أنا مسن، ولكنني لست غبيا

مع انتشار الهواتف الذكية والإنترنت والآن مع دخول الذكاء الاصطناعي والميتافيرس في أدق تفاصيل الحياة اليومية، هل فعلنا شيئا لمساعدة الكبار للتغلب على مخاوفهم، أم تجاهلناهم وقررنا تركهم ضحية لرهاب التكنولوجيا؟
برلين - طالما عانى المسنون، بصمت، من مخاوف حالت بينهم وبين استعمال التكنولوجيا، حدث هذا في الماضي في مجتمعات لم تكن للتكنولوجيا فيها سطوة كما هو الحال اليوم.
فمن التسوق إلى البحث عن الأخبار والمعلومات وحجز التذاكر ودفع فاتورة الحساب وطلب الطعام والتاكسي، اليوم كل شيء بات يمرّ عبر الهاتف الذكي وشبكة الإنترنت. عالم لا خيار فيه لكبار السن سوى العزلة مستسلمين للرهاب بصمت، أو رمي أنفسهم في بحر التكنولوجيا وتعلم العوم في سن متقدمة.
محاولة للمواكبة
بقدر ما يشكّل العالم الرقمي فرصا بالنسبة إلى المسنين، يشكل أيضا تحديات على الحكومات والدول مواجهتها
المثل الإنجليزي يقول “من المستحيل أن نعلّم كلبا طاعنا في السن حيلا جديدة”، وهذه حقيقة، ولكن ذلك ليس بالمستحيل. على الأقل هذا ما برهن عليه مسنّ سويدي استخدم الإنترنت وتعلم التكنولوجيا لأول مرة وهو في عمر 99 عاما.
وكانت الإحصاءات قد أظهرت أن واحداً من كل خمسة متقاعدين في السويد لا يستخدمون الإنترنت ويعيش 6 في المئة من السكان في حالة نقص معرفة رقمية، لكن المسن إيجيل ديكمان، الذي يبلغ من العمر 99 عامًا وأحد سكان مدينة لوليو، قرر تعلم التكنولوجيا الحديثة في الوقت الحالي.
وقال ديكمان، في تصريحات مصورة للتلفزيون السويدي، إنه قرر ذلك للبقاء على اتصال أفضل مع الأصدقاء ومواكبة ما يحدث في العالم.
ووفقا لموقع التلفزيون السويدي، فإنه بالنسبة إلى الكثيرين ممن يعيشون في حالة إقصاء رقمي، لم يكن عدم الاهتمام هو الذي تسبب في الاستبعاد، بل بسبب نقص الدعم أو أن التكنولوجيا ليست سهلة الاستخدام.
بدورها، قالت أجنيس إريكسون، من قسم دعم كبار السن في بلدية لوليو “سيكون هناك فروق كبيرة في المجتمع بين من يستطيع التعامل مع التكنولوجيا الرقمية ومن لا يتعامل معها بنفس الطريقة”، مضيفة “هناك الكثير ممّن هم على استعداد للمحاولة، لقد أدركنا أنه ربما يتعين محاولة المواكبة على الأقل”.
وبقدر ما يشكّل العالم الرقمي فرصا بالنسبة إلى المسنين، يشكل أيضا تحديات على الحكومات والدول مواجهتها.
1 من كل 5 متقاعدين في السويد لا يستخدمون الإنترنت ويعيش 6 في المئة من السكان في حالة نقص معرفة رقمية
كان المسنّون يتعرّضون لمشكلات تتعلق بالاستفادة من الخدمات الرقمية قبل تفشي جائحة كورونا، غير أن تفشي الجائحة سارع بدرجة كبيرة من تعقيد المشكلة، وجعلها أكثر وضوحا حسبما يقول إندرز البالغ من العمر 78 عاما.
ويرأس إندرز بالاشتراك مع نوربرت فيمار (70 عاما) مجموعة تسمى “الإتاحة” في ألمانيا، ويصفان كيف شعر بعض المسنين بالعزلة، لعدم قدرتهم على دخول ناد محلي لكبار السن أثناء فترة الإغلاق، أو المشاركة في جوقة للإنشاد من خلال موقع إلكتروني بسبب عدم قدرتهم على النفاذ إلى أدوات الفيديوكونفرانس.
في البداية تردّد كبار السن في بلدة تاونشتاين الألمانية، عندما قدم لهم المجلس المحلي خدمة جديدة للحافلات العامة، يمكن حجز تذاكرها عن طريق تطبيق على الإنترنت.
وعلى السطح بدا كل شيء متعلقا بهذه الخدمة التي أطلق عليها اسم “إيميل” واعدا، فثمة حافلة ذات مواعيد رحلات تتسم بالمرونة، ويمكن للمستخدمين أن يحجزوا رحلاتهم عليها وهم في أماكنهم عن طريق الإنترنت.
غير أن الخدمة الرقمية كانت جزءا من المشكلة، فأي راكب لا يمتلك هاتفا ذكيا أو جهاز كمبيوتر لا يستطيع الاستفادة منها، وهو أمر ينصبّ أساسا على الكثير من المسنين، وفقا لما يقوله ديتمار إندرز مدير مجلس إحدى المناطق المعني برعاية المسنين.
ونتيجة لمساعي المجلس أصبح يمكن للمستخدمين الآن أن يحجزوا أماكنهم على الحافلة عن طريق الهاتف.
دورات تدريبية

مسن سويدي يستخدم الإنترنت ويتعلم التكنولوجيا لأول مرة في عمر 99 عاماً
تشير دراسة نشرها “المؤشر الرقمي” العالمي إلى أنه في 2020 بلغت نسبة الألمان الذين يستخدمون الإنترنت نحو 88 في المئة، كما تتصل الهواتف المحمولة لنحو 80 في المئة منهم بالإنترنت، ومع ذلك فإن نظرة فاحصة لهذه الأعداد تشير إلى أن نصف عدد الأشخاص الذين تجاوزوا السبعين، هم فقط الذين يستخدمون الإنترنت، وثلثهم فقط هم الذين يستخدمون هواتفهم الذكية للدخول على الإنترنت.
وينهمك أيضا هذا المجلس الاستشاري للمسنين في مساعدتهم على الولوج إلى العالم الرقمي، وتقديم خدمة يمكن للمسنين من خلالها تدريب نظرائهم ومساعدتهم على استخدام الشبكة.
وحققت الخدمة نجاحا ملحوظا على مدى ستة أشهر من إطلاقها، وذلك وفقا لما قالته كريستينا سينيموس وزيرة التحول الرقمي بولاية هيسه لوكالة الأنباء الألمانية، وأضافت أنه سيتم توسيع شبكة المستفيدين من الخدمة، في مختلف أنحاء الولاية خلال العامين الحالي والمقبل.
وبالإضافة إلى نظام التطوع هذا، توجد أيضا دورات تدريبية لتعلم برامج الكمبيوتر، إلى جانب إتاحة “ساعات لتقديم الاستشارات عبر الهاتف المحمول”، للرد على الاستفسارات وحل المشكلات التي يواجهها البعض من المسنين.
ويوضح كل من إندرز وفيمار أن الاعتماد على أفراد الأسرة، لتقديم المساعدة على تعلم التطبيقات الرقمية لا يكون كافيا في الغالب، وعلاوة على ذلك يحتاج الناس أحيانا إلى الدعم العاطفي والنفسي عند التعامل مع العالم الرقمي.
ويفتقر البعض من كبار السن إلى الحافز، غير أن إندرز يشير إلى أن الجائحة أجبرت الكثيرين على تجربة استخدام أجهزة الكمبيوتر اللوحي والهواتف الذكية، سواء كانوا مستعدين لذلك أم لا.
كما تشير ستيفاني إيمده من المركز التطوعي بمدينة كاسل، إلى “الكثير من مشاعر عدم الأمان والخوف بين كبار السن”، الذين يترددون في جعل أنفسهم موضع إحراج أمام أبنائهم وأحفادهم، بطرح ما يتخوّفون من كونه أسئلة ساذجة، وتقول إنه من الأفضل حصولهم على دورات تدريبية حول طرق استخدام الكمبيوتر.
وتضيف أن الجائحة زادت من التمييز في الحياة اليومية ضد الأشخاص الذين لا يدخلون على شبكة الإنترنت، وذكرت أن إحدى المسنات التي طلبت المساعدة كانت على شفا البكاء، حيث لم تتمكن من الذهاب إلى حوض السباحة كالمعتاد، لأن نظام شراء التذاكر تم وضعه على الإنترنت، ولم يكن لديها هاتف ذكي أو كمبيوتر.
حتى بالنسبة إلى زيارة الأطباء، يجد الكثير من المسنين أنفسهم وقد أصبحوا مهمشين، بعد أن أصبح حجز المواعيد والحصول على وصفات العلاج متاحا بشكل أساسي على الإنترنت، وفقا لما تقوله إيمده.
ومن ناحية أخرى صارت عمليات حجز مواعيد تلقي اللقاح المضاد لفايروس كورونا، متاحة رقميا فقط في الكثير من دول العالم، خاصة وأن المسنين مطالبون أكثر من غيرهم بالحصول على اللقاح، باعتبارهم من بين الفئات الأكثر عرضة للعدوى.
خط أحمر

لا خيار لكبار السن سوى العزلة أو الاستسلام لرهاب التكنولوجيا بصمت
غالبا ما يكون تقديم الخدمات على الهاتف – حتى لو كانت متاحة – غير كافية، مما يترك المستخدمين منتظرين لساعات دون إجابات، أو يضطرون إلى الاتصال هاتفيا في أوقات متأخرة من الليل حيث يقل الطلب على الخدمة، وذلك من أجل العثور على شخص ما يقدم المساعدة.
كما أن المصارف أيضا أخذت في إغلاق فروعها وتقليص أوقات تقديم الخدمات وجها لوجه، ويشجع الكثير منها العملاء على استخدام الخدمات الرقمية، بدلا من الحضور شخصيا إلى مقارها، وهو تحول سبب إحباطا كبيرا لكبار السن بشكل خاص.
وقام البعض من المسنين بوضع خط أحمر يتعلق بهذه الخدمات المصرفية الرقمية، ففي وقت سابق من العام الحالي دشن متقاعد إسباني حملة قوية مناهضة لهذه الخدمات، مما دفع الحكومة إلى الانتباه لهذه المشكلة.
ودعا كارلوس سان خوان وهو طبيب متقاعد دشن الحملة، جميع البنوك الإسبانية إلى تقديم خدمات مصرفية عن طريق موظفين، للمسنين بشكل خاص بدلا من إحالتهم إلى الخدمات الرقمية.
وخلال يوم واحد وقّع على هذا الالتماس، الذي كان عنوانه “أنا مسن، ولكنني لست غبيا” نحو 600 ألف شخص، ثم قدم سان خوان (70 عاما) الالتماس إلى وزارة الاقتصاد وإلى البنك المركزي في مدريد.
واستجابة لهذا الالتماس وعدت الحكومة الإسبانية بالسعي لدى البنوك لإتاحة وجود موظفين لتلبية طلبات كبار السن، وقالت إن القطاع المصرفي أصبح على وعي بالمشكلة وتعهد بحلها.
وبينما تعمل دول أوروبية على مساعدة المسنين للتغلب على مخاوفهم حتى لا يقعوا ضحية للتهميش والعزلة، تصيخ حكومات الدول العربية آذانا صخرية لهم. وتتركهم يواجهون مصيرهم لوحدهم، أو يغامرون بتعلم حيل جديدة بعد أن بلغوا من العمر عتيا.