"أمير الشعراء" بين تصويت الجمهور ودرجات التحكيم

تصويت الجمهور السعودي يحسم إمارة الشعر للمرة الثالثة لصالح الشعراء السعوديين، كان التصويت في المسابقة قبل الماضية لصالح الشاعر حيدر العبدالله، وفي المسابقة الماضية لصالح الشاعر إياد الحكمي، وفي مسابقة هذا العام جاء التصويت لصالح الشاعر سلطان السبهان، مما يؤشر على أهمية رأي جمهور الشعر في حسم إمارة الشعر لصالح شاعر معين أو بلد بعينه. وأنا أعتقد أن بلدا مثل مصر التي شارك منها اثنان في الحلقة الأخيرة الحاسمة وهما: مبارك سيد أحمد وهبة الفقي، لم يهتم جمهورها كثيرا بالتصويت لصالح شاعريه، وإلا لانقلبت الموازين بحكم التعداد السكاني الضخم.
وأعتقد أنه لو ظلت آلية البرنامج والمسابقة على ما هي عليه، لبقيت السعودية بشعرائها المتميزين محافظة على تقدمها في مسابقات الأعوام القادمة من “أمير الشعراء”. ليس معنى هذا أن شعراء السعودية لا يستحقون اللقب، وليس معنى هذا أيضا أن غيرهم من الشعراء ليسوا على مستوى الفوز بلقب الإمارة، وإنما أتحدث هنا عن مدى تأثير التصويت في إحراز التقدم وفي حمل اللقب الغالي.
وكون أن هناك ستة شعراء يصلون إلى نهائيات المسابقة، هو في حد ذاته فوز لهم جميعا، وتحقيق حلم عزيز المنال، ولكن في الوقت نفسه، هناك الفارق المادي الكبير بين حامل اللقب الذي يفوز بمليون درهم إماراتي (ناهيك عن البردة والخاتم)، وصاحب المركز السادس الذي يفوز بخمسين ألف درهم فقط، أو صاحب المركز الخامس الذي يحصد مئة ألف درهم.
لقد شاهدتُ الحلقة الأخيرة من مسابقة أمير الشعراء في دورتها الثامنة من داخل مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، ولو اعتمدنا على هتافات الجمهور داخل المسرح لشاعره المفضل -بعيدا عن درجات التحكيم- لكان صاحبا المركزين الأولين هما: الشاعر السنغالي محمد الأمين جوب، والشاعرة المصرية هبة الفقي، ولكنهما أحرزا في النهاية المركزين الرابع والسادس.
شاركت الشاعرات بقوة وفعالية في الموسم الثامن، ربما أكثر من المرات السابقة، واستمعت إلى قصائدهن وطريقة إلقائهن الجيدة، وصعدت منهن شاعرتان هما: شيخة المطيري من الإمارات، وهبة الفقي من مصر، فهل سنشهد أميرة للشعراء في المسابقات القادمة
ولعل الشيء الذي لفت انتباهي ولفت انتباه جمهور المتابعين وصول شاعرين أفريقيين من خارج الوطن العربي، وبالتحديد من السنغال ومالي لأول مرة في تاريخ المسابقة، وقد استمعتُ جيدا لهما على مدار مشاركتهما في حلقات المسابقة وحتى صعدا إلى الحلقة النهائية، وهما محمد الأمين جوب وعبدالمنعم حسن محمد، وقد استمتعتُ بهما وبقصائدهما، وأدركت كم تكون لغتنا العربية جميلة على لسان غير العرب، والفضل في ذلك يرجع دائما وأبدا إلى القرآن الكريم، الذي جعل لغتنا جميلة وسهلة على لسان غير أبنائها.
وها هو “أمير الشعراء” يجسد تلك الظاهرة من خلال غير العرب الذين يشاركون في المسابقة، وليس جوب ومحمد أول أو آخر المشاركين من خارج الوطن العربي، الأمر الذي يعطي “أمير الشعراء” بعدا جغرافيا عميق الامتداد مكانيا وزمنيا.
قلبي كان يحدثني بفوز أحد هؤلاء الأفارقة بلقب “أمير الشعراء”، ولو حدث هذا لكنا وجدنا أقلاما تخرج علينا بقول تعميمي إن غير العرب يجيدون العربية أفضل من العرب. وفي الواقع إن غير العرب خدموا اللغة العربية والشعر العربي في عصوره المختلفة خدمة عظيمة، بل إن سيبويه نفسه -إمام النحاة- لم يكن عربيا، ولكنه فُتن بالعربية وانقطع لها واستطاع أن يبسِّط علم نحوها، ومرجع هذا كله هو لا شك “القرآن الكريم”.
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فلم يكن عربيا خالصا، فأبوه شركسي (وقيل كردي) وأمه تركية، ولكنه صار أمير شعراء عصره، وتغنى كبار المطربين بقصائده وأشعاره، من أمثال الموسيقار محمد عبدالوهاب وكوكب الشرق أم كلثوم، والصوت الملائكي فيروز، وغيرهم.
الخلاصة أن غير العرب خدموا العربية شعرا ونثرا ونحوا وصرفا، لذا فإن صعود شاعرين أفريقيين يتحدثان العربية بطلاقة إلى منصة الحلقة الختامية في الموسم الثامن لمسابقة أمير الشعراء، يؤكد عبقرية تلك اللغة، التي لا تعرف الجنس أو اللون أو العِرْق.
نعود إلى مسألة التصويت مرة أخرى، ونتساءل لو كانت لغة السنغال أو مالي الأولى هي العربية، وليست الفرنسية، فهل يسهم ذلك في فوز أحد الشاعرين الأفريقيين بلقب “إمارة الشعر”؟
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه أيضا ونحن بصدد طرح أفكارنا حول “مسابقة أمير الشعراء”، هذا العام، هو المرأة الشاعرة ومتى تحصد لقب الإمارة، وهل عدم حصول شاعرة ما على اللقب يعود أيضا إلى مسألة التصويت؟ وهل العقلية العربية لا تقبل أن تصعد المرأة الشاعرة إلى عرش الإمارة الشعرية، وبالتالي لا تحصد الكثير من أصوات قومها؟
لقد شاركت الشاعرات بقوة وفعالية في الموسم الثامن، ربما أكثر من المرات السابقة، واستمعت إلى قصائدهن وطريقة إلقائهن الجيدة، وصعدت منهن شاعرتان هما: شيخة المطيري من الإمارات، وهبة الفقي من مصر، فهل سنشهد أميرة للشعراء في المسابقات القادمة؟ أتمنى ذلك.