أسئلة امتحانات للبيع في ليبيا

وضع التعليم في ليبيا يربك الجهات المسؤولة في البلاد.
الثلاثاء 2024/05/21
بعض المدرسين متورطون في عملية التسريب

طرابلس - لم يصدق بعض طلبة السنة الثانية ثانوي في إحدى مدارس طرابلس ما حدث عندما تم توزيع أوراق الامتحان النهائي في مادة الكيمياء هذا الموسم… تبادلت أعينهم نظرات الاستغراب ولسان حالهم يقول “لقد خُدِعنا”. وفي المقابل لم يقوَ أي منهم على الكلام بسبب إدراكهم أن السيناريو الآخر والذي كانوا ينتظرونه “غير قانوني”.

وتسرد أستاذة المادة في المدرسة (ع.ا) القصة قائلة لوكالة الأنباء الألمانية “بدأ الأمر في الليلة السابقة للاختبار حين فاجأني اتصال متأخر من طالب مجتهد بدا على صوته الأسف وأخبرني أن الأسئلة سُرِّبت بين الطلبة، وأرسل لي نسخة مصورة منها”.

تأكدت المعلمة من الأمر، هي ذات الأسئلة التي اعتمدتها إدارة المدرسة، ولحسن الحظ لم تغب الحكمة عنها في ظرف كهذا، فقد أخبرت الطالب أنها أسئلة ملفقة، وحثته على مواصلة الاجتهاد. وعندما علم المدير بالأمر، سارع إلى المدرسة في منتصف الليل وأعد أسئلة جديدة بالتعاون مع إحدى المعلمات، ودون علم أحد آخر.

تسريب الأسئلة في مراحل النقل قد يتم لغرض مادي من المعلمين، أو لصالح أحد أقارب المعلم من الطلبة

الحظ لم يستمر في هذه القضية، فقد توقف إجراء إدارة المدرسة عند حد تجديد الأسئلة، دون عقاب الجاني. تستدرك (ع.ا) في هذا الشأن “الكل يعلم ما حدث، لكنهم يتكتمون، ربما حفاظا على سمعة المدرسة أو سترا للمعلمة المخالفة، فمع أن الجميع يعرفها لم يتجرأ أحد حتى على مواجهتها”.

ولهذا السبب، يرفض من حاورتهم الوكالة في المدرسة نشر أسمائهم أو اسم المؤسسة التعليمية، لكن بعضهم كشف أن تسريب الأسئلة “تم قبل الامتحان بيوم في مركز دورات قريب، حين أدارت المعلمة المخالفة دورة خاصة للطلبة”، مؤكدين أنهم “استلموا منها إجابات نموذجية أيضا لقاء 20 دينارا من كل طالب”.

ويرسم سلوك الإدارة السلبي تجاه المعلمة المخالفة علامات استفهام يفسر المدير السابق لثانوية بنات، أيمن الجبالي بعضها قائلا لوكالة الأنباء الألمانية “المدير في المقام الأول يخشى الفضيحة، ومن المؤكد أنه غير مستعد لنشر القصة ثم استقبال التقريع والنقد وشكاوى أولياء الأمور”.

يتابع “هذا شأن التعليم عندنا منذ التسعينات، وفي الغالب، لا تتم معاقبة المعلم، حتى لو اجتهد المدير في ذلك، وفي مثل هذه الظروف قد لا تتجاوز القضية مكاتب لجان التفتيش والمتابعة في مراقبات التعليم بالبلديات، تماما كما حدث مع معلمة كنت قد أحلتها مرة إلى التحقيق بتهمة تسريب أسئلة، وذلك قبل أن أُفاجأ بها في المدرسة وقد أنهت القضية بوساطة اجتماعية، وعندما رفضت الأمر قاموا بتحويلها إلى مدرسة أخرى، دون تعريضها لأي عقاب”.

وفي أقسى درجات التطور كما توضح (ع.ا) “قد تحال قضايا كهذه إلى مكتب المتابعة والتفتيش بالوزارة، ويعاقب المعلم بإنذار لا ضرر منه في الواقع، أو يُعفى من إعطاء الحصص ويوجه للإشراف المدرسي”.

تستدرك “هذا ليس الخرق الأول من هذه المعلمة، ولا الأول في مدرستنا ولا بعموم البلاد. الأمر صار معتادا في ليبيا، والجريمة المتكررة لا تثير الاندهاش ولا حتى الفضول كما يبدو”.

تقول إحدى إداريات ذات المدرسة لوكالة الأنباء الألمانية “تسريب الأسئلة في مراحل النقل قد يتم لغرض مادي من المعلمين، أو لصالح أحد أقارب المعلم من الطلبة، وقد يستخدمه معلمون لغرض الاستلطاف أو الاستعراض بعد نيل تلاميذهم علامات عالية، كما أن هناك طرقا أخرى لتسهيل النجاح، كأن يستقطع المعلم جزءا بسيطا من المنهج للامتحان ويهمل الباقي ويخبر الطلبة بذلك، هذا عدا عن تساهل البعض مع حالات الغش أثناء الاختبارات”.

ويعلق وزير التعليم الأسبق محمد هلال العزابي على قضايا الإخلال بالشرف المهني في قطاع التعليم، قائلا لوكالة الأنباء الألمانية “نحن مجتمع بسيط، والكل قد يجد طريقة اجتماعية للوصول إلى الكل، سواء عن طريق القبيلة أو الجيرة أو الصداقة، ومع مشاكلنا الأخرى فإن أغلب قضايا الإخلال بالشرف المهني سواء في قطاع التعليم أو غيره تتم تسويتها بطرق اجتماعية في الإدارات الوسطى، ولا تصل إلى مستوى وزاري أو قضائي إلا نادرا”.

تسريب الامتحانات يمكن أن يكون أثناء طباعتها
تسريب الامتحانات يمكن أن يكون أثناء طباعتها

ويفترض العزابي أن “المعلمين خاصة والموظفين عموما لو تقاضوا ما يكفيهم، لما لجأ بعضهم إلى الإخلال بالمهنة لغرض المال”.

وينبه الوزير إلى طريقة أخرى لتسريب الأسئلة تُتبع في امتحانات الشهادة الثانوية التي تُدار على مستوى عموم البلاد، حيث يدس بعض الطلبة هواتفهم ويستخدمونها لتسريب الأسئلة خارج قاعات الامتحان، ثم استلام الإجابات بنفس الطريقة، وتداولها بين الطلبة.

يقول “لقد ناقشنا حتى مسألة إيقاف خدمات الإنترنت في ساعات الامتحان مع هيئة الاتصالات والمعلوماتية، لكن الأمر كان صعبا، بسبب تأثيره على التواصل عموما، وعلى قطاعات الدولة الحساسة كالمصارف مثلا”.

ويرى المفتش التربوي عبدالخالق أبوالعيد أن تسريب الأسئلة “يمكن أن يكون نتيجة الضغوط الاجتماعية أو قلة النزاهة وضعف القيم الأخلاقية، بالإضافة إلى الفهم القاصر لمفهوم الشرف”.

يقول لوكالة الأنباء الألمانية “بحسب القانون الليبي، يُعتبر تسريب الأسئلة والغش في الامتحانات أمورا خطيرة مخالفة للقانون قد تصل عقوبتها إلى الفصل من العمل، ولكن واقعيا قد يتم التعامل معها بطرق مختلفة وفقا لظروف السياق المحلي وبشكل غير رسمي”.

يتابع “النجاح لا يبنى إلا على المعرفة والفهم الحقيقي، وليس على الغش، ولهذا من الضروري تفعيل نظام قانوني فعال وشفاف للتعامل مع هذا النوع من الحالات من أجل ضمان عدالة التقييم التعليمي، وحماية شرف المهنة التربوية، والحفاظ على جودة التعليم، وتعزيز ثقافة النزاهة والشفافية”.

ويرى المفتش أن وضع التعليم الحالي يجعل توقّع المستقبل في ليبيا “أمرا صعبا”، ويستعرض عدة نقاط يرى أنها ستكون كفيلة بالقضاء على هذه الظاهرة إن تم الاجتهاد فيها، وتتمثل كما يقول في فرض عقوبات رادعة على المتورطين في تسريب الأسئلة، وتشديد إجراءات الأمان والسرية خلال عملية إعداد وتوزيع الامتحانات، وتعزيز القيم الأخلاقية والنزاهة في المجتمع والمؤسسات التعليمية، وتشجيع الطلاب على التفوق بناء على جهودهم الشخصية والعلمية دون اللجوء إلى وسائل غير مشروعة، بالإضافة إلى دعم ومساعدة الطلاب في تحسين القدرات والمهارات والتخطيط والاستعداد الجيد للاختبارات.

16