أسئلة حول قانون اللجوء في مصر

تطبيق قانون اللجوء قد ينجح في تقنين أوضاع الوافدين إلى مصر لكنه يمنح مشروعية كبيرة لمن يريدون الذهاب إليها، فالقانون الذي حوى بنودا سياسية وأمنية صارمة وفر ليونة اقتصادية وإنسانية واجتماعية.
الثلاثاء 2024/11/26
مصر تتسع للجميع

أثار قانون اللجوء الذي أقره البرلمان المصري مؤخرا أسئلة عديدة، لم تقم الحكومة بتقديم إجابات سريعة شافية عنها، وضاعف تركها معلقة من الحيرة لدى من أثاروها ومن تابعوا الجدل الذي دار حولها، فالتوقيت الذي جرى طرح القانون فيه أسهم بدوره في فتح الباب حول أحد الأسئلة الشائكة المتعلقة بالفلسطينيين والمصير المجهول الذي ينتظرهم بعد وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

فلا يزال ملف التهجير مطروحا في بعض المناقشات السرية، ورغم كل المواقف الرسمية التي أعلنتها القاهرة والرافضة للتهجير، قسريا أو طوعيا، إلا أن هناك من يغمزون من طرف خفي حول إمكانية أن تستقبل مصر في أراضيها أعدادا منهم.

حوى القانون الذي أصدره البرلمان شؤون اللاجئين كافة، ومن جنسيات مختلفة، وعالج غالبية قضاياهم المعلقة، لكن هناك من توقفوا عند الفلسطينيين، مع أن حالتهم لا تختلف عن غيرهم كثيرا، واعتبروا القانون الجديد تحايلا ومحاولة لتقنين أوضاعهم فقط، مع أن محتواه لا يستثني أحدا في مصر، ووضع ضوابط للجميع، واستغل من خصوا الفلسطينيين بهمساتهم ومخاوفهم عدم قيام المسؤولين بالرد عليهم.

◄ في قانون اللجوء لم يظهر نفي أو إجابات وتركت القضية للموقف السياسي لطارح السؤال أو مروّج الشائعة، ومن هنا تضررت الحكومة مرتين، وربما السلطة برمتها

وبدأت تخميناتهم تتسرب إلى شريحة واسعة من المصريين، ويتكرر ما يحدث في ملفات أخرى، والتي تتزايد حولها الشائعات والمعلومات الخاطئة وتتجاهلها الحكومة ثم تشكو من تحوّلها إلى كرة ثلج تكبر كل يوم، وتتهم من وقفوا خلفها بتعمد تشويه صورة السلطة في مصر، دون أن يبادر المسؤولون مبكرا بوضع النقاط على الحروف.

كما أن القانون تعامل مع كل المقيمين في مصر بلا تصنيف، ويبلغ عددهم نحو عشرة ملايين شخص، على أنهم لاجئون أو من طالبي اللجوء، بينما الأرقام المسجلة لدى المنظمة الدولية لشؤون اللاجئين في القاهرة لا تتجاوز المليون شخص، وعدم قيام الحكومة بتفنيد هذا الخلط أوقعها في موقف حرج، فهناك الملايين ممّن يقيمون في البلاد ولهم صفات مختلفة ولا ينطبق عليهم لفظ اللاجئ، ويجب التعامل معهم وفقا للصفة التي تناسبهم، وتتوافق مع الأوراق الرسمية التي بحوزتهم.

ربما يكون استخدام لفظ لاجئ له دواع سياسية أو أمنية، وفي الحالتين يحتاج الأمر إلى المزيد من الشفافية والتوضيح والتدقيق، منعا للالتباس وقطعا للطريق على من يريدون التشكيك في وجود دوافع خفية حول القانون، والذي كان مطلوبا بعد أن تزايد تدفق اللاجئين خلال السنوات الماضية، وباتت مصر بلدا مستقبلا بكثافة لهم، بشكل أكثر سهولة من بلدان عديدة، وجدت في اتجاههم نحوها راحة لهم.

فتح وضع كل المقيمين الأجانب بمصر في سلة واحدة، أي خانة اللاجئين وفقا للقانون الجديد، الباب لسؤال آخر يتعلق بمدى الحاجة إلى الاستقرار فيها، أو اتخاذها معبرا (ترانزيت) للهجرة إلى بلد آخر في شمال البحر المتوسط، وماذا عن اللجوء لأسباب سياسية مباشرة، والذي لا تحبذه مصر إلا لضرورات قاسية، فعلاقاتها بغالبية دول العالم جيدة، ولا ترقى إلى استضافة معارضين من أيّ دولة.

◄ رغم كل المواقف الرسمية التي أعلنتها القاهرة والرافضة للتهجير إلا أن هناك من يغمزون من طرف خفي حول إمكانية أن تستقبل مصر في أراضيها أعدادا منهم

وتمنع القاهرة، وفقا للقانون، ممارسة أي أجنبي/لاجئ لعمل سياسي على أراضيها، وكل القوى والشخصيات التي تنتمي إلى المعارضة في الدول التي تنحدر منها، مثل السودان والصومال واليمن والعراق وسوريا وليبيا، لا أحد شاهد أو سمع، قبل صدور قانون اللاجئين، عن ممارستهم لعمل سياسي يندرج تحت لافتة المعارضة، وهو نهج متّبع في مصر منذ زمن طويل، ولم يتسبب في مشكلة مباشرة مع أيّ دولة، وربما هناك أنظمة كانت ترتاح لوجود معارضيها في القاهرة، لأنها تثق بعدم توظيفهم ضد حكوماتهم الرسمية، إلا في حالات نادرة يتم احتواؤها بسرعة، كما حدث إبان عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، حيث اتهم القاهرة باستخدام بعض القوى المدنية ضد نظامه، لكن تمت التهدئة وتجاوز هذا الاتهام، وعادت الأمور إلى مجراها.

قد ينجح تطبيق قانون اللجوء في تقنين أوضاع الكثير من الوافدين إلى مصر، لكنه أيضا يمنح مشروعية كبيرة لمن يريدون الذهاب إليها، فالقانون الذي حوى بنودا صارمة من الناحيتين السياسية والأمنية، وفر ليونة اقتصادية وإنسانية واجتماعية، وفي الوقت الذي يتلقى فيه اللاجئون صفعات في أوروبا والولايات المتحدة يجدون ترحيبا كبيرا في القاهرة، وهو ما أوجدا رابطا بين ما يجري هناك وما قامت به مصر، على اعتبار أنها هيأت الأجواء أمام استقبال المزيد من المهاجرين واللاجئين والفارين من الصراعات والنزاعات في المنطقة.

ولم تقدم الحكومة المصرية أيضا تفسيرات أو ردودا حيال هذا الطرح، وتجاهلته كأنه لا يهمها، ثم تشكو من التوظيف السياسي لأيّ رابط تسمعه حول هذه المسألة.

◄ حوى القانون الذي أصدره البرلمان شؤون اللاجئين كافة، ومن جنسيات مختلفة، وعالج غالبية قضاياهم المعلقة، لكن هناك من توقفوا عند الفلسطينيين، مع أن حالتهم لا تختلف عن غيرهم كثيرا

يعتبر بعض المسؤولين في مصر الرد على أسئلة الصحافيين أو تفنيد ما يتردد من تساؤلات (مغلوطة أو خبيثة أو بريئة) على مواقع التواصل الاجتماعي نوعا من التنازل منهم، وأن عدم توقفهم أبلغ رد يرونه على هؤلاء، ويتناسون العواقب الناجمة عن ذلك، فالاستنتاجات السلبية التي يمكن أن تخرج من وراء التجاهل والغطرسة تداعياتها خطيرة على الدولة.

وتشير إلى أن المسؤولين فيها لا يملكون معلومات دقيقة وأن الأسئلة وما يتولد عنها من إجابات على سبيل الاجتهادات المضللة من قبل أصحابها صحيحة، أو تلامس الحقيقة، وأيّ رد رسمي يمكن أن يحسب على السلطة، التي ترى أن الغموض بنّاء في بعض الحالات، وهي سياسة تسمح بشائعات تضخمت مؤخرا بشكل لم تعد الحكومة قادرة على تحمل تبعاته، ومع أنها أنشأت وحدات متخصصة للرد عليها، إلا أن الطريقة التي تتفاعل بها تنقصها معالجة ما يترتب عنها من خلل، لأن ردودها مقتضبة، تكتفي بالنفي من دون توفير المعلومات اللازمة التي تثبت لماذا النفي.

في قانون اللجوء لم يظهر نفي أو إجابات وتركت القضية للموقف السياسي لطارح السؤال أو مروّج الشائعة، ومن هنا تضررت الحكومة مرتين، وربما السلطة برمتها. مرة لأنها صمتت على أسئلة دارت حول قانون مهم فيه قضايا تمس الأمن القومي. ومرة ثانية لأن تجاهل الرد منح مصداقية لمن أثاروا نقاشا حول قضايا حيوية.

وفي المرتين زادت الشبهات حول القانون، وبدلا من أن يكون سببا لتقنين أوضاع اللاجئين، قد يصبح مدخلا لإحراج السلطة التي تحاول ضبط الكثير من التشريعات بما يتماشى مع التطورات الجديدة، وسد الثغرات التي أدت إلى أزمات على مدار سنوات طويلة، جعلت أجهزة الدولة أمام حالة لا تجد سندا قانونيا للتعامل معها، أو تجد سندا ضعيفا لا يمكّنها من إيجاد حلول تتوافر لها الأدوات القانونية الصارمة.

8