أزمات الشرق الأوسط تدفع الآلاف إلى الهجرة من أجل حلم أوروبا

آلاف الأشخاص من دول عربية تشق طريقها نحو الاتحاد الأوروبي بحثا حياة أفضل.
الأحد 2021/11/21
الظروف ليست مهمة، المهم العبور إلى أوروبا

بيروت - على نحو لافت للانتباه توقف عدد كبير من الشباب أمام لوحة عرض مواعيد الرحلات في صالة المغادرة بمطار بيروت مساء يوم الجمعة الماضي. كان هؤلاء الشباب مسافرين إما بمفردهم أو برفقة صديق، وبحوزتهم حقيبة ظهر واحدة أو أمتعة أخرى صغيرة، والوجهة هي العاصمة البيلاروسية مينسك على متن طائرة “بوينغ 737” تابعة لشركة الطيران “بيلافيا”.

لا أحد منهم يريد التحدث، وإذا رغب أحدهم في الحديث فلا تخرج منه سوى كلمات مقتضبة. يقول أحدهم إنه سيسافر إلى بيلاروسيا بحثا عن عمل، ويقول آخر إنه متوجه إلى هناك بغرض السياحة. معظمهم يحملون جوازات سفر من سوريا المجاورة، وليس هناك شك في أن الرحلة من مينسك ستؤدي إلى الحدود البولندية بغرض الوصول إلى الاتحاد الأوروبي.. رحلة خطيرة وشاقة بنتائج غير مؤكدة.

الأمر قد يبدو للبعض وكأنه رحلة منظمة. مجموعة من الشباب يحملون جوازات سفر سورية يخرجون من حافلة صغيرة. يعطيهم شخص يكبرهم سنا قليلا تعليمات، مؤكدا عليهم أن أهم شيء هو جوازات السفر، وألا يزيد وزن حقائب اليد عن سبعة كيلوغرامات، ثم يتفرق الجمع للتوجه إلى تسجيل الوصول.

الوضع في لبنان يزداد سوءا يوما بعد يوم، ويعيش ثلاثة أرباع السكان في فقر ويصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة

على غرار هؤلاء الشباب، يشق الآلاف من الأشخاص من دول عربية أخرى منذ أسابيع طريقهم نحو الاتحاد الأوروبي وخاصة إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا. ومن بين هؤلاء لبنانيون والعديد من السوريين، وكذلك أكراد من شمال العراق يريد جميعهم المغادرة على أمل حياة أفضل، فأوطانهم متعثرة في أزمات لا تنتهي منذ سنوات، بل وتزداد سوءا، وآخرها بسبب كورونا.

الوضع في لبنان على سبيل المثال يزداد سوءا يوما بعد يوم. فعقب عامين من الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا والانفجار الهائل في مرفأ بيروت، يعيش ثلاثة أرباع السكان حاليا في فقر. هناك يكافح حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، وكذلك أيضا الكثير من اللبنانيين، يوميا من أجل البقاء على قيد الحياة، بينما تنشغل النخبة الفاسدة في صراعات على السلطة بدلا من القلق بشأن الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها.

وحذر خبير في الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي من أن لبنان في طريقه لأن يصبح دولة فاشلة. واللبنانيون يحاولون بأعداد كبيرة مغادرة البلاد.

وكما هو الحال في لبنان تدفع الأزمة الاقتصادية في سوريا المزيد والمزيد من الناس إلى براثن الفقر. وضربت أزمة الجوع البلاد، وتفاقمت هذا العام بسبب جفاف مستمر منذ شهور. ودُمرت العديد من المناطق في البلاد على نحو بالغ، بينما تفتقر حكومة الرئيس بشار الأسد إلى الأموال لإعادة الإعمار.

في المناطق الكردية المستقرة سياسيا نسبيا في العراق يشكو الشباب على وجه الخصوص من عدم عثورهم على فرص عمل. ولا تزال المنطقة تعاني من تداعيات القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي الذي توغل بالقرب من أربيل عاصمة إقليم كردستان ولا يزال نشطا في العراق.

وذكرت شبكة “رووداو” الإعلامية الكردية أن العديد من اللاجئين ينحدرون من المنطقة الواقعة على الحدود مع تركيا، حيث يقاتل الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني. ومن بين هؤلاء أيضا أفراد من الأقلية الدينية الإيزيدية، الذين تعرضوا للاضطهاد والخطف والإيذاء والقتل على يد تنظيم داعش. ولا يزال الكثير منهم يشعرون بالتمييز ضدهم.

وأوقف العراق جميع الرحلات الجوية المباشرة إلى بيلاروسيا في أغسطس الماضي للحد من عدد المهاجرين، إلا أنهم يصلون إلى مينسك عبر مطارات أخرى.

العراق أوقف جميع الرحلات الجوية المباشرة إلى بيلاروسيا للحد من عدد المهاجرين، إلا أنهم يصلون إلى مينسك عبر مطارات أخرى
العراق أوقف جميع الرحلات الجوية المباشرة إلى بيلاروسيا للحد من عدد المهاجرين، إلا أنهم يصلون إلى مينسك عبر مطارات أخرى

ويروي كردي في أوائل الثلاثينات من عمره أنه اتفق مع مجموعة من مهربي البشر على نقله إلى ألمانيا عبر تركيا وبيلاروسيا، مضيفا أنه اضطر إلى دفع 10 آلاف دولار مقابل ذلك، وقال “لدي العديد من الأقارب الذين فروا ويعيشون في سلام وأمان في ألمانيا (…) إذا وصلت إلى هناك، سوف يتحقق حلمي”، موضحا أن رحلته ستبدأ بمجرد الحصول على تأشيرة من تركيا.

وفي الأيام القليلة الماضية لوحظت في مطار إسطنبول مشاهد شبيهة بتلك الموجودة في بيروت، حيث وقفت مجموعة من الشباب يحملون حقائب ظهر ممتلئة يوم الخميس الماضي بجانب مكتب تسجيل الوصول إلى مينسك. كانت المجموعة تتحدث الكردية وسلم مرافقان وثائق لأفراد المجموعة. هل هؤلاء مهاجرون متجهون نحو أوروبا؟ رفض الشباب التحدث وكانوا على عجلة من أمرهم.

في المقابل تحدث السوري محمد بصراحة عن خططه، فهو يريد الذهاب من إسطنبول إلى مينسك، ثم إلى بولندا وألمانيا. وقال الشاب البالغ من العمر 22 عاما إنه حاول فعل ذلك قبل شهرين، لكنه فشل بسبب مشكلات في الحصول على التأشيرة.

في ذلك الحين قامت شركة وسيطة بتنظيم رحلة مقابل 3200 دولار تشمل تذكرة طيران وتأشيرة وحجزا في فندق لقضاء أربعة إلى خمسة أيام في مينسك. وكان الشاب يخطط في ذلك الحين لأن يشق طريقه إلى الحدود بمفرده.

الآن يريد الشاب تغيير خططه وتجربتها عبر سوريا، فمنذ يوم الجمعة الماضي وبعد ضغوط دولية لم تعد تركيا تسمح لمواطني العديد من الدول العربية بالسفر إلى بيلاروسيا. لكن شركة “أجنحة الشام” للطيران السورية أعلنت أيضا أنها ستعلق رحلاتها إلى العاصمة البيلاروسية.

6