أمواج صراع إسرائيل - حماس تضرب بعيدا

يصعب العثور على تحليل يشير إلى أن الصراع غير قابل للحل بينما يراقب العالم الأحداث الجارية في إسرائيل وفلسطين برعب شديد. لكن يجب أن تستغل الدول الآن، وأكثر من أي وقت مضى، هذه اللحظة للسعي إلى إيجاد حل للقضية الإسرائيلية – الفلسطينية الأوسع، التي لن تقتصر آثارها على الشرق الأوسط إذا تركت دون حل، بل ستزعزع استقرار البلدان البعيدة عن الصراع مع مضاعفة مآسي الأبرياء في المنطقة فوق كل شيء.
تفاجأ قادة إيران بالهجوم الذي شنته حماس خلال 7 أكتوبر. وتسبّب الحدث على المدى المتوسط في تعليق عملية بناء العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. وهذا ما يخدم الأهداف الإيرانية. لكن من غير المرجح أن يكون تصعيد الوضع في صالحها. وتبدو طهران مهتمة بسلوك حسن الجوار مؤخرا بعد خروجها من الأزمة المزدوجة الكامنة في تدهور الاقتصاد والاحتجاجات المناهضة للنظام التي دامت أشهرا. وقد يرجع ذلك لرغبة إيران في إنقاذ اقتصادها المتعثر.
ولن يكون من المنطقي على المستوى الإستراتيجي أن تختار إيران التصعيد فقط عندما يكون الوضع الإقليمي ملائما لها. وستستمتع طهران بفرصة الانخراط في المواقف السياسية وإبراز صورتها الثورية في المنطقة. لكنها لن ترحب بتورطها المباشر أو توريط حزب الله الذي يبقى “جوهرة التاج” بين حلفائها ووكلائها في المنطقة. وأكّد خطاب زعيم حزب الله حسن نصرالله الذي ألقاه في 3 نوفمبر أن الجماعة لن تتدخل في الصراع في الحال لكنها ستبقي الحدود الإسرائيلية – اللبنانية ساخنة.
◙ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يهدد بزعزعة استقرار النظام العالمي الهش بالفعل. وحتى يمكن حماية أرواح الأبرياء والاستقرار العالمي، يجب أن تسعى الدول المسؤولة بسرعة إلى تحقيق السلام
وتشير إيران، من خلال هجمات حلفائها على إسرائيل والقواعد الأميركية في سوريا والعراق، إلى أنها تستطيع توسيع الصراع إذا أرادت ذلك. وتجاوزت إسرائيل بالفعل الخطوط الحمراء وفقا للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وهو أمر “قد يجبر الجميع على التحرك”. وتبقى الخطوط الحمراء التي تضعها طهران وماهية خططها للرد على إسرائيل غامضتين مع تزايد الخسائر في صفوف مدنيي غزة.
ورغم الدعم الأميركي القوي لإسرائيل، تظل إيران الدولة الوحيدة القادرة على تهدئة الوضع في المنطقة. ويُذكر أن الصين تفتقر إلى القوة الناعمة أو الصلبة التي تمكنها من لعب أي دور في حل القضية الإسرائيلية – الفلسطينية. وحمّلت روسيا الجانب الأميركي مسؤولية التسبب في أزمة غزة. لكن موسكو (مثل طهران) لن ترغب في تصعيد الوضع إلى حرب تؤثر على المنطقة. وهي لا تستطيع تحمل تكاليف إرسال المزيد من قواتها العسكرية المنهكة بالفعل إلى سوريا. وإذا استمر الكرملين في استضافة حماس، كما فعل في أواخر أكتوبر، فقد ترد إسرائيل ببيع الأسلحة إلى أوكرانيا.
لم يتصاعد الوضع إلى صراع إقليمي بعد، لكن عدد القتلى المدنيين في غزة يتصاعد يوما بعد يوم. ورفضت إسرائيل في 3 نوفمبر دعوة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى وقف مؤقت للحرب لأسباب إنسانية. لكن من المهم التذكير بأن الولايات المتحدة استخدمت في 18 أكتوبر حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى هدنة إنسانية في غزة.
وعلى نطاق أوسع، يسبب تفاقم القضية الإسرائيلية – الفلسطينية في تقويض النظام العالمي الهش بالفعل. وأصبحت الأمم المتحدة اليوم غير فعّالة تقريبا في إنهاء العنف. ويُذكر أن إسرائيل رفضت منح وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية تأشيرة دخول بعد أن قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن هجمات حماس لم تحدث “من فراغ”. كما استقال مسؤول كبير في الأمم المتحدة يوم 28 أكتوبر احتجاجا على ما اعتبره ضعفا في استجابة المنظمة للأزمة.
وتحدث جو بايدن عن القيادة الأميركية في العالم خلال خطابه أمام الشعب الأميركي في 16 أكتوبر. ويجب أن يتصرف وفقا لما قال وأن يقود الطريق من خلال تكريس بقية فترة ولايته نحو السعي إلى تحقيق حل دولتين قابل للتطبيق. وإذا لم يكن لإنقاذ أرواح الأبرياء في المنطقة دافع كاف، فعليه أن يتحرك من منطلق الحفاظ على الذات حيث تعدّ نتائج تواصل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني متعددة الجوانب.
◙ طهران ستستمتع بفرصة الانخراط في المواقف السياسية وإبراز صورتها الثورية في المنطقة. لكنها لن ترحب بتورطها المباشر أو توريط حزب الله الذي يبقى "جوهرة التاج" بين حلفائها ووكلائها في المنطقة
فأولا، خُلقت فجوة في مختلف أنحاء الغرب بين الرأي العام (وخاصة الشباب) وسياسيي المؤسسات. ومكّنت وسائل التواصل الاجتماعي الشباب في جميع أنحاء العالم من الربط بين التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين وقضايا العدالة الاجتماعية الأخرى مثل حياة السود مهمة والعدالة المناخية. وتواجه الطبقة السياسية التي لا تأخذ في الاعتبار الرأي العام خطر فقدان الشرعية على نحو متزايد، وهذا ما قد يخلق مساحة أكبر لليمين المتطرف الصاعد بالفعل في العديد من البلدان.
ثانيا، سيتحول الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي لم يمكن حله إلى نقطة فارقة متفجرة في السياسة عبر البلدان إلى جانب ارتفاع معدلات كراهية الإسلام ومعاداة السامية. وهذا ما سيزعزع استقرار المجتمعات متنوعة الأعراق.
ثالثا، سوف تكون المجتمعات ضحية للتضليل والحملات الدعائية بسبب غياب النقاش المفتوح بين مختلف فئاتها. وتتسبّب المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي خلال القتال الحالي بالفعل في تأجيج صراع ذي عواقب مأساوية. ويجب على الدول الرشيدة أن تترك لمجتمعاتها حرّية مناقشة هذه القضية بجدية، مع اليقظة ضد أي تحريض على العنف. وتشمل حرية التعبير بالطبع الحق في الاحتجاج. ولا يُنبئ حظر فرنسا وألمانيا للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين بنتائج إيجابية لاستقرار نظامهما السياسي.
ويهدد الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في النهاية بزعزعة استقرار النظام العالمي الهش بالفعل. وحتى يمكن حماية أرواح الأبرياء والاستقرار العالمي، يجب أن تسعى الدول المسؤولة بسرعة إلى تحقيق السلام والعمل على التوصل إلى صفقة شاملة تتضمن حلا لقضايا مثل الحدود، والمستوطنات، والأمن، والسيادة الفلسطينية. ورغم أن هذا الطريق يبدو شبه مستحيل، إلّا أن مخاطر الجمود تبقى أخطر من أن نتجاهلها.