أوروبا ترمي بثقلها في أزمة سد النهضة

الاتحاد الأوروبي وصف ملف السد بـ"الأولوية القصوى" يؤكد أن دول الاتحاد استشعرت الخطر الوجودي الذي تبديه مصر خاصة بعد إعلان أديس أبابا الشروع في المرحلة الثالثة من تعبئة السد بعد شهرين.
الجمعة 2022/07/01
انقلب السحر على الساحر

جاءت دعوة السفير الإثيوبي في الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات بشأن سد النهضة مع الطرفين المصري والسوداني لتفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول توقيت الدعوة وعلاقتها بالموقف الأوروبي الأخير الصادر في بيان مجلس الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي، الذي وصف أهمية الوصول إلى اتفاق مقبول وملزم بشأن ملء سد النهضة الإثيوبي وتشغيله بـ”الأولوية القصوى”.

كل هذا يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي قد بدأ بممارسة ضغط على إثيوبيا فيما يخص قضية السد بما يخدم مصالح القاهرة، على اعتبار أنها تعتبر شريكا استراتيجيا مؤثرا في قضايا المنطقة، إضافة إلى انضمامها مؤخرا إلى الاتفاقية الثلاثية المبرمة في مجال الغاز الذي سيمكن من تعويض نحو 10 في المئة من الغاز الروسي إلى أوروبا، بينما ذهبت بعض التحليلات في سياق مغاير واصفة الدعوة الإثيوبية بالمراوغة السياسية ومحاولة لكسب الوقت.

عقد من الزمن عرف مسارا شاقا من المفاوضات بين التعنت الإثيوبي وإصرار مصر على ضمان أمنها المائي، دون أن يؤدي ذلك إلى المساس بحقوق إثيوبيا في التنمية. وبالرغم من دخول القضية إلى التدويل والوساطات، استمر الطرف الإثيوبي في التهرب من إجراء اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء السد وتشغيله تدعو له القاهرة لضمان حصتها من النيل، وترى في ذلك تقويضا لسيادتها.

وحتى مع الضغط الأميركي على أديس أبابا ومنع المساعدات المالية، استمرت إثيوبيا بالمكابرة والعناد، الأمر الذي جعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لا يستبعد أن توجه مصر ضربة عسكرية للسد مع إيحاء بأن الإدارة الأميركية ستغض الطرف عن ذلك.

إن وصف الاتحاد الأوروبي لملف السد بـ”الأولوية القصوى” يؤكد أنه استشعر بالخطر الوجودي الذي تبديه مصر خاصة بعد إعلان أديس أبابا الشروع في المرحلة الثالثة من التعبئة بعد شهرين، وهو ما قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة أننا نتحدث عن أمن مصر القومي الذي أصبح على المحك بعد تعثر كل قنوات الحوار والمفاوضات مع الطرف الإثيوبي.

ومع حاجة أوروبا إلى الدور المصري في ملف الغاز أصبح من الضروري توسيع دائرة الضغط على إثيوبيا وإلزامها باحترام الاتفاقيات المبرمة بينها وبين مصر، وهو أمر لم يعد يحتمل التأجيل.

وصول ملف سد النهضة إلى طريق مسدود ومرحلة حاسمة مع قرب الملء الثالث، يرجح أن وساطة الاتحاد الأوروبي ستنجح هذه المرة، لما لهذا الأخير من ثقل كفيل بأن يشكل وسيلة ضغط على أديس أبابا فيما يخص ملف إقليم تيغراي، حيث تملك دول الاتحاد ملفات ثقيلة عن انتهاكات فظيعة حصلت في الإقليم قد تثبت تورط رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وتقوده إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم تطهير عرقي. وقد أشار الاتحاد الأوروبي مؤخرا إلى بعض النقاط الحساسة في ملف تيغراي على لسان المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات، يانيز لينارتشيتش، حيث اتهم الحكومة الإثيوبية بممارسة حصار على الإقليم الأمر الذي حال دون وصول الغذاء المكدّس في المستودعات، ومن هنا استشعرت الحكومة الإثيوبية أن التقارب المصري – الأوروبي وقوة علاقات مصر مع المنطقة الخليجية وتحديدا مع السعودية سيكون لهما وقع كبير على ما يجري في تيغراي، وسيستمران في تسليط الضوء على الانتهاكات التي تحصل إذا استمر التعنت الإثيوبي في ما يخص ملف سد النهضة، وسيجبرها القبول بالمضي في الاتفاق مع مصر على مضض.

انقلب السحر على الساحر وأصبحت إثيوبيا ملزمة أكثر من أي وقت مضى بإنهاء أزمة السد، لأنها تدرك أن ملف تيغراي قد أفسد الطبخة وأن الطريقة الوحيدة لتفادي تدويله قد تبدأ بتقديم تنازلات يريدها الاتحاد الأوروبي لإرضاء مصر بعد أن أصبحت محطة مهمة في مسار نقل الغاز إلى أوروبا، ولا يستبعد أن يتم الإعلان في الأسابيع القادمة عن ترتيبات لمفاوضات يرعاها الاتحاد الأوروبي بين إثيوبيا ومصر والسودان تنهي أزمة طال انتظار حلها.

9