أزراج عمر شاعر ومثقف يحلم بجزائر أفضل على ضفاف المتوسط

ولد أزراج عمر في الثامن والعشرين من سبتمبر سنة 1949 بمنطقة بني مليكش بمحافظة بجاية، في أسرة أمازيغية. اشتغل مستشارا في التربية الفنية بولاية البويرة. وكان عضوا في أمانة اتحاد الكتاب الجزائريين مكلفا بالعلاقات الخارجية بين سنتي 1981 و1985. وعمل مدة في مجلة “المجاهد” الأسبوعي ثم صحافيا في مجلة “الدستور” بلندن. ومنذ عام 1990 صار يكتب زاوية يومية في صحيفة “العرب”.
مسيرة مغامر
مما يذكره عمر من طفولته أن والده قال له مرة “إنه إذا امتلك اللغة الفرنسية سوف تفتح له أبواب الدنيا، في حين إذا امتلك اللغة العربية سوف تفتح له أبواب الجنة”. وحتى بلوغه سن الثانية عشرة لم يكن يعرف من العربية إلا ما يسمعه من قرآن.
عبارة نطق بها والده ببراءة الإيمان الوراثي ولم يكن يتوقع أن ابنه سيتقن أكثر من لغة ويروض العربية لقول الشعر وبها يؤلف كتبا في الشعر والفكر ودراسات ما تزال راسخة في الساحة الثقافية العربية إلى اليوم.
وهو كغيره ممن نشأوا في أجواء الثورة المسلحة لم تكن المعيشة سهلة على أسرته ولا التعليم. فإذا تعلم العربية في وقت متأخر قياسا بمن تربى في أسرة لا تتحدث إلا العربية وبدأ منذ الصغر يهجي حروفها في الكتاب ويحفظ القرآن، فمن غير شك أن عمر كان طاقة كامنة استطاع في ظرف قصير نسبيا أن يخرج ما كان موجودا بالقوة ليصبح موجودا بالفعل.
كأنه نشأ على حب المغامرة ليرحل إلى مدينة الضباب، ومن هناك يواصل حضوره الأدبي ويصبح اسما لا غنى عنه في الحقل الثقافي والتعليقات السياسية.
استحق عمر بفضل جهوده أن ينال جائزة اللوتس عام 1994 التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا واندمج في عدة هيئات منها: العضوية في اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في الاتحاد السوفياتي سابقا، وعضو مؤسس لجمعية الفلسفة القارية في بريطانيا، وعضو جمعية الثقافة العربية في بريطانية، وعضو الأمانة التنفيذية لمنظمة الأحزاب الاشتراكية والتقدمية لدول البحر المتوسط في مالطا.
الشاعر الثائر
لكن عمر وبالرغم من المكانة المحترمة التي افتكها، لا يغيب عنه الشعور بالمنفى، فيقول في إحدى رباعياته:
أعيش بعيدا، أموت غريبا
بكل المنافي.. وأحمل فوق رموشي صليبا
ولكننني سأغني لكل العيون، التي في انتظار الصباح
لأني أرى.. لا أزال أرى زهرة طلعت من مروج الجراح.
لا أدري -حقا- كيف ينتابه هذا الشعور وهو الذي لم يكن همه سوى أن يغني لوطن جميل، وطن يحلم به فرسا جامحا على ضفاف المتوسط يعاند الدهر، ويقهر الظلم والاستبداد، لكنه عانى من المضايقات فكان في بلده أشبه بمن قال عنهم الشاعر اليمني البردوني: يمانيون في المنفى/ ومنفيون في اليمن/ جنوبيون في صنعاء/ شماليون في عدن.
لم يكتف أزراج عمر باستحضار صورة الثورة كما ارتسمت في ذهنه منذ الطفولة، وقد لوثها المستعمر الفرنسي بممارساته الاستبدادية الجائرة، بل حرص على أن يفهم أكثر، فاختص في الدراسات الكولونيالية وما بعد الكولونيالية بإحدى الجامعات في بريطانيا وحضر أطروحة عن “تأثيرات الثورة الجزائرية على تكوين الفكر الفرنسي المعاصر ما بعد الحداثة”.
ولعله حين تأمل الواقع، وأدرك أن نهر الثورة قد حولوه عن مجراه، ما يوحي بالتنكر لدماء الشهداء، صرخ في وجه الحزب الواحد وتعرض لمضايقات كثيرة، يوم قال:
هكذا ضاعت بلادي
أيها الحزب الوحيد
أدرك الشيب الصغار
أيها الحزب الوحيد
غزت النار الديار
أيها الجالس كالفقر علينا
أيها الواحد كالقفر فإنا
نرفض النزهة في السجن والإنجاب
في المنفى المشجر
أيها الحزب المحجر
أيها الحزب الذي فرخ قطعان الطحالب
أيها الحزب الذي حول أجراس الينابيع مخالب
إننا نطلب شيئا واحدا منك، تجدد أو تعدد أو تبدد.
حيثما حل أزراج عمر أو ارتحل، لم يتردد في التعبير عن مواقفه المبدئية الجريئة، ساءه مرة وهو في ليبيا (زمن القذافي) أن يهنأ بالراحة في الفنادق والمطاعم وبجواره مساجين أبرياء، فعمد إلى إمضاء لائحة تطالب بإطلاق سراحهم، فما كان من النظام إلا أن عجل بترحيله وزملاءه. بينما تقرب آخرون من النظام في مناسبات أخرى على نحو مخجل.
فقد قيل إن القذافي كتب مجموعة قصصية عنوانها “القرية القرية، الأرض الأرض، وانتحار رائد الفضاء” فتهافت على “القائد” كتاب ونقاد ومنهم جزائريون معروفون وتفننوا في اختيار المصطلحات النقدية المثيرة ليجعلوا من القذافي مبدع زمانه، ولم يكن ذلك إلا طمعا في بعض الدولارات.
هو مثقف جُبل على المقاومة والتصريح بما يراه صوابا، من غير أن يتنصل من بعض مسؤوليته الجزئية. ولكن ما عساه يفعل في وجه آلة تمرست على الزيف والإقصاء؟
في مقال له عن اتحاد الكتاب الجزائريين، يرى أن العملية احتواها “حزب جبهة التحرير الوطني” منذ البدايات فكان من نتائجها أننا “نجد اتحاد الكتاب الجزائريين لم يحل مشكلات النشر والطباعة والتفرغ، والاستقلال المادي للمبدع، والاعتراف بالكتابة الأدبية كمهنة، ثم إنه لم يفصل فصلا حاسما بين الأديب والمؤرخ، والمؤلف في ميادين الفلسفة وعلم الاجتماع، والباحث الأكاديمي بالجامعات، ومراكز البحث العلمي، ونتيجة لذلك تحول الاتحاد إلى ‘موزاييك’ مثير للدهشة”.
ظل أزراج عمر يطلب المعرفة ولا يبحث عن جاه أو سلطة، فانغمس في روائع الأدب العربي والعالمي، وتغذى من الفلسفة وعلم النفس ومختلف الفنون وأصدر مجموعة من الأعمال المثيرة منها:
في الشعر: “وحرسني الظل” 1975، “الجميلة تقتل الوحش” 1978، “العودة إلى تيزي راشد” 1984، “الطريق إلى أنمليكش” وقصائد أخرى 2005.
ومن مقالاته ودراساته: “الحضور وأحاديث في الفكر ومنازل من خزف (دراسات في السياسات الثقافية الجزائرية).
◙ أزراج عمر لم يكتف باستحضار صورة الثورة كما ارتسمت في ذهنه منذ الطفولة بل حرص على دراستها
خدمة الوطن والثقافة
كان يحلم دوما بأن يخدم وطنه بأفضل ما يقدر عليه، وفي ذهنه مشاريع مميزة، فقد سمحت له إقامته ببريطانيا أن يتعرف على عدد كبير من الأدباء والفلاسفة والفنانين من خلفيات حضارية متنوعة، فحاول في عهد الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة أن ينشئ مجلة يكون مقرها العاصمة، لكنه حرم من ذلك بحجة أنه معارض، فأسس في لندن مجلة “مثاقفات” حيث يقول عنها في حوار له مع بوعلام رمضاني:
“يتمثل الهدف المركزي لهذه المجلة في تقديم الثقافات والآداب، والفلسفات والفنون، والأفكار السياسية الديمقراطية الأوروبية/الغربية والأفريقية والآسيوية والأميركية بضفتيها الشمالية والجنوبية فضلا عن منطقة جزر الكاريبي إلى قراء شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وإلى مهاجري هذه البلدان في أوروبا/الغرب، وذلك قصد تفعيل وتخصيب المثاقفة والحوار الفكري السلمي”.
فأما اليوم وقد أصبح المواطن يحضر العالم أمامه بلمسات خفيفة، يتجول في أنحائه كما يشاء، يطلع على أنواع الثقافات والفنون ومختلف المعارف ووسائل التسلية وغيرها من المساحات الواسعة التي وفرها التطور التكنولوجي المتسارع والمدهش، فإنه من العبث أن تبقى الأنظمة البالية الهجينة مفزوعة من المثقف تراقبه وتطارده عوض أن تستثمر كفاءته بمنحه الإمكانات اللازمة ليسهم بقدر ما يستطيع في خدمة الوطن، فلا يضطر إلى الهجرة.
ألا أيها الناس اذكروا أحياءكم بخير. فلأن نحمد للإنسان قيمته ومقامه في حياته، أصدق بكثير من أن نتباكى عليه بعد رحيله.

◙ شاعر ومفكر لا يغيب عنه الشعور بالمنفى