أشغال الترميم أهم

حدثتني صديقة في بداية سنواتها الأربعين عن تفكيرها الجاد في القيام بـ”أشغال ترميم لوجهها” واستغربت حرص الجميع وخصوصا الرجال على القيام بأشغال ترميم لمنازلهم وسياراتهم وغيرها وإهمالهم لترميم وجوه زوجاتهم. وتساءلت كيف نهتم نحن البشر بترميم الأشياء والجماد وكل ما نحتاجه ونستعمله في حياتنا اليومية، ونهمل جمال وجوهنا ونتناسى مظهرنا إلى أن تتهاوى ملامحنا الجميلة للسقوط بمفعول الشيخوخة وما تجلبه من شيب وتجاعيد واعوجاج في القامة والظهر.
من المفارقات أن هذه المرأة تعيش حياة البسطاء إن لم نقل أنها من الفقراء، ولكنها تحب الجمال وتعشق أنوثتها وجمالها كامرأة. أمسكت جزءا من مرآة مكسورة وهي جالسة على أريكة متآكلة في صالون بيتها المتواضع قرب زوجها وراحت تعدد على مسامعه ما يجب إصلاحه “يجب أن أستعمل البوتوكس لتغطية تجاعيد أسفل العينين، ويجب أن أجري عملية شد جلد لمنطقة فوق العيون وللرقبة، ويجب أن أقوم بإعادة رسم حواجبي بالوشم في شكل مواكب لموضة الحواجب التي صعدت مؤخرا.. ويجب أيضا أن أجري عمليات شفط دهون من منطقة البطن، ويجب أن أمارس الرياضة لأحافظ على صحتي ورشاقتي، ولا تنس أن أسناني يجب أن تعالج وتستبدل بأخرى لأحصل على ابتسامة جذابة كالمشاهير..”.
هذه الرغبة في القيام بعلاجات وعمليات التجميل ليست مشكلة ولا حلم هذه المرأة البسيطة فقط بل هي حلم وطموح العديد من السيدات عندما يبلغن سن الأربعين وما بعدها. قد لا تفكر المرأة كثيرا في إمكانياتها المادية وفي ظروف زوجها المتواضعة والتي تعجز عن تغطية تكاليف عمليات التجميل بأنواعها لأنها تركز فقط على جمالها وينصب كل اهتمامها على الحفاظ على شبابها وحيويتها ورشاقتها أمام تقدم العمر بها.
ظل زوجها يراقبها في صمت وبابتسامة ساخرة يشاركها مع ابنته وهما ينظران إليها ويكتمان ضحكاتهما بينما تواصل هي الإطناب في التفسير، يجيبها الزوج بعد أن سألته عن رأيه قائلا “الحل الأقل تكلفة والأسهل هو أن تستبدلي جمجمتك كلها بما فيها وجهك وشعرك وأيضا عقلك”. كان موقفها أن اعترضت بشدة على فكرة استبدال رأسها دون أن تهتم بما قيل بين الكلمات (وما مفاده أن تفكيرها لم يعجب زوجها) قائلة “هكذا ستكون أنت الرابح تريد أن تحصل على زوجة جديدة بوجه آخر ورأس آخر والمهم أن لا تكون أنا”.
وفي الأثناء تلقت الزوجة اتصالا هاتفيا من إحدى صديقاتها لتعلمها بأنها عادت من العمرة وتستضيفها للحفل الذي ستقيمه بالمناسبة، فوجئت بالخبر وظلت تسألها عن الرحلة وتفاصيلها وتكلفتها ولم تستطع كتمان نصيحتها بأن هناك أشياء أهم وأولى من مصاريف العمرة فقالت “كان حريا بك أن تهتمي بجمالك وتقومي بعملية تجميل لإزالة التشويه في أنفك جراء الإصابة التي حصلت لك في حادث المرور ذاك العام، لماذا لم تفكري في أن تستعملي مصاريف العمرة في الاهتمام بنفسك لاسترجاع جمالك ورشاقتك؟ أليس أولى بأموال العمرة أن تتخلصي من حالة السمنة والترهل التي بات عليها جسمك..”.
وفور انتهاء المكالمة نطقت ابنتها المراهقة قائلة “اتقي الله يا أمي وتوبي إليه، أنظري لصديقتك وقارني نفسك بها لقد سافرت للعمرة وفكرت في الآخرة بينما تصدعين أنت رؤوسنا بأحلامك بعمليات التجميل التي لا يمكنك دفع ربع ثمن أبسطها.. لم أفكر أنا في ذلك بالرغم من أني في مقتبل العمر وأحتاج أكثر منك للاعتناء بمظهري وجمالي..”.
روت لي صديقتي هذه الحكاية ضاحكة من ردة فعل زوجها وابنتها لكن ضحكتها كانت بطعم المرارة، فسخريتهما منها واستغرابهما من تفكيرها في عمليات التجميل بالرغم من إدراكها أن ظروف أسرتها المادية التي لا تسمح بذلك لم تؤثر فيها بقدر ما ذكرتها بحقيقة وضعها المالي الذي يقف فيه الفقر حاجزا أمام تحقيق أحلامها التي تعتبرها بمثابة الحق. الحق في الحفاظ على الجمال والرشاقة بما أنهما أساس الأنوثة وأهم ما لدى كل امرأة.
تختم صديقتي بضحكتها التي تختزن كمّا هائلا من الحسرة “لم أصدم برد زوجي ولا كلام ابنتي كثيرا بقدر ما شعرت بقوة الارتطام بأرض الواقع وبحائط الفقر تحديدا، لكن فعلا لو توفرت لدي الإمكانيات المادية لن أفعل غير ذلك ولن أتأخر عن القيام بأشغال الترميم اللازمة لي والتي ستظل من أولوياتي في الحياة”.