أفلام عربية تواجه أزمة في السيناريو

تشاهد خلال سنوات جائحة كورونا وما بعدها كمّا من الأفلام التي تنتجها التجارب السينمائية العربية فتحتار في مشكلة الشكل والمحتوى، وما تريد أن تقوله أو تقدّمه إلى الجمهور العريض.
واقعيا يبدو أن هنالك إشكالية لابد من التوقف عندها بعدما تحول الأمر إلى ظاهرة خلاصتها استسهال عملية إنتاج فيلم سينمائي، ومن ثم الجرأة في طرحه أمام الجمهور.
سوف يتساءل الجمهور العريض ومثله النقاد والمتخصصون: ترى أين تكمن المشكلة في هذا المستوى المتواضع فنيا وجماليا؟
في البدء لابد أن نضع مسألة التقنيات جانبا، لأنها لم تعد عائقا مطلقا لسبب بسيط هو أن تلك التقنيات أصبحت في المتناول وبرامج المونتاج وأجهزة الإضاءة والكاميرات والحلول البصرية وتصحيح الألوان وصولا إلى الخدع السينمائية.
إذا سوف تكمن المشكلة في الفكر وما يحمله الفيلم من مضمون فكري وثقافي وجمالي، وهو الذي يشكل جوهر مهمة كاتب السيناريو الذي يقوم عمله على إبداع قصة رصينة متماسكة، تستند إلى جميع مقومات القصة ودعائمها وتستحق أن تروى إلى الجمهور من خلال سلسلة من المشاهد واللقطات.
نقطة البداية والبذرة هي الأساس، وهي التي ترتبط بوظيفة كاتب السيناريو وبديهيات مهمته في تحقيق النجاح في كتابة سيناريو جدير بأن يتم نقله إلى الشاشة.
بالطبع هنالك ثلة مرتبطة بعقلية السوق في العالم العربي وتتمثل في مقدار المال الذي سوف يتم تحقيقه في شكل أرباح من عرض الفيلم وقبل ذلك الإنفاق عليه، ولهذا ربما يتم تقديم فيلم إلى فئة من المجتمع تتميز بالسطحية وبأن ينطلي عليها كل ما يقدم من إسفاف، ولهذا سوف يكون مستغربا على الرغم من كل أشكال الإسفاف أن هنالك جمهورا يذهب مع ذلك لمشاهدة فيلم رديء، ربما في بعض الأحيان من أجل سواد عيون نجوم الفيلم الذين يتحملون أيضا جانبا من المسؤولية وأوزار تقديم أعمال هابطة أو هزيلة.
من هنا لن يكون مجديا التذكير ببديهيات تتعلق بكاتب السيناريو الذي أسندت إليه عملية كتابة كل ذلك الإسفاف، وما أكمله المخرج من مستوى مترد لا تفلح معه أي عمليات ترقيع أو فبركات أو مشاهد تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، مع أن الحصيلة هي واحدة في جميع الأحوال وخلاصتها أن الفيلم لم يرتق إلى المستوى المطلوب، بسبب رداءة الفكرة وبنائها ومغزاها والشكل الذي ظهر عليه السيناريو على الشاشة.
هنا يمكن أن ننظر إلى الواقع الحالي وما هي تفضيلات الجمهور السينمائي العريض، وهي قضية إشكالية مربكة، فالجمهور الواسع الذي صار من السهل عليه مشاهدة المئات من الأفلام الحديثة التي تحوي الأفلام المقرصنة، لم يعد يرضيه المستوى الهزيل من الأفلام التي تعرض أمامه، ولهذا سوف يتحير المنتج والمخرج أيضا في النوع الفيلمي الذي يمكن من خلاله الوصول إلى النجاح المنشود.
بالطبع هنالك الحل السريع والسطحي المتمثل في أفلام التهريج والضحك الساذج، وهي أفلام يحاول صانعوها أن يلصقوها بالكوميديا مع أن الكوميديا نوع قائم بذاته وله اشتراطاته ومتطلباته، ويتطلب متخصصين في كتابة السيناريو يدركون أن “صنعة فن الكوميديا” راسخة وعميقة الجذور وتمتد إلى الآلاف من السنين منذ فن الشعر لأرسطو، وبهذا سوف يسقط شرط الإسفاف ويخفق المخرج في تقديم مشاهد كوميدية ناجحة، بل يقدم مشاهد إضحاك سطحية هي الإسفاف بعينه.
على هذا نتأكد يقينا أن مشكلة الكثير مما نشاهده اليوم من أفلام في العالم العربي هي مشكلة “الفكر” الذي تحمله تلك الأفلام وما وصلنا إليه على صعيد كتابة السيناريو، وحيث يتأكد التراجع الكارثي في هذا المجال والذي نشهده في هذا الركام من الأفلام التي لا تستحق المشاهدة ولا ما أنفق عليها من أموال.