أوباما يصيب نظرية فوكوياما "في مقتل"

الخميس 2014/03/27

على إثر ثورات الربيع العربي وتراجع التيارات الليبرالية وفوز التيارات الإسلامية في مصر وتونس (وما يحدث الآن في الدولتين من أحداث كثيرة بعد عزل مرسي والاشتباكات بين الجيش والمتظاهرين في مصر وحوادث الاغتيال السياسي وتفاعلاتها في تونس)، والتردد الكبير تجاه الثورة السورية التي دخلت العام الرابع دون حل سياسي أو إنساني، ومع استخدام النظام السوري للأسلحة الكيمائية في الغوطتين ومقتل حوالي 1429 شخصا جراء هذا الاستخدام، وتمرير القرار 2118 القاضي بتدمير الأسلحة الكيمائية السورية بإشراف دولي، وموت الناس المحاصرين من الجوع في الغوطة وحمص، أقول ومع كل ما تم ذكره، ومع تقديرنا لكل التحليلات والعوامل والأسباب الإقليمية والدولية لبقاء الأزمة السورية دون حل رغم تفاقم الأزمة الإنسانية إلى حدود الخطر الإقليمي والدولي الكارثي الكبير، فإن الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس باراك أوباما قد قدمت بصمتها وترددها الكبيرين فائدة وربما قدرة تحرك كبيرة لثلاث قوى في المنطقة.

القوة الأولى هي إسرائيل؛ بتدمير البنية التحتية السورية وتدمير البنية البشرية والطاقية والامكانية السورية، بحيث تتأخر سوريا عشرات السنين مما يخدم إسرائيل كثيرا، والقوة الأخرى هي التيارات الإسلامية خاصة التيارات ذات الاتجاه المتشدد كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، التي بدأت تتلقى الضربات الموجعة من المعارضة المسلحة وليس من النظام الذي يدعي محاربتها وهو يحارب الشعب جهارا نهارا. والقوة الثالثة هي إيران (وما يتبعها من محور معروف) بالتدخل السافر في الشؤون السورية، وتوج ذلك مؤخرا بالاتفاق النووي مع الغرب، وهذا لن يفيد أميركا على المدى الاستراتيجي- بل يضرها كثيرا باعتبار أنها هي الأكثر خوفا وفزعا من نمو التيارات الإسلامية المتشددة. والأزمة السورية باستمرارها وتفاقمها هي الأرضية الأكثر خصوبة لنشاط وتحرك القوى الإسلامية المتشددة، لأن سوريا أضحت مجالا مفتوحا لها بعد أن أطلق النظام سراح قادة التنظيمات المتشددة في سوريا والعراق في مؤامرة واضحة على الشعب السوري باعتراف وزير العدل العراقي مؤخرا.

وبالتالي فإن أميركا تضر بمصالحها على المدى الاستراتيجي، فقط إرضاء لإسرائيل بإبقاء سوريا ضعيفة شعبا ووطنا وحكومة سواء في الوقت الراهن أو حتى لعشرة سنوات قادمة، كما أن الاتفاق النووي الإيراني الغربي يضر بعلاقتها مع دول الخليج وقد أكدت ذلك السعودية في أكثر من تصريح ومناسبة. وكل هذا يضرب بعرض الحائط كل الشعارات الأميركية والغربية التي زاد ضجيجها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، بالترويج لليبرالية والديمقراطية والكف عن دعم الاستبداديات والدكتاتوريات في المنطقة. وتجلى ذلك تطبيقا في إسقاط نظام صدام حسين، كما توج نظريا بنشر المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما كتابه “نهاية التاريخ” مبشرا بانتصار الليبرالية الغربية وقيمها على الاشتراكية ومبادئها، وحينها حدثت الضجة المعروفة بين الباحثين والمفكرين على مستوى العالم.

والسؤال الآن هل أن أوباما بواقعيته وتردده المفرطين خاصة إزاء الأزمة السورية بصدد وضع حد لصلوحية نظرية فوكوياما؟

ذلك أن قيم الليبرالية وحقوق الإنسان لم تعد تلق أي اهتمام أو تقدير حتى من قبل بعض الليبراليين العرب أنفسهم طالما أنها عمليا لم تطبق، وتركت المواطنين السوريين يتحمّلون معاناتهم وجراحاتهم وتشردهم ونزيفهم، وهذا ينطبق على كل ضحايا الأزمة فحتى الجنود النظاميين وقوى الأمن والمدنيين كلهم ضحايا ترك الأزمة دون حل، وخاصة على المستوى السياسي الدولي، لاسيما وأنها منذ بداية الأزمة ادعت أنها ستحل الأمر سياسيا، لكنها لم تضغط على روسيا ولم تبحث عن الاتفاق معها لوضع حل نهائي للأزمة، كما أن أوباما مدفوعا بعقدة بوش التي تعني ضرورة عدم التدخل، يتجنب التدخل المباشر والواضح في قضايا المنطقة إلى درجة تثير الانتقادات حتى داخل حزبه الديمقراطي.

والسؤال الكبير الذي يطرحه الكثير من المتابعين: إلى أي مدى سيؤثر موقف أميركا السلبي تجاه هذه الأزمة- وباقي القضايا- على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة؟ وهو سؤال يتخذ مصداقيته من إفلاس الشعارات المنادية بالديمقراطية أميركيا في خضم المعمعة السورية، وتركها لهذه الشعارات دون أي سعي ولو بسيط لتنفيذها مما يضرب مصداقية فوكوياما والليبرالية الأميركية في الصميم. وما أكد ويؤكد ذلك هو اللاحسم والتردد والغموض الذي يكتنف العديد من التصريحات الرسمية الأميركية، كما أن العولمة التي اكتسحت العالم تفقد مبررها وواجهتها المعنوية الإنسانية بضرب مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة وحريات التعبير عرض الحائط في المأساة السورية الراهنة.


كاتب سوري

9