"أورورا" من مايكروسوفت يتنبأ بالمستقبل المناخي بدقة وسرعة

نيو مكسيكو(الولايات المتحدة) - تتسارع وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة كالأعاصير العنيفة، الأمواج الهائلة، العواصف الرملية، والضباب الدخاني، ما يفرض تحديات متزايدة على المجتمعات في مواجهة كوارث تؤثر بشكل مباشر على الأرواح والبنية التحتية، وتشلّ مصادر الطاقة، الزراعة، وسلاسل التوريد.
وسط هذا الواقع البيئي المعقّد، يبرز نموذج “أورورا” من مايكروسوفت كابتكار ثوري في مجال التنبؤ البيئي المعتمد على الذكاء الاصطناعي. ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة “نيتشر”، فقد تفوق “أورورا” على النماذج التشغيلية التقليدية في التنبؤ بجودة الهواء، حركة الأمواج، مسارات الأعاصير، وظروف الطقس الدقيقة، وكل ذلك بسرعة عالية وبتكلفة حسابية منخفضة بشكل ملحوظ.
يعتمد النموذج على بنية مرنة وقابلة للتخصيص، وقد جرى تدريبه باستخدام أكثر من مليون ساعة من بيانات الطقس التي تم جمعها من الأقمار الصناعية والرادارات والمحاكاة الرقمية، ما يجعلها أكبر قاعدة بيانات مناخية استُخدمت في تدريب نموذج ذكاء اصطناعي حتى الآن.
بفضل قدرته على التكيّف، يستطيع “أورورا” التعامل مع طيف واسع من الحالات البيئية، متجاوزًا حدود التنبؤات الجوية المعتادة. فعند تخصيصه لتوقعات الطقس متوسطة المدى (حتى 14 يومًا)، تفوق في 91 في المئة من الاختبارات بدقة تصل إلى 0.25 درجة.
"أورورا" يعمل على وحدات معالجة رسومية ويقدم نتائجه خلال ثوانٍ، أسرع بنحو 5000 مرة من النماذج التقليدية
كما أثبت النموذج فعاليته الميدانية، إذ تنبأ بمسار إعصار “دوكسوري” في الفلبين عام 2023 بدقة قبل وقوعه بأربعة أيام، متفوقًا على توقعات المراكز الرسمية. وتكرر هذا الأداء في موسم الأعاصير، حيث تصدر نتائج المقارنة مع سبعة من أبرز مراكز التنبؤ العالمية.
ولا تقتصر دقة “أورورا” على الأعاصير فقط، فقد تنبأ بعاصفة رملية عنيفة ضربت العراق في يونيو 2022 قبل يوم من حدوثها، رغم ندرة بيانات جودة الهواء في المنطقة. ويعكس هذا قدرة النموذج على التعلّم السريع دون الحاجة إلى فهم مسبق لعلوم كيمياء الغلاف الجوي.
وفي مجال التنبؤ بالأمواج البحرية، أظهر “أورورا” دقة ملحوظة في تحديد الارتفاع والاتجاه، وتفوّق على المعايير المعتمدة في 86 في المئة من اختبارات التنبؤ السنوية، رغم أن بيانات التدريب لهذا المجال بدأت فقط منذ عام 2016.
يعتمد “أورورا” على بنية ترميز متطورة تُترجم البيانات الأولية إلى أنماط يمكن للنموذج استخدامها دون قواعد مبرمجة مسبقًا، ما يمكّنه من اكتشاف العلاقات المعقدة بين المتغيرات، وهي ميزة أساسية في نماذج التعلم العميق.
ورغم أن تدريبه يتطلب موارد كبيرة، فإن تشغيل “أورورا” فعّال للغاية؛ إذ يعمل على وحدات معالجة رسومية ويقدم نتائجه خلال ثوانٍ، أسرع بنحو 5000 مرة من النماذج التقليدية التي تحتاج إلى ساعات على حواسيب فائقة.
ولتمكين المجتمع العلمي، أتاحت مايكروسوفت كود المصدر وأوزان النموذج مجانًا، ما يسمح للباحثين والمطورين بتخصيصه بسهولة لمهام متعددة، مثل تحسين التنبؤ بالأمطار، دعم الزراعة، أو حماية البنى التحتية للطاقة. ووفقًا لفريق التطوير، فإن تخصيص النموذج لا يستغرق سوى 4 إلى 8 أسابيع فقط، مقارنة بسنوات من التطوير للنماذج التقليدية.
وتقول الباحثة ميغان ستانلي من فريق “أورورا “لا يحتاج النموذج إلى فهم كل التفاصيل المعقدة… يكفيه تعلم الأنماط والارتباطات. وهذا يمنحه إمكانات غير محدودة.”
ورغم أن “أورورا” لا يسعى لاستبدال النماذج التقليدية، إلا أنه يقدم نقلة نوعية في دقة وسرعة التنبؤ. وتضيف ستانلي قائلة “إذا كان النموذج يتعلم الفيزياء فعلًا، كما تشير الأبحاث، فبإمكانه تقديم تنبؤات دقيقة في بيئات مناخية متعددة. هذا مجرد بداية لما يمكن أن يحدث مستقبلاً.”