أصدقاء النت!

صار الآخر عبر النت بمثابة اللصيق لا الصديق، لأن الأخير يحتاج وقتاً لتنظم العلاقة معه، أما اللصيق عبر النت فإنه الأكثر قرباً وتفاعلاً مع الكثيرين الذين أضحوا ضحايا “ظاهرة التلاصق” في سحابة النت مع وعبر السوشيال ميديا.
الخميس 2018/09/06
التفاعل مع عصر النت حالة لا بد منها

لا أدّعي أن كل الصداقات والعلاقات تجري اليوم عبر الإنترنت، فإن الكثيرين مازالوا يفضلّون التعرّف إلى الناس عبر الاتصال المواجهي للتقرب إليهم ومعرفتهم عن قرب وكثيرون يمارسون فن التعرف على الناس من خلال وسائل الاتصال ويسمونهم جمهور وسائل الإعلام المختلفة وثمة من دخل في معترك السوشيال ميديا وأنغمس مع مستخدميها وتفاعل مع أشخاص وكروبات وظن أن العالم كله يقع في سحابة النت تلك التي يتغطى بها أو يجول بين عوالمها وأفلاكها! ويظل يتواشج معها كل دقيقة، ولقد صار ذلك العالم الذي يتعرف من خلاله على الآخر، بكل جوارحه بعقدة الأنا في مرآة الآخر، حسب يونك.

هذا المركب والمعادل الجديد جعل أغلب الناس يجدون أن الأخر متاح بل هو بين كفيه يمكنه أن يتحاور معه أو يقفل الحوار معه أو أن يتواصل معه، يرضيه أو يشاكسه، يتأمل كل شيء فيه، صار الأقرب إليه من كل حد آخر حتى أسرته أو شريكه.

لقد تنمط تفكير الناس، صار الأخر يمشي ويجلس وينام ويأكل ويشرب معه، يداهم كل لحظة من حياته، حتى وصلنا إلى عقد صداقات وحوارات مباشرة لا تعرف المحظور والمسموح وغير المسموح.

صار الآخر عبر النت بمثابة اللصيق لا الصديق، لأن الأخير يحتاج وقتاً لتنظم العلاقة معه، أما اللصيق عبر النت فإنه الأكثر قرباً وتفاعلاً مع الكثيرين الذين أضحوا ضحايا “ظاهرة التلاصق” في سحابة النت مع وعبر السوشيال ميديا.

وإذا كان التفاعل مع عصر النت حالة لا بد منها فإن منافعها من دون شك كثيرة في الاستعلام والتواصل، لكن مضارها كبيرة في حال سوء التقدير والتورط مع أناس لديهم استهدافات من تلاصقهم مع بعض الفئات العمرية المتدنية، حيث يعاني الملايين من البشر من آثار هذه الظاهرة، حين تكتسب درجة الانحدار إلى الاستجابة السلوكية لأوامر آخر قد تكون له أجندة أو استهدافات بعينها، حتى بات لدينا ظاهرة ضحايا النت، إن صح التعبير الذين تورطوا بمنح الثقة أو تحاوروا أو فتحت خصوصياتهم على من احترف استغلالها، وتوظيفها ولا داعي لسرد عشرات القصص، التي أدخلت أصحابها إلى السجون أو إلى المقابر.

التربويون الذين يحذرون من الانغماس في الإنترنت يؤشرون خطورته على المراهقين وحديثي العهد به، لأنه لا يعني الحقيقة كاملة بل هناك مهارات الإخفاء والحجب دون المعرفة الحقيقية للمعلومات عن الأفراد والمعلومات، فلا بد من تدخل طرف ثالث محايد يتمكن من تمييز الرسائل وغربلتها وتصفية دافعيتها، فمن يقوم بذلك غير الأسرة التي ينبغي أن تقتحم خصوصية النت لأولادهم القصر لمشاركتهم بطبيعة الحوار الذي يجري مع الآخرين قبل أن يطلقوا النار على أجهزة الهاتف.

24