فشل نبيل العربي هو جزء من فشل العرب في صناعة المشروع أو المحافظة عليه، وهو أيضا جزء من فشل متواصل مؤسساتيا وإقليميا ومحليّا.

الحدود التونسية الليبية لا تحتاج إلى خبراء أجانب يهربون إلى أوطانهم في أول طائرة بعد "خراب البصرة"، بل تحتاج إلى تنمية عادلة وتوظيف شامل وعدالة اجتماعية اقتصادية حقيقية.

كلّ سيادة مخترقة تفضي إلى تسوية مختلقة، الوطن وحده يتحدث مع أبنائه كمواطنين ويبرم معهم، ولصالحهم، المصالحات، أمّا الأجنبيّ فينظر إلى الشعوب بعين الكيانات والجماعات والإثنيات والطوائف والهويات.

لا يبدو أن الأطراف الإقليمية حققت أهدافها بالكامل أو قوضت مآرب مناكفيها من الأساس، وحتى دمشق لا يبدو أنها أجهضت مشروع أردوغان المتمثل في إقامة منطقة آمنة شمال حلب.

التدخل في السودان كان مقدمة لولادة جنوب السودان، والتدخل في العراق كان إرهاصا لنشأة كردستان، وكان الانخراط في سوريا بداية تأسيس كردستان سوريا، ولن يخرج التدخل في ليبيا عن هذه المقاربة.

بيان الرباط لم يكن خطابا دبلوماسيا بقدر ما كان دعوة لإصلاح عميق لمنظومة العمل العربي بعد عقود من القصور ونصف قرن من العجز المؤسساتي إلا في حالات محدّدة.

برحيل هيكل ونهاية الأندبندنت، يخسر الجمهور المحلي والدولي، صحافة الخبر وصحافة الرأي وصحافة التأريخ … والأنكى من ذلك أنّه يخسر تاريخا من الصحافة.

المفارقة أنّه لا حماس تمتلك مفاتيح القطاع برّا وجوّا وبحرا، ولا فتح تسيطر على الضفّة معابر وحواجز، والمفارقة الأكبر أنّ الفصيلين يتقاتلان على أمكنة بلا سيادة وعلى سلطة بلا صلاحيّة.

حروب أميركا الجديدة، الرخيصة من حيث التكلفة والثمينة من حيث الأهداف، تقوم على تدمير الجيوش من الداخل، وإضعاف السلطة المركزيّة، ونشر الميليشيات وإحياء العرقيات وإنشاء الكيانات الهجينة.

أنصاف التدخل العسكري مثله مثل "التدخل الكامل" لا ينقذ أوطانا ولا يؤصل إنسانا ولا يقوّض إرهابا.

ما كان لأردوغان أن يصل إلى هذا الحدّ من "شخصنة الدولة والمؤسسات" إلا بعد تهميش الصحافة الحرة وخلقه لماكينة إعلامية قويّة تحارب كلّ تجربة استقصائية تتحرى فساد الطغمة الموجودة بين أنقرة وإسطنبول.

المفارقة أنّ العواصم العربية كانت ولفترة قصيرة سابقة تمثّل نقطة التقارب والتقاطع بين فرقاء البلد الواحد بل وبين الدول العربية المتحاربة.

ليس من حق أي حكومة لا تملك أدوات الحل وآليات التسوية الاجتماعية والاقتصادية أمام أزمات معيشة جلية وآنية أن تتحدث عن توظيف "الأطراف الدخيلة" لفعل الغضب الجماهيري.

التحركات القادمة تحمل في طياتها أسئلة المعنى والمغزى حول الفعل الثوري العاجز عن الانتصار لاستحقاقات التحركات الاجتماعية، والقاصر عن بناء الدولة الوطنية وإعادة هيبتها المفقودة.

فشلت الثورة، ونجح “التثوير” على وقع ضعف المؤسسات وانسداد الأفق وعجز الفاعل عن الإنجاز والفعل والتغيير.

كما تخلص الإخوان من القوميين سواء في المؤتمر القومي العربي وكما تخلصوا من حلفاء الترويكا، فلا يبدو أن مصير النداء الجديد سيكون بعيدا عن مصائر المغدورين من قبله.

أردوغان ليس هتلر هذا أكيد، كما أنّ تركيا الأردوغانية لن تكون متطابقة مع ألمانيا النازية، ولكنّ تقاطعات عديدة وارتسامات مشتركة بين التجربتين تصل إلى حد المحايثة التاريخية.

الخائفون من موطئ القدم الإيرانية، عليهم أن لا يلوموا دوائر اتخاذ القرار في تونس عند بحثهم عن بدائل للتقاعس العربي وعن مخرجات للأزمة الاقتصادية الخانقة.