أكاديمي عراقي: لا يمكن مواجهة التحديات الراهنة بمؤسسات مترهلة وضعيفة

تواجه المنطقة العربية أزمة ناتجة عن تسارع الأحداث وتواتر التحولات السياسية دون أن يتاح للدول والمجتمعات الفرصة الكافية لمواكبة التغيّرات العاصفة بمراجعات ثقافية واجتماعية أو إصلاحات مؤسسية وهيكلية تجعلها مؤهلة لاستيعاب التغيير السياسي الجارف، وما يرافقه من صراعات أيديولوجية وانفجار هوياتي وأزمات اقتصادية واحتقانات اجتماعية.
لكن، مع ذلك، لن يكون حضور الأطر المؤسساتية كافيا ما لم تكن هذه الأطر معبّرة عن حاجات المجتمع ومستجيبة لتحدياته، فالمؤسسات هي نتاج لرأس المال الاجتماعي، وتعكس قيمه ومضامينه؛ تقوى بقوته وتضعف بضعفه.
وفي ظل هذه المعضلة، يبدو العقل العربي بحاجة إلى التحرك في مسارين: الأول، تخليق رأس مال اجتماعي جديد، والثاني، إعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس قيم مغايرة لإملاءات الواقع المتردّي، وفق الأكاديمي العراقي هاشم فوزي العبادي.
ويوضح العبادي في مقابلة مع “العرب”، أن الفرد كائن عاجز اجتماعيا إذا تُرك لنفسه؛ لكن اتصاله بالآخرين يتيح التراكم لرأس المال الاجتماعي، بما يلبي حاجات الإنسان الأساسية، كالتقدير والأمان والثقة وتبادل القبول والاحترام مع الآخرين والتعاون والتكافل، وهي قيم أساسية في تشكيل رأس المال الاجتماعي، وجوهرية في تحقيق التنمية. ويضيف أن استثمار الثروة البشرية في المجتمعات يرتبط باستيعاب الدول لمفهوم رأس المال الاجتماعي الذي يستدعي أن تهتم الدولة بالمجتمع وطاقاته أكثر من الجهاز البيروقراطي، وأن تتجه نحو الأسرة والمدرسة والأحياء والقرى والمدن والمجتمعات المحلية، مؤكدا على أن الاهتمام بالوحدات الاجتماعية هو عملية تنموية ستكون لها ثمار اقتصادية فعلية وزيادة في إنتاجية المجتمع.
وينصح العبادي الحكومات باستثمار مفهوم رأس المال الاجتماعي والعمل على تهيئة سياقات وديناميكيات تكوينه التراكمي، والإفادة منه في تعزيز الديمقراطية ومبادئ المساواة الكاملة والمواطنة، ومعالجة تحديات الواقع ومداواة التشوهات والشروخ المجتمعية التي تسببت فيها الصراعات السياسية والاستقطابات الأيديولوجية.
|
ويؤكد الباحث أن التخمين والتشخيص الدقيقين لحالة المؤسسة والإدارة يساعدان وبشكل كبير في تحديد المرحلة التي تعيشها المؤسسة من العافية أو الوهن، ويتيحان استخدام الاستراتيجيات الملائمة لتصحيح مسارها والابتعاد بها عن الظروف التي تؤدي إلى الفناء التنظيمي.
ويبيّن أن ما تعيشه المؤسسات الحكومية من أزمات خانقة قد تدخلها مرحلة الشيخوخة وبالتالي الموت المحتمل كلما طالت عزلتها واحتبست نشاطاتها الإدارية والتنظيمية وراء سور من الانغلاقية في القرارات والتقليدية في الأداء، وصبغت سلوكياتها بالفساد وتجاوزت القانون والأنظمة.
ويفيد الخبير العراقي أن عجز المؤسسات عن تشخيص وإدراك مؤشرات الفشل التنظيمي سيؤدي إلى الانهيار بشكل مأساوي، كما أن بعض المؤسسات تقف مكتوفة الأيدي وعاجزة عن التصرف حيال تدهور أوضاعها.
ويرجع العبادي انعدام الشفافية ونقص المعلومات إلى معوقات واختلالات في الهيكل التنظيمي لهذه المؤسسات، وإنكار وجود الخطأ من قبلها، محذرا من أن عدم الاهتمام بالهيكل التنظيمي يقود إلى العجز التنظيمي ويؤدي إلى حدوث كوارث تنظيمية. وحذّر من أن تضارب الاختصاصات والصلاحيات في مؤسسات الدولة وعدم وضوح التوصيفات الوظيفية والحدود التنظيمية، يقودان إلى صراعات هي بمثابة كوارث تنظيمية.