي ليلي، وسيتم ابتكار الأم والأب في مرحلة لاحقة”.
مخاوف من الذكاء الاصطناعي

رغم فوائد الذكاء الاصطناعي الكبيرة إلا أنه، وفق مختصين، قد يخلط بين الحقيقة والواقع، ما تترتب عليه آثار سلبية تؤثر على حياتنا بشكل عام، ولذلك ابتكر ما يسمى بـ”منظومة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي”، في محاولة لمواجهة آثاره السلبية على المجتمع.
وحول المخاوف المتصاعدة من تقنية الذكاء الاصطناعي تشير مريم إلى أن هذه المخاوف تتضمن التساؤل عن السلبيات المحتملة لهذه التقنية على فرص العمل والعلاقات بين البشر.
وترى أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يتفوق على البشر، فهو يقدم خدمات محددة، ولكل خدمة موقع متخصص، لكن الإنسان يملك القدرة على القيام بالعديد من الأمور في نفس الوقت.
وتُشير إلى إمكانية ابتكار ذكاء اصطناعي يقدم كل الخدمات خلال السنوات الخمس القادمة، لكنها تُؤكد على أنه لا داعي إلى التخوف حتى الآن، لأن الإنسان هو المسيطر على هذه التقنية، ولا يمكن أن تعمل دون أوامر منه.
وتوضح “الذكاء الاصطناعي هو أداة لمساعدة الإنسان في العمل وتخفيف عبء العمل عنه؛ فبدلاً من العمل 5 أو 6 ساعات مثلاً، يمكن للذكاء الاصطناعي إنجاز نفس العمل في وقت أقل”.
وتلفت إلى أنه “لا يجب أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي كأمر سلبي، بل يجب النظر إليه بشكل إيجابي، حيث يُساهم في تقوية إنتاجية الفرد، سواء في الدراسة أو في العمل، وفي الكثير من المجالات الأخرى”، مشيرة إلى أن الكثير من تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُساعد الشركات على تحسين أدائها وإتقان عملها.
وأكدت بسة على ضرورة تثقيف السوق المغربية وتوعيتها بأهمية الذكاء الاصطناعي، وذلك لفهم طبيعته وتطبيقاته بشكل أفضل، وتجنب التخوفات والهواجس.
مُلهمة العائلة الافتراضية
مريم بسة مبتكرة عائلة “كنزة ليلي” الافتراضية ولدت في مدينة الرباط (غرب)، وتابعت دراستها في مدينة مكناس (شمال) حتى حصولها على شهادة الثانوية العامة، ثم انتقلت إلى فرنسا لإكمال دراستها العليا في مجال التسويق والإعلان لمدة خمس سنوات، قبل أن تعود إلى المغرب عام 2008 للعمل في مجال التجارة مع عدد من الشركات الكبرى.
في عام 2016 أسست مريم، وهي حاليًا أم لبنتين، شركة “لاطوليي ديجيتال” المتخصصة في المجال الرقمي. وابتكرت شخصية “كنزة ليلي” الافتراضية عام 2023، مستفيدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وتضم الشركة 28 موظفًا، يعملون في مجال التسويق ومنصات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، 13 منهم متخصصون في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير الشخصيات الافتراضية.