أصحاب سيارات الأجرة في الوطن العربي يشكون من تداعيات كورونا

العديد من أصحاب سيارات الأجرة يباشرون العمل بطريقة مخالفة للقانون منذ بداية الجائحة من أجل كسب القوت خاصة أن المساعدات المالية المخصصة لهم تأخرت.
الاثنين 2020/12/07
التباعد خارج القاعدة

بدأ أصحاب سيارات الأجرة في الوطن العربي يشتكون من الإجراءات الحكومية التي تتعلق بالوقاية من وباء كورونا الذي انتشر في أنحاء العالم، فالبعض يشتكي من منع التنقل بين المحافظات والبعض الآخر يشتكي من كثرة مصاريف التعقيم، في حين تعدّ السيارات المسجلة على تطبيقات الإنترنت الأوفر حظا في هذه الأزمة.

تونس- أغلقت جائحة كورونا الحدود بين الدول وانتشرت في موجة ثانية لتغلق بين المدن والمحافظات في الوطن العربي، وتوقف سائقو سيارات الأجرة في العواصم وبين المدن المكتظة عن التنافس في ما بينهم للفوز بزبائن أكثر، خفّت سرعتهم في الطرقات، وقلّ غضبهم من أصحاب السيارات الخاصة الذين كانوا يضايقونهم في الطريق.

النقل بين المحافظات

الحال لا يختلف من دولة إلى أخرى، ولكنه يختلف من قطاع إلى آخر، فسيارات الأجرة بين المحافظات شهدت كسادا بعد أن منع التنقل بينها، وجلس السائقون في المحطات يرتشفون القهوة وينتظرون إفراجا طال بسبب الوباء، وتعكّرت حالتهم المادية خاصة وأن لهم التزامات بنكية فأغلبهم اشتروا سياراتهم بقروض بنكية عليها فوائد تقسم الظهر، إضافة إلى معلوم التأمينات والتغطية والاجتماعية وما إلى ذلك من مصاريف الصيانة وغيرها.

يقول التونسي، النفطي المرزوقي (58 عاما) سائق سيارة أجرة بين محافظتي الكاف وتونس، “لقد تأثرنا بهذه الجائحة بطريقة لا مثيل لها، فحمولة سيارات الأجرة انخفضت للنصف أو حتى أقل، لأن الجامعات أغلقت في الآونة الأخيرة، إلى جانب البطالة التي خلفتها الجائحة ما جعل الناس لا تتنقل بين الجهات والمحافظات، واضطرّنا هذا الوضع إلى تخفيض عدد الرحلات يوميا وأحيانا نتغيب عن العمل لأنه لا يوجد العدد الكافي (8 زبائن) لكي نقوم برحلاتنا”.

ويضيف النفطي الذي يجلس مع زملاء العمل بجانب سياراتهم، “مداخيلنا تراجعت للنصف أو أكثر، ولم نعد نقدر حتى على توفير معاليم السيارة ومستلزماتها من المحروقات وغيرها”.

المواطنون يواجهون مشكلة التنقل
المواطنون يواجهون مشكلة التنقل

حال أصحاب سيارات الأجرة الرابطة بين المحافظات في تونس لا يختلف عن حال زملائهم في الجزائر، الذين اصطفوا على مقاعد البطالة بسبب تفشي الوباء وقرارات الحكومة التي أغلقت المحافظات واشترطت على العاملين بقطاع النقل إجراءات وقائيّة صارمة جعلت سائقي سيارات الأجرة يقلقون على إمكان تحقيق أرباح بعودتهم للعمل، في حين أنها تحافظ على سلامتهم وسلامة الركاب.

كشف عمر بوعدسة، مالك وسائق سيارة أجرة على خط العاصمة الجزائرية ومحافظة برج بوعريريج، أنه تكبد خسائر كبيرة جراء وباء كورونا، فالاعتقاد الذي كان سائدا في بداية الأمر بأن الحجر والحظر على تنقل الأشخاص والسيارات لن يدوم أكثر من شهر في أقصى الحالات، تمدد ليبلغ نحو عام كامل.

وذكر في تصريح لـ”العرب”، أن “الوباء دمر أسرا بكاملها خاصة تلك التي تعتمد في رزقها على حرفة أو مهنة يدوية، وأن المنحة التي رصدتها الحكومة للعاملين في قطاع النقل بواسطة سيارات الأجرة بين المحافظات لم تجد نفعا ولا تلبي مصاريف أسبوع واحد من حاجيات الأسرة”.

وأكد بوعدسة أن “نية الحكومة لم تكن التكفل بنا وإنما وجهت كلامها للتسويق والاستهلاك الإعلامي، وإلا ما معنى أن تطلب من المتقدمين من سائقي سيارات الأجرة للحصول على منحة 250 دولارا، أن تكون بحوزتهم وثيقة تحديث الوفاء بآداءات صندوق التضامن لغير الأجراء”.

وتابع “لقد اضطررت أنا والعديد من الزملاء إلى العمل بطريقة سرية، حيث عمدت إلى طمس كل الإشارات الرسمية لسيارة الأجرة، وتحولت إلى سيارة أجرة مخفية، رغم ما لذلك من مخاطر وعقوبات.. لكن ما باليد حيلة”.

واعترف العديد من أصحاب سيارات الأجرة بأنهم باشروا العمل بطريقة مخالفة للقانون أو كما يسمى محليا “الكلوندستان”، منذ بداية الجائحة من أجل كسب القوت، خاصة أن المساعدات المالية المخصصة لهم تأخرت.

أما أصحاب سيارات الأجرة بين ضواحي المدينة الواحدة فهم أفضل حال مقارنة ببقية زملائهم العاملين بين المدن والمحافظات رغم تقليل عدد الركاب إلى النصف، وترفيع سعر السفرة بنصف القيمة، لكنهم أصبحوا يشتكون من قلة الزبائن الذين أصبحوا يفضلون سيارة التاكسي لأنها تقلهم بمفردهم.

الخطر قائم
الخطر قائم

يقول محمد الجريري صاحب سيارة أجرة بين العاصمة تونس وضاحية المرسى، “إن حركة النقل لم تكن كما كانت عليه من قبل فنحن لا نحمل في الرحلة الواحدة سوى أربعة ركاب وهذا يعني أن مداخيلنا قلت وهذا أثّر على التزاماتنا فنحن نسدد قسطا بنكيا كل شهر وندفع التأمينات السنوية وهي باهظة التكاليف هذا إضافة إلى المصاريف التي تنجر على إصلاح العطب وما إلى ذلك”.

يقول الجريري “صحيح أن غياب كل راكب يعني تقليص فرصة الإصابة بالعدوى لكن نحن نريد أن نعمل فتكاليف الحياة باهظة ولنا أطفال بالمدارس، فكيف يعيش الذين يسكنون بالإيجار، ثم كم سيكسب الذي يعمل سائقا وليست له سيارة، الحقيقة أن هؤلاء أصبح وضعهم صعبا جدا مع تراجع مداخيلهم، علما وأن العديد من أصحاب السيارات صاروا يعملون طيلة اليوم لأن الحجر الصحي يغلق المدينة باكرا”.

وفي الجزائر يقر كمال العميري، وهو مالك سيارة أجرة بين العاصمة وضواحيها، بأنه أكثر حظا بعدما سمحت لهم الحكومة بالعودة إلى نشاطهم، عكس العاملين على خطوط بين المحافظات، لكنه مع ذلك بدا في حديثه مع “العرب”، أكثر قلقا من تجليات المرحلة التي أفرزها وباء كورونا.

يقول العميري “قد نبدو محظوظين مقارنة بالعاملين على خطوط بين المحافظات، لكن الواقع شيء آخر، فالبروتوكول الذي فرضته السلط المختصة من أجل العودة إلى النشاط صارم جدا، كما أنه يقلص مردود العمل”.

والبرتوكول الصحي يشمل وضع فاصل من البلاستيك المُقوى يعزل السائق عن الركاب في المقاعد الخلفية، مع إلزامية ارتداء الكمامة بالنسبة لكلّ من السائق والزبون، مع وضع محلول الكحول المطهر تحت تصرف الزبائن، كما يجب أن تكون مقاعد سيارة الأجرة مغطاة بأغلفة بلاستيكية، ويتعين تطهيرها تلقائيا بعد كل عملية نقل، بالإضافة إلى تنظيف السيارة بمحلول مطهر يوميا وبصفة منتظمة مع التنظيف والتعقيم الدوري لمساند الرأس والذراع وكذا مقابض أبواب السيارة بمواد مطهرة.

وتابع العميري “كثيرا ما أدخل في مشادات مثيرة للأعصاب بسبب الإجراءات الوقائية مع الزبائن، ومع ذلك نحن في أريحية مقارنة بزملائنا الآخرين، ولا أخفي أنني مررت بظروف صعبة خلال الأشهر الماضية بسبب شل النشاط”.

وعبر المتحدث عن امتعاضه من تراخي المصالح المختصة، من فرض إجراءات الرقابة على المهنة، فقد استغل العديد من ممتهني الحرفة سريا الوضع وفرضوا علينا منافسة غير شريفة ولا هي نزيهة.

التاكسي الفردي

التاكسي الفردي

أصحاب التاكسي الفردي هم أكثر المستفيدين من الحجر الصحي ومنع التجول الذي يجبر الناس على الإسراع في العودة إلى منازلهم قبل الوقت المحدد، لكن رغم ذلك يقولون إنهم يعانون أيضا من شروط الوقاية المجحفة والمخاطر، فهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى لأنهم لا يعرفون زبائنهم ممن يحملون الفايروس.

يقول حمادي فدو، صاحب سيارة تاكسي، إنه كان يعمل بالليل، وصار يعرف من أين يلتقط زبائنه من شوارع العاصمة التونسية وأماكن السهر، لكن مع حظر التجول أجبر على العمل بالنهار بعد أن أغلقت نوادي ومطاعم السهر بعد أن حدد حظر التجول المتعلق بالوقاية من الفايروس التاسعة مساء كحد أقصى يتواجد فيه الناس في الشارع. ويضيف أنه في البداية وجد صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد لكنه اليوم يعاني من مشكلة وهي أن بعض الزبائن لا يلتزمون بلبس الكمامة.

ويشتكي أصحاب التاكسي الفردي من كثرة المصاريف للتعقيم الذي أصبح عبئا يقلل من توفير لقمة العيش، لكنهم يقرون بأنهم أفضل حال من زملائهم العاملين في سيارات الأجرة الأخرى.

التوكتوك يختلف

وضع صعب
وضع صعب

وفي مصر يشكو خالد أمين، سائق تاكسي بالقاهرة، من تأثره الكبير بفايروس كورونا، فمنذ ظهوره انخفض معدل استخدام سيارته من قبل الزبائن، وأحجم الكثير من الركاب عن استخدام سيارات الأجرة، وأصبحوا يميلون إلى تفضيل سيارات الأجرة المسجلة على تطبيقي أوبر أو كريم، اعتقادا بأن هذا النوع من السيارات أكثر أمانا.

وقامت الشركتان بحملة دعائية للتأكيد على التزام السائقين كافة الإجراءات الاحترازية، ما خلق شعورا بالأمان لدى قطاع كبير من المواطنين في مصر.

وقال أمين لـ”العرب”، “أصبحت وتيرة العمل مملة بالنسبة لي، فمن يستقلون سيارتي يتحاشون الحديث خوفا من تبعات الرذاذ المنبعث من الفم أو الأنف، وغالبيتهم ينهون رحلتهم بالسيارة من دون أن ينطقوا بجملة واحدة”.

وأشار خالد (41 عاما) إلى أنه يحرص على ارتداء قناع الوجه، وإظهار نظافة سيارته بوضع عبوات من المطهرات الكحولية على طاولة القيادة لطمأنة الزبائن وحماية لنفسه، لافتا إلى أن هذه اللوازم زادت من الأعباء المالية التي يتكبدها شهريا، خاصة في الفترات الأولى للأزمة التي شهدت ارتفاعا في أسعار تلك المنتجات.

سيارات الأجرة بين المحافظات شهدت كسادا بعد أن منع التنقل بينها، وجلس السائقون في المحطات يرتشفون القهوة وينتظرون إفراجا طال بسبب الوباء

يختلف الأمر تماما بالنسبة لمركبات التوكتوك الشهيرة في مصر، والتي تجوب غالبية الشوارع الجانبية، وزاد الإقبال عليها في القرى، حيث لا تتبع الإجراءات الاحترازية المكثفة التي تطبقها الحكومة منذ ظهور الوباء.

وأوضح نبيل محمد، سائق توكتوك بمحافظة الغربية في شمال القاهرة، أن المركبة التي يقودها ليست بها أبواب، وبالتالي يدخل إليها الهواء من الجانبين، ما يجعل الزبائن يطمئنون كثيرا للتعامل معه ولا يخشون العدوى، فالهواء يتجدد على الدوام.

وأضاف لـ”العرب”، “أن المشكلة التي تواجه العالمين على مركبات التوكتوك في المناطق الشعبية والقرى، تتمثل في تراجع استخدامها، حيث بدأ البعض يميلون نحو التحرك على الأقدام لقضاء احتياجاتهم، بعدما تضررت مصادر رزقهم وقل دخلهم”.

ويستخدم التوكتوك في المسافات القريبة، والتي يستطيع أي شخص أن يقطعها مشيا، ولو على سبيل ممارسة الرياضة، وهو ما انعكس على مستوى الإقبال على هذه المركبة، كما عاد البعض من قاطني القرى والنجوع إلى استخدام الحيوانات، مثل الحمير، أو إصلاح دراجاتهم الهوائية لقضاء مشاوريهم القريبة.

ويبقى خطر الإصابة بالعدوى يهدد أولئك الذين يستقلون النقل العمومي كالحافلات والقطار والميترو، خاصة إذا لم يلتزم المسافرون بإجراءات الوقاية كارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي.

20