أزمة الأهلي ومالك نادي "بيراميدز" تفضح حال الرياضة في مصر

النادي الأهلي يخسر عقد الرعاية وجماهيره تواصل التطاول على تركي آل الشيخ مع تصاعد أجواء التوتر.
الأحد 2018/09/30
الأهلي بوابة تركي آل الشيخ إلى عالم الرياضة المصري

لا يعرف الشارع الكروي المصري الآن سوى الحديث عن أزمة رئيس هيئة الرياضة السعودي تركي آل الشيخ، مالك نادي “بيراميدز” المصري، مع النادي الأهلي، وازدادت الأجواء توترا بعد تدخل أكثر من طرف، ليس بغرض التوسط للحل، لكن لدخول حرب بالوكالة، وهو ما كشف حالة العبث التي تسيطر على الإدارة الرياضية في مصر.

القاهرة - تعرضت جميع أطراف الأزمة للاتهامات إما بالتربح وأما بالتكذيب، ونفذ آل الشيخ تهديده الذي ألمح إليه عقب قرار اتخذه بالانسحاب من الاستثمار الرياضي في مصر، في أعقاب تعرضه لهجوم وصل إلى حد السباب من جماهير الأهلي، في مباراة جمعت بين الأهلي وحوريا الغيني في دوري أبطال أفريقيا. وتحاول بعض الجهات الرياضية إثناءه عن قراره لعدم الإضرار بتجربة الاستثمار الرياضي.

وبدأ وزير الرياضة السعودي الدخول إلى عالم الرياضة المصرية، عبر بوابة النادي الأهلي، قبل أن تتوتر الأجواء بينهما، وضخ الملايين من الدولارات لجلب صفقات جديدة لدعم فريق الكرة الأول بالنادي، حتى أن تعيينه في منصب الرئيس الشرفي للأهلي، كان مقابل مبلغ مالي دفعه لتمويل حملة محمود الخطيب الانتخابية على رئاسة النادي الشعبي المصري.

قال تركي في تغريدة له عبر موقع “تويتر” إن الخطوات المقبلة ستكون أكثر حدة، وهو ما ظهر في بيان رسمي الخميس صدر عن شركة “صلة” السعودية الرياضية، بفسخ تعاقدها من رعاية النادي الأهلي، ومطالبة إدارة النادي برد مبلغ 100 مليون جنيه مصري (نحو 5.5 مليون دولار)، بسبب ما بدر من جمهور الأهلي والذي يتنافى مع الأخلاق الرياضية، على حد وصفهم. واستشهدت الشركة بالعقوبة التي وقعها الاتحاد الأفريقي لكرة القدم “كاف”، وهي غرامة مالية قدرها 20 ألف دولار، والحرمان من جمهوره مباراتين مع إيقاف التنفيذ، بسبب ما بدر من الجماهير.

أرسلت الشركة خطابا رسميا إلى الأهلي يفيد بفسخ التعاقد، ما دفع إدارة الأهلي إلى البحث عن بديل، وقال المستشار القانوني للنادي حلمي عبدالرازق لـ”العرب” إنه في حالة فسخ التعاقد ستتم مخاطبة الشركة صاحبة ثاني أعلى عرض مادي في مزايدة الرعاية، وهي شركة “برزنتيشن” المصرية الراعية لاتحاد الكرة، وفي حال تقديم الشركة عرضا مماثلا لعرض صلة، سيتم منحها حق الرعاية.

أما في حالة عدم تقديم نفس العرض، والبالغ نحو 500 مليون جنيه مصري (نحو 27 مليون دولار)، سيتم عمل مزايدة جديدة، غير أن الأزمة ولدت فريقين، أحدهما مساند لموقف الأهلي، وهو الفريق الذي يتهم مناصري آل الشيخ بالتربح منه، أما الفريق الآخر فألقى بالتهم على إدارة الأهلي التي رفعت آل الشيخ إلى عنان السماء وقت أن كان داعما ماديا للنادي، ثم انقلبت ضده بعد اعتذاره عن الرئاسة الشرفية للأهلي.

الكل مخطئ

وقعت أخطاء بالجملة من الجميع، بدءا من إدارة الأهلي ومرورا بتطاول جماهيره، وحتى الفريق المساند للمستشار تركي آل الشيخ، دون أن يلتفت أحد إلى أمر خطير، وهو اعتبار البعض أن الشيخ تركي هو ممثل للمملكة العربية السعودية في مصر، وأن التطاول عليه يعد تطاولا على المملكة نفسها، ما يؤدي إلى زرع فتنة بين مصر والسعودية تخرج تماما عن نطاقها الرياضي. كان الوفاق قائما بين آل الشيخ وإدارة الأهلي، وساند الرجل النادي في أكثر من موقف، منها دفع مبلغ 40 مليون جنيه (نحو مليون ونصف المليون دولار)، في أزمة اللاعب عبدالله السعيد، ورد المبلغ إلى نادي الزمالك، الذي نجح في الحصول على توقيع اللاعب دون علم ناديه.

ثم عاد رئيس نادي بيراميدز وموّل صفقة لاعب الأهلي صلاح محسن، بنفس المبلغ الذي تم دفعه في السعيد، ومن قبلها تمويل حملة محمود الخطيب (رئيس الأهلي الحالي) الانتخابية، لكن بعض التغريدات التي كتبها آل الشيخ وقتها، وألمحت إلى تدخله في شؤون الفريق، دفعت إدارة الأهلي إلى إصدار بيان ضده، وبناء على ذلك اعتذر الرجل عن الرئاسة الشرفية.

هناك طرف آخر في الأزمة يتمثل في نجوم الكرة ومقدمي البرامج العاملين في نادي بيراميدز وقناته الفضائية، والذين اتخذوا موقع الدفاع عن تركي، وطالتهم أسهم الاتهام بالركض وراء المصالح الشخصية

هنا ظهر رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، والذي نجح في الاستفادة من المستثمر السعودي، وأقنعه بتمويل صفقات عديدة لناديه، فضلا عن شراكة في تبادل اللاعبين بين الناديين، لذا كان طبيعيا أن يجتهد منصور في الدفاع عن آل الشيخ فور إعلانه انسحابه من الاستثمار الرياضي في مصر، بزعم محاولة فض الاشتباك أولا ثم محاولة إشعاله لاحقا.

انتقد منصور في مقطع فيديو بثه عبر قناته الخاصة على موقع “يوتيوب”، رد فعل مجلس إدارة الأهلي تجاه جماهيره، وألمح إلى أن ذلك يعني إما أنهم مؤيدون وإما داعمون لذلك التصرف، وكشف أن لديه بعض المعلومات تفيد باتفاق أحد أعضاء مجلس إدارة الأهلي مع البعض من مشجعي النادي (أعضاء أولتراس سابقون)، بالتواجد في المدرجات لتوجيه السباب إلى آل الشيخ.

برغم خروج الخطيب عبر قناة ناديه مطالبا الجماهير بالتشجيع فقط، دون الإساءة إلى شخص أو مؤسسات، غير أن مواقع التواصل الاجتماعي تحولت إلى منصة للهجوم على الرئيس الشرفي السابق للنادي، وتحول الأمر إلى معركة تجاوزت الحدود الرياضية، وبرر البعض ذلك بأن توجيه السباب شيء يحدث في مدرجات ملاعب الكرة على مستوى العالم.

يحدث ذلك دون أي تدخل رسمي من وزير الرياضة المصري أشرف صبحي لحل الأزمة، ويؤدي موقف الصمت الذي تتخذه القيادات الرياضية في مصر إلى تفاقم الأزمة وتخطي جمهور الأهلي الحدود في التطاول على شخصيات سعودية أخرى رفيعة، لأن الغالبية منها لا تعي الأضرار الشعبية المترتبة على ما يحدث.

وتزعم هذه الغالبية أن تركي آل الشيخ حضر إلى مصر للسيطرة على الرياضة فيها، وعندما فشل مع النادي الأهلي قرر الانتقام، لكن الرجل كان بداية لدخول المستثمرين الخليجيين عالم الاستثمار الرياضي في مصر، لا سيما وأنه على أتم الاستعداد لدعم المشاريع الرياضية، نافيا أي أغراض سيئة، حتى مع أزمات التحكيم التي شهدتها بطولة الدوري المحلي مؤخرا، قال إنه جاهز لتمويل دخول تقنية الفيديو.

لكن تركي آل الشيخ أخطأ عندما استمر في كتابة تغريداته، التي يؤدي بعضها إلى احتقان الجماهير ضده، لوجود شبهة تشف في الأهلي، وبالنظر إلى مصالح المستثمرين الشخصية، فهناك من أثلجت صدورهم فور قرار الوزير السعودي بالانسحاب، وعلى رأسهم شركة “بيرزنتشن” المصرية، التي تسعى للسيطرة هي الأخرى على الرياضة في بلدها، فوجود منافس في حجم آل الشيخ قد يفسد تطلعاتها، لا سيما وأنه يمتلك من المال ما يفوق ميزانية الشركة بأكملها.

يشهد العالم كله عدة تجارب لمستثمرين خليجيين في أندية أوروبية، منها تجربة الإماراتي الشيخ منصور بن زايد، مالك نادي مانسشتر سيتي الإنكليزي، وباريس سان جرمان المملوك لرجل الأعمال القطري ناصر الخليلفي وغيرهما، لكن الأصل في عملية الاستثمار هي ترك إدارة النادي للمتخصصين، في ما يتعلق بالتسويق والرعاة وصفقات اللاعبين، كي تؤتي التجربة ثمارها.

لعل رغبة رجال أعمال وشخصيات عامة عربية في الاستثمار الرياضي، لا تخلو من تحقيق وجاهة اجتماعية، مع اقتران أسمائهم بكبرى أندية العالم، وعلى الدرب نفسه بدأ آل الشيخ تجربته الرياضية، واختار في خطواته الأولى أكبر أندية أفريقيا والوطن العربي وهو النادي الأهلي المصري، وما يعزز الفكرة أن الرجل لم يكن شخصية ذائعة الصيت على مستوى مصر، قبل تجربته الاستثمارية، وهو ما يدعو البعض إلى التشكيك في استمراره على موقفه في الابتعاد عن مصر، خشية ترك كل هذه الهالة الإعلامية التي يتمتع بها.

اتهامات بالجملة

لعل رغبة رجال أعمال وشخصيات عامة عربية في الاستثمار الرياضي، لا تخلو من تحقيق وجاهة اجتماعية، مع اقتران أسمائهم بكبرى أندية العالم، وعلى الدرب نفسه بدأ آل الشيخ تجربته الرياضية
لعل رغبة رجال أعمال وشخصيات عامة عربية في الاستثمار الرياضي، لا تخلو من تحقيق وجاهة اجتماعية، مع اقتران أسمائهم بكبرى أندية العالم، وعلى الدرب نفسه بدأ آل الشيخ تجربته الرياضية

هناك طرف آخر في الأزمة يتمثل في نجوم الكرة ومقدمي البرامج العاملين في نادي بيراميدز وقناته الفضائية، والذين اتخذوا موقع الدفاع عن تركي، وطالتهم أسهم الاتهام بالركض وراء المصالح الشخصية، لا سيما أن المعلق الرياضي مدحت شلبي خرج عبر برنامجه في فضائية “بيراميدز”، وطالب مجلس إدارة الأهلي ورئيسه محمود الخطيب، بالنظر إلى مصلحة الدولة المصرية، وهنا بدأت معركة رياضية جديدة شعارها المزايدات غير الرياضية.

وأقحم شلبي السياسة في الرياضة، سعيا منه لكسب المعركة، وتوجيه الرأي العام ضد الأهلي وجماهيره بعد أن أذاقته كافة أنواع التطاول خلال أيام قليلة مضت، وقال شلبي إن التصرفات الموتورة لبعض الجماهير، ستؤثر على العلاقات بين البلدين، لا سيما وأن المملكة كانت داعما أساسيا لمصر في الأربعة أعوام الماضية.

لكن ما أشعل غضب جماهير الأهلي، هو عزف شلبي على وتر شديد الحساسية بالنسبة للجمهور المصري، عندما عاود الحديث عن أزمة بورسعيد، التي عرفت إعلاميا باسم “مجزرة بورسعيد”، ونشبت الأزمة عقب أحداث شغب دامية عقب مباراة الأهلي والمصري البورسعيدي، على ملعب الأخير بالدوري الممتاز في عام 2012، وراح ضحيتها 74 من جمهور الأهلي.

وأشار شلبي إلى أن أصحاب التصرفات غير المسؤولة من جماهير الأهلي، تسببوا في مقتل هذا العدد من زملائهم، ليعيد فتح جرح عمره 6 سنوات، تسبب في إثارة الملايين من عشاق الأهلي، كما حرم المدرجات المصرية من الحضور الجماهيري فترة طويلة.

وأكد جمال شوقي عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري للـ"العرب" أن تسييس الإعلام الرياضي كارثة، لأن هذا السلوك يتسبب في شحن الجماهير بالغضب وإمكانية عدم السيطرو عليه، وتبني بعض البرامج الرياضية وجهات نظر بعينها لخدمة أغراض أندية محددة ما يفقد الرياضة متعة الاستقلالية ويثير الضغائن بين الجمهور ويزيد التعصب الأعمى.

وأضاف أن الإعلام الرياضي يخلط بين الحرية والتجاوز في الحديث عن القضايا الخلافية، خاصة إذا كانت ترتبط بعلاقات دول، لافتا إلى حتمية ردع مقدمي البرامج التي تتعمد الخروج عن المعايير والقيم والأخلاق الرياضية لأنها تدفع أحيانا إلى إثارة غضب جماهير تجاه أندية وكيانات أخرى.

يتصرف مناصرو الأهلي بغضب شديد، ويعتبرون أن تجربة نادي بيراميدز، التي تبناها الشيخ، عندما قام بشراء نادي الأسيوطي قبل انطلاق الموسم الجاري، وحوّل اسمه إلى “بيراميدز”، ما هي إلى وسيلة للتآمر على الأهلي، وزعزعة استقرار أحد أكبر الأندية عربيا وأفريقيا.

وأوضح أحمد حسن المشرف العام على فريق الكرة في بيراميدز، لـ”العرب” أن النادي يتعرض لحملة انتقادات ممنهجة، ووجد حسن نفسه أمام فوهة مدفع جماهير الأهلي الغاضبة، ومعه لاعب الأهلي السابق هادي خشبة، ومدرب الأهلي السابق حسام البدري، والأخير يتولى إدارة بيراميدز بعد انسحاب مالكه.

ادعت الجماهير أن الثلاثي باع مبادئه من أجل المال، وقال أحمد حسن، وهو المتحدث الرسمي للنادي، إنه أكثر من ارتدى قميص منتخب بلاده، ويعرف جيدا معنى الشرف، ولم يبع أي شيء، واختير للعمل في بيراميدز لتاريخه المشرف، وحتى لو كان عمله من أجل المال، فهو يمتهن مهنة شريفة، ولفت إلى مقاطع فيديو لرموز الأهلي وهم يشيدون بتركي آل الشيخ، وتساءل هل كان الرجل جيدا وقت أن دعم الأهلي ماديا؟

تشبه الأزمة الراهنة كرة الثلج، كل يوم يتزايد حجمها نتيجة تراكم الثلوج من حلوها، وبدأت تتدحرج من المجال الرياضي إلى الإعلامي، وأوشكت أن تدخل فضاء السياسة، لأن غالبية الأطراف التي دخلت على خطوطها لن ترتاج إلا إذا حدثت مشكلة كبيرة، وهو ما يؤدي إلى تداعيات خطيرة، فالمستفيدون من تفاعلات الأزمة شعبيا، قد يصحون على كارثة تتجاوز الحدود.

22