أفغاني يقاوم الغزو الرقمي للحفاظ على آلة تصويره الخشبية

الآلة صمدت أمام الحروب والغزوات ومنع التصوير من جانب حركة طالبان، لكنها الآن مهددة بالزوال بفعل الأجهزة الرقمية.
الأحد 2021/11/21
التكنولوجيا تهدد العلبة السحرية بالاندثار

يجوب حاجي ميرزمان شوارع العاصمة الأفغانية حاملا آلة تصويره الخشبية للحفاظ على مهنة لازمته منذ ستينات القرن الماضي، وعلى الرغم من تجاوزه لاختبار حركة طالبان التي منعت التصوير، فإن الغزو الرقمي بات يهدد علبته السحرية بالاندثار.

كابول – كان حاجي ميرزمان مراهقا في ستينات القرن الماضي عندما بدأ التقاط صور بواسطة آلة تصوير خشبية في وسط كابول، لكنه يخشى حاليا زوال هذه “العلبة السحرية” بسبب الغزو الرقمي.

وكان ميرزمان يجوب الشوارع بحثا عن زبائن ليلتقط صورا بالأبيض والأسود لجوازات السفر وبطاقات الهوية ووثائق ثبوتية أخرى.

وتجمع هذه “الكاميرا الفورية” بين جهاز التصوير والحجرة المظلمة، وهي سلف أجهزة “بولارويد” للتصوير الفوري وكان يستخدمها خصوصا مصورون في الشارع من أجل البورتريهات الخاصة بالزبائن.

وصمدت الآلة أمام الحروب والغزوات ومنع التصوير من جانب حركة طالبان خلال تسلمها الحكم لأول مرة بين العامين 1996 و2001، لكنها الآن مهددة بالزوال بفعل الأجهزة الرقمية، بحسب ميرزمان الذي بات في السبعينات من العمر.

حركة طالبان منعت التصوير لكنّها سمحت لحاجي ميرزمان بالتقاط صور رسمية بجهازه

ويقول ميرزمان لوكالة فرانس برس خلال وضعه جهاز التصوير خاصته على منصة خشبية في منزله الصغير في قلب العاصمة الأفغانية “لم نعد نستخدم هذه الأجهزة. هذه آخر قطعة من نوعها محفوظة لديّ”.

ويبدو المصور السبعيني سعيدا بإظهار طريقة عمل الجهاز، إذ يُدخل ورق التصوير ومنتجات مخصصة لتحميض الأفلام وينزع الغطاء عن العدسة ليحصل فورا على صورة سالبة.

ومن داخل الحجرة العازلة للضوء، يعمل ميرزمان على الصورة السالبة التي تحوّل بالمسار عينه لتعطي صورة مكتملة المعالم.

وأوضح ميرزمان “المصورون اليوم يستخدمون جميعهم أجهزة رقمية (…) عدد الأشخاص الذين يعرفون طريقة استخدام هذا الجهاز آخذ في التراجع”.

وأشار إلى أن علب التصوير كانت تُصنع على يد نجارين أفغان، لكنّ العدسات كانت تُستورد من الخارج.

وشكّلت خمسينات القرن العشرين العصر الذهبي لهذه الكاميرات الفورية، في فترة التحق فيها الأفغان بأعداد كبيرة بصفوف الجيش الوطني وكانوا يحتاجون لهذه الغاية إلى صور شمسية من أجل إتمام معاملاتهم العسكرية.

ومنعت حركة طالبان إثر تسلمها الحكم في نهاية تسعينات القرن الماضي، التصوير إذ يحرّمون أي تمثيل للبشر، وحظرت الموسيقى ودُمّرت القطع الفنية والتراثية، لكنّها سمحت لحاجي ميرزمان بالتقاط صور رسمية بجهازه.

ميرزمان يخاطب جيلا متعلقا بكاميرات الهواتف الذكية
ميرزمان يخاطب جيلا متعلقا بكاميرات الهواتف الذكية

وبعد سقوط طالبان سنة 2001، حظيت هذه الآلات برواج متجدد في ظل حاجة الملايين من الطلبة إلى صور من أجل العودة إلى المدرسة أو لاستخدامها في استصدار بطاقات الهوية.

وبعد عودتهم إلى الحكم منتصف أغسطس الماضي، لم يجدد عناصر طالبان الحظر الذي فرضوه سابقا على التصوير. وفي الشوارع يمكن رؤية المقاتلين الشباب يلتقطون صورا لرفاقهم أو صورا ذاتية (سيلفي) بواسطة الهواتف الذكية.

وعلّم ميرزمان أبناءه الأربعة فن التصوير. لكنّ أياً منهم لا يستخدم الكاميرا الفورية.

ويُعرض آخر جهاز تصوير من هذا النوع تملكه العائلة حاليا في الأستوديو العائلي، كشاهد على حقبة غابرة لم يعد لها وجود سوى في ألبومات الصور.

ويشار إلى أن مبيعات الكاميرات تراجعت بشكل غير مسبوق منذ ظهور كاميرات ملصقة خلف الهواتف الذكية تستطيع التقاط صور وشرائط مصورة عالية الجودة شكلت منافسة واقعية لعمالقة صناعة الكاميرات.

كما أن الجيل الجديد يظهر تعلقا متزايدا بهواية التصوير خصوصا بفضل انتشار الهواتف الذكية التي توفر سهولة في التقاط الصور وتشاركها عبر خدمات التواصل الاجتماعي.

20