أصابع الولي الفقيه ومزمار حسن نصرالله

القاعدة الموسيقية تقول: من لا يغني على نغمة مزماره لن يسمع من حوله غير الصراخ الناشز، فما بالك بمن يسلم مزماره لأصابع غيره ويحاول الغناء على ما ينتج له من ضجيج؟ هذا ما أصر حسن نصرالله على تأديته طوال حياته (الحزبية)، بل وحتى بعد موته، الغناء على عزف ولي إيران الفقيه وإجبار اللبنانيين على التسليم به على أنه الغناء الوحيد الجميل الذي يليق بهم سماعه.
سلحه ولي إيران بترسانة سلاح عتيدة سمحت له ببناء دولة أثقل من دولة لبنان الرسمية، وأمره بمصادرة قرارها السياسي والاقتصادي باسم المقاومة وتحرير فلسطين. فلماذا لا يأتي تحرير فلسطين إلا عبر تحول حزب إلى دولة داخل الدولة؟ هذا ما لا يفهمه ويجد له المبررات غير ولي إيران الذي يعرف ويفهم كل الأمور.
حسنا، أيها البطل المقاوم، ها أنت اختطفت الدولة اللبنانية بقرارها وسيادتها ومقدرتها، وحولتها إلى مجرد حارة صغيرة في دولة ضاحيتك، واخترت واتخذت قرار الحرب باسم دولتك البديلة. فأين قدراتك الجبارة التي هددت بها اللبنانيين ودولتهم قبل عدوك؟
◄ جميع الطوائف اللبنانية غير الشيعية تخاف حزب الله وليست قادرة على مواجهة بطشه الوحشي، لأن أغلب هذه الطوائف لا تملك وليا فقيها يسندها ويمدها بالأسلحة والمعدات والذخيرة
عدوك الإسرائيلي، الذي هددت بمحقه، قتلك قبل أن يصل قرار إعلانك للحرب عليه إلى وسائل الإعلام. وفي اليوم التالي للتضحية بك كقربان سمين، قتل خليفتك حتى قبل أن يصدر وليك الفقيه قرار تتويجه في عاصمة ضاحيتك (المباركة). وها هي طائرات وصواريخ وقنابل إسرائيل تحرث كل شبر في أرض عاصمتك الجنوبية قبل باقي الأراضي اللبنانية. فكيف حدث هذا؟ وأين وعود مزمارك ووعود أصابع وليك العليم الفهيم؟
وها هو وليك الفقيه يتوسل، ومن قبل دفن جثتك حتى، بحجارة الأرض، من أجل وقف إطلاق النار، ليس من أجل الإبقاء على حياة من سيتبقى من مقاتليك، بل من أجل أن تبقى أصابعه على مزمارك ويواصل لبنان الرقص على لحنه الناشز كولاية إيرانية تأتمر بأمره وتخضع لمراسيم رؤيته. فهل المقاومة تعني بيع الوطن للأجنبي ورهن شعبه لقرارات ورؤية ذلك الأجنبي؟
الغول الإيراني يلعب بكل الأحجار، بل ويضيف إلى رقعة الشطرنج كل يوم حجرا جديدا، ولكن من أجل مصالحه الخاصة، وأولاها مصلحة بقائه في السلطة لأطول فترة يستطيع انتزاعها. أما أدوات مقاومته العربية، فأول ما يضحي به من أجل سلامته، فتكتفي منه بمفاتيح شقق جنة الفردوس التي يزهد بها الولي الفقيه، رغم أنه على أعتاب التسعين من عمره. فبدل أن يلحق بصنيعته، نصرالله، إلى جنة المأوى، ينقله الحرس الثوري مساء كل يوم من أيام المقاومة إلى مقر آمن ومحصن ضد قنابل وصواريخ الموت الإسرائيلي محتملة السقوط.. فقط.
المضحك المبكي أن إسرائيل مصرة هذه المرة على مسح حزب نصرالله من معادلة الخارطة السياسية للبنان، بتدمير كامل قوته العسكرية التي صادر برهبتها الدولة والقرار اللبناني. إلا أن هذا، وبدل أن يدفع إيران إلى اليأس من أمره، نجدها تعمل على تجهيز البديل له، وحتى قبل أن ترى نهايته، بدفع نبيه بري إلى المراوغة والمماطلة، إلى حين إيجاد البديل لحسن في قيادة حزبها في لبنان. وهذا ما بلغه به وزير خارجية الولي الفقيه خلال لقائهما في دارة بري العامرة والآمنة في زيارته الأخيرة للبنان. وهذا ما لا يريد أن يعيه ويفهمه بري، رغم أعوامه الستة والثمانين، ورغم قضائه لأكثر من ثلاثين عاما في رئاسة وسياسة مجلس النواب.
◄ الغول الإيراني يلعب بكل الأحجار، بل ويضيف إلى رقعة الشطرنج كل يوم حجرا جديدا، ولكن من أجل مصالحه الخاصة، وأولاها مصلحة بقائه في السلطة لأطول فترة يستطيع انتزاعها
هل يعني هذا أن لبنان سيبقى مجبرا على الغناء على مزمار حسن نصرالله، حتى بعد تصفية إسرائيل لحزبه وتحوله إلى مجرد شرذمة؟ هل يعني هذا أن الدولة اللبنانية ستسمح لإيران بإعادة تسليح ما سيتبقى من حزب نصرالله، والأهم أن يعلو صوت لحنه على الأراضي اللبنانية من جديد؟ سكوت رؤساء الطوائف وأحزابها الحالي يدلل على هذا للأسف.
فالحقيقة غير المعلنة هي أن جميع الطوائف اللبنانية غير الشيعية تخاف حزب الله وليست قادرة على مواجهة بطشه الوحشي، لأن أغلب هذه الطوائف لا تملك وليا فقيها يسندها ويمدها بالأسلحة والمعدات والذخيرة وباقي شروط وعناصر التغول. وعليه فلا يبقى رهان للبنان الدولة والكيان غير الجيش اللبناني، الذي تتوفر له الآن فرصة السيطرة على الأمور والقرار السياسي لكامل الدولة اللبنانية، ليعلن حالة الطوارئ والأحكام العرفية وإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد.
والأحكام العرفية التي ندعو إليها هنا وفي مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار الرسمي والنهائي، يجب أن تدعم من قبل الأمم المتحدة والشرعية الدولية، لمساعدة دولة الجيش وإمدادها بالوسائل والأدوات، لتجريد جميع الأحزاب والطوائف من السلاح وفرض النظام على الجميع أولا. ومن ثم وضع دستور جديد للبنان، يلغي نظام الطوائف المعمول به حاليا، ويؤسس لدولة المساواة والقانون، ويحظر تأسيس الأحزاب أو أي شكل من أشكال التحزب أو التجمع الطائفي أو العرقي أو المناطقي. لأن دستور لبنان المعمول به الآن والذي يقر التقسيم الطائفي هو ما جر لبنان إلى كل ما عاناه خلال السنوات الطويلة الماضية، بحربها الأهلية على وجه التخصيص. كما أنه هو من فتح الباب أمام حزب الله للتغول والتحول إلى دولة اختطفت كامل الدولة اللبنانية بقوة سلاح ودعم ولي إيران الفقيه.. وعزفه على مزمار الطائفية.