أميركيون يزينون جدارا يفصل السود عن البيض

جدار "بيردود" الأسمنتي الموجود في حي "8 ماي" بديترويت تم تشييده في الأربعينات من القرن الماضي لفصل حي سكني للسود عن مشروع سكني للبيض.
الثلاثاء 2019/11/26
الزينة محل التمييز

تخلّد بعض المعالم التاريخية نقاطا سوداء في تاريخ بعض الشعوب، وفي حي “8 مايل” في مدينة ديترويت الأميركية يشق جدار “بيروود” الأسمنتي، الذي تم تشييده في الأربعينات من القرن الماضي لفصل حي سكني للسود عن مشروع سكني للبيض، حديقة للأطفال ما جعل أهالي الحي وفنانين يزينونه برسوم ملونة، محاولين تجاهل سبب وجوده الأصلي كعلامة على الميز العنصري في المدينة وفي الولايات المتحدة عموما.

ديترويت (الولايات المتحدة) – قبل 60 عاما، لم تكن تيريزا مون تعرف شيئا عن جدار “بيروود” الأسمنتي الموجود في ديترويت حيث تعيش، لكنها اليوم أصبحت على دراية تامة بكل ما يتعلق بهذا الحائط الذي شيّد في الأربعينات من القرن الماضي لفصل حي للسود عن مشروع سكني للبيض.

وتقول مون “نحن نعيش في مجتمع يدور حول بناء الثقة وحول أن تكون فخورا بما أنت عليه… فلم يخبرني والداي بتلك الأمور”.

وتضيف مون سوداء البشرة والبالغة من العمر 66 سنة “لو فعلا ذلك لكانت كل هذه الأمور سقطت.. تصوروا: شيّد جدار لإبقائنا منفصلين عن الآخرين”.

وتعتبر مون الناطقة باسم حي “8 مايل”، الذي سمي كذلك تيمنا بالطريق الذي فصل لسنوات طويلة المدينة التي تسكنها غالبية من السود عن الضواحي التي يسكنها البيض خصوصا.

ونال “8 مايل” شهرة في الثقافة الشعبية بفضل مغني الراب الأبيض إيمينم الذي أطلق على فيلم يروي سيرة حياته اسم هذا الحي. لكن مون تشير إلى أن المغني لم يكن من هذه المنطقة بل نشأ في مدينة وارن القريبة.

وصلت مون إلى هذه المنطقة عندما كانت في السادسة من العمر، في أوج مرحلة الفصل العنصري في الولايات المتحدة. وبعد 250 عاما من العبودية، انزلق البلد إلى نظام يفصل السود عن البيض استمر رسميا في بعض الولايات حتى ستينات القرن الماضي. واستمر في بعض الأماكن التي لم يكن فيها اختلاط بين البيض والسود.

يقول إريك وليامز المحامي في مركز العدالة في ديترويت، “ما زالت ديترويت المنطقة الحضرية في البلاد الأكثر تأثرا بالفصل العنصري. هذا لا يحدث بالصدفة (…) لم يكن يسمح للسود بكل ببساطة بالعيش في كثير من الأحياء”.

وتتذكر تيريزا مون بنبرة من الفخر “كنا سبعة أشخاص نعيش في هذا المنزل المؤلف من ثلاث غرف”.

وتشير إلى أنها لم تر أشخاصا من البيض إلا عندما أصبحت في المدرسة الثانوية وقبل ذلك “لم أرهم إلا في التلفزيون”.

في مطبخها تفتح مجلة “كولييرز” التي تعود إلى العام 1946 وتظهر صورة لأطفال سود يجلسون على الحائط وهم ينظرون إلى الجانب الآخر إلى مراهقين بيض يلعبون.

ومع أن عبور الجدار البالغ ارتفاعه المترين كان ممكنا، إلا أن الحاجز كان واضحا.

وتشير مون “لم ترغب الحكومة في تأمين القروض لأصحاب المنازل البيض إلى حين تشييد جدار يفصل الزنوج” مع استخدامها هذه المفردة التي كانت شائعة في ذلك الوقت وتشير إلى السود.وكان حي السود موجودا منذ عقود. وفي خضم أزمة الإسكان، أراد المطورون الذين اجتذبتهم هذه الأراضي الجيدة بناء حي للبيض.

وتقول تيريزا “كانت هذه الفكرة: إذا كنت تعيش قرب السود، فلن يكون حيك جيدا لذلك سنبني جدارا”.

وعلى جانبها من الجدار “لم يستطع السود الحصول على قروض ولم نتمكن من تجميع ثروة لنقلها إلى أطفالنا لأنه لم يكن يسمح لنا بالحصول على أي شيء”.

وتضيف “هذا ما غرس في رؤوس الناس: السود لا يستطيعون فعل أي شيء… لم يصدقوا أبدا أن شخصا أسود انتهي به المطاف رئيسا للولايات المتحدة” لافتة إلى باراك أوباما.

لكن تيريزا تتذكر الجدار أيضا حيث كان تلعب مع زميلاتها في المدرسة. فقد كان تسلقه نوعا من “طقوس العبور”.

وهي لم تفهم الهدف من وجوده إلا عندما بلغت 13 أو 14 سنة.

وتقول “اكتشاف عدم المساواة الذي يعاني منه الأشخاص من لون بشرتي فقط بسبب لون البشرة، بدا لي أمرا مجنونا”.

وتوضح السيدة الستينية “اليوم، لا يزال سكان الحي بنسبة “98 أو 99 في المئة” من السود.

وحاليا، يرتفع الجدار في حديقة للأطفال تم تجديدها حديثا. وقد زيّنه فنانون والسكان المحليون العام 2006 بلوحات جدارية ملونة تحيي ذكرى تاريخ المكان.

وتؤكد تيريزا مون أن تكون من “8 مايل” يشكل مصدر “فخر” وتضيف “ديترويت هي مدينة فقيرة جدا لكن هذا الحي كان دائما مكانا قويا وجميلا للعيش فيه. لهذا السبب ما زلت هنا”.

24