أطفال الفوضى

الأحد 2016/05/15

صحيح أن أتلتيكو مدريد غادر سباق الدوري الأسباني في المنعطف قبل الأخير، وفقد قبل جولة واحدة من النهاية كافة حظوظه في التتويج باللقب، وصحيح أن الفريق تأثر بكثرة المباريات والرهانات، إلاّ أنه انتزع للموسم الرابع على التوالي إعجاب الجميع، وحق له أن يكون “الحصان الأسود” سواء في الدوري المحلي أو دوري أبطال أوروبا.

لقد فعلها أبناء المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني ليبلغوا المباراة النهائية لدوري الأبطال للمرة الثانية خلال ثلاثة أعوام، لكن الأمر المثير للإعجاب مرة أخرى يتمثل في أن هذا الفريق “المقاتل” أطاح بأقوى فريقين في العالم حاليا، ونعني بذلك برشلونة ثم بايرن ميونيخ.

وأغلب الترشيحات الحالية قبل الدور النهائي لأمجد الكؤوس الأوروبية المبرمج يوم 28 مايو ترشح كفة الأتلتيكو كي يباغت مواطنه ريال مدريد في النهائي المنشود والحدث الموعود، فطالما نجح الفريق في هزم كل الكبار في مسيرته الناجحة هذا الموسم، وطالما شكل “عقدة” بدأت تلازم الريال خلال المواسم الأخيرة، وسيكون نظريا المرشح الأقوى لمعانقة الإبداع والتتويج باللقب الغالي الذي استعصى على الفريق في نهائيين سابقين سنتي 1974 و2004 ضد بايرن ميونيخ وريال مدريد على التوالي.

وبما أن لكل فريق قصة وحكايات وأسس ثابتة للنجاح، يجب العودة سنوات قليلة إلى الوراء لإدراك قيمة هذا التحسّن المطّرد في مستوى أتليتيكو مدريد الأمر الذي ساعده أولا على الظفر بلقب الليغا سنة 2014، وكذلك الدخول ضمن نادي الأندية العتيدة والمنافسة بقوة على الألقاب الأوروبية وتحديدا دوري الأبطال.

الحكاية تعود إلى سنة 2011 عندما تم التعاقد مع المدرب الأرجنتيني الشاب سيميوني اللاعب السابق في صفوف الفريق، فقدوم هذا الفني المتحمس والشغوف بعمله ساهم بشكل كبير في تغيير استراتيجية لعب الفريق، بل بات أحد أفضل الفرق في العالم من الناحية الدفاعية، فمبدأ سيميوني يعتمد على تأمين الدفاع أولا، ثم مباغتة الخصم بهجمات “قاتلة”، ثانيا.

حكاية الصعود الصاروخي استمرّت فنجح الفريق في فك الحصار المفروض من قطبي أسبانيا ريال مدريد وبرشلونة على لقب الدوري المحلي لأكثر من عشر سنوات، فحق لكتيبة سيميوني أن تتوج باللقب الغالي، وحق لها أن تعلن أمام الملأ أن فريقها بات صاحب أسلوب لعب مميز وقادر بفضل استراتيجية استثنائية على تخطي كل المنافسين والخصوم.

هذه الكتيبة المميزة نجحت على امتداد أكثر من أربع سنوات في البرهنة على قوّتها وصلابتها وقدرتها على الصمود أمام أعتى المهاجمين، بل إن طريقة اللعب المعتمدة من هذا الفريق باتت أسلوبا رائجا هذه الأيام، وأغلب الفرق أصبحت تحلم بأن تستمد ولو قليلا من روح “الأتليتيك”.

فلاعبو أتلتيكو مدريد رغم أن قيمتهم المالية مقارنة بباقي النجوم في عدة فرق أخرى لا تبدو مرتفعة، تمكنوا من التأكيد عاما تلو آخر على أن هذا الفريق بقي مهابا وقويا وقادرا على رفع كل التحديات والمنافسة بشكل “عنيف” على الألقاب.

هم بمثابة “أطفال الفوضى” على حد توصيف لاعب الفريق فيلبي لويس الذي شبه كتيبة الأتليتيكو بأبطال المسلسل الأميركي الشهير الذي يحمل تسمية “أطفال الفوضى”، فلويس المغرم كثيرا بالمسلسلات العالمية استوحى ما يحصل في تلك السلسلة وجعله واقعا ملموسا داخل عائلة “الأتليتيك”، فالالتزام بروح الجماعة والتقيد بضرورة “منح” الحياة لبقية الزملاء داخل هذا الفريق المليء بالمتناقضات، تحتم على كل عضو أن يكمل الآخر مهما كانت الاختلافات واضحة.

هم “عصابة أشرار” تبدع كرة وتتنفس عشقا للنجاح وتوقا لكسب كل المغامرات، والسلاح في ذلك تسليط ضغط رهيب على لاعبي الخصوم عبر الالتزام الخططي الصارم واستلهام روح الجماعة والمجموعة بقيادة “الزعيم” سيميوني المتمكن والمتمرس والخبير بشكل كل خطط المنافسين.

والأمر الأهم من ذلك أن هذه “العصابة الكروية” لا تأبه باتهامات المنافسين والخصوم، فالرد يكون دوما في ميدان المعركة. لقد تم التقليل من شأن الفريق ووقع اتهامه بكونه يهدم مفهوم الكرة الجميلة والمفتوحة من خلال اعتماد أساليب دفاعية صارمة “تقتل” المباراة، وتخرج الخصوم عن طورهم، فتضيع بذلك وفق هذه الاتهامات روح كرة القدم العصرية الهجومية أمام تكتل مبالغ فيه من أبطال هذه “العصابة”.

ومع ذلك، فميزة “أطفال الفوضى” الأساسية هي ترويض المنافسين والتأثير في معنوياتهم والتركيز، ثم شن الهجوم المعاكس في الوقت المناسب والمكان المناسب، هكذا صار الأمر ضد أغلب المنافسين وخاصة برشلونة في ربع نهائي دوري الأبطال، ثم بايرن ميونيخ في نصف النهائي، وهكذا قد يتكرر الأمر في المباراة النهائية في ملعب سان سيرو في مدينة ميلانو ضد الجار ريال مدريد.

وبما أن “أطفال الفوضى” لا يستسلمون بسرعة ولا يتركون أيّ فرصة تمر دون رد الدين والثأر، فإن الفرصة مواتية بعد أيام قليلة لرد “الصفعة” في مواجهة ريال مدريد، “أطفال الشوارع” ثأروا من بايرن ميونيخ واستعادوا الاعتبار لهزيمة موجعة عمرها 42 عاما فأطاحوا بالفريق البافاري، واليوم سيكون همهم الوحيد وهاجسهم الأوحد، هو الثأر من ريال مدريد الذي انتزع منهم بطولة دوري الأبطال قبل موسمين فقط إثر نهائي مشهود تقدم خلاله الأتليتيكو على امتداد أكثر من تسعين دقيقة، قبل أن ينتفض الريال ويسجل رباعية أجلت حلم التربع على العرش الأوروبي لبرهة من الزمن.

كاتب صحافي تونسي

23