أربعة رؤوس تخلف سليماني في سوريا

طهران- تجتمع العديد من المؤشرات التي تعجل بطرح السؤال بشأن اقتراب انسحاب إيران من سوريا خاصة بعدما كثفت إسرائيل من غاراتها على سوريا لاستهداف ميليشيات إيران، بالإضافة إلى التحول النوعي الذي طرأ على تحركات القوات الإيرانية في سوريا بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني.
ويتزامن الحديث عن اقتراب انسحاب طهران من سوريا مع حدوث تغيرات أخرى طرأت في العلاقة بين النظام السوري وأهم حلفائه وخاصة روسيا بعدما أشارت تقارير إلى امتعاض موسكو من تغلغل النفوذ الإيراني على قرارات الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن هل يمكن الآن لإيران المحاصرة في منطقة الشرق الأوسط أن تتخلى عن شريك استراتيجي كسوريا طالما كان سندا قويا لدعمها في المنطقة علاوة على ذلك كيف غيّرت طهران تقسيم الأدوار بين قياداتها في سوريا بعد رحيل سليماني.
لقد شكّل اغتيال سليماني في بغداد، بتاريخ 3 يناير 2020، ضربة قاصمة بالنسبة للنشاط الإيراني العابر للحدود، وكان أحد المنعطفات الرئيسية في معادلة الصراع الدائر في المنطقة وخاصة في سوريا.
بعد مقتل سليماني قسمت طهران مسؤولياته الرئيسية بين أربعة أشخاص من بينهم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله
ميدانيا، حدثت تغيّرات مكثفة على الوجود العسكري الإيراني في سوريا، بعد تعيين العميد إسماعيل قاآني قائدًا لفيلق القدس خلفا لقاسم سليماني، حيث شهدت ستّ نقاط عسكرية رئيسية في دير الزور والبوكمال، من أصل تسع نقاط، تغيّرات متباينة.
كما امتدت التغيّرات إلى أربع نقاط عسكرية من أصل سبع نقاط في محافظة حمص، في حين كان التغيّر محدودًا جدًا على مستوى محافظة حلب، كما لم تلاحظ تغيّرات تذكر على النقاط العسكرية الإيرانية في محافظات دمشق وحماة ودرعا والرقة.
أما عن طبيعة المناطق التي امتدت إليها التغيّرات، فكانت مستودعات للأسلحة تستخدمها الميليشيات الإيرانية، في مناطق البوكمال والميادين ومطار التياس وبحيرة قطينة في حمص، أو مطارات توجد فيها قوات إيرانية، أو يستخدمها حزب الله، كما في مطارات الحمدان في دير الزور والضبعة في حمص والنيرب في حلب.
وقد شمل الجزء الأكبر من التغيّرات التي امتدت إلى النقاط العسكرية الإيرانية، النقاط التي توجد فيها قوات من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والميليشيات الشيعية الوافدة من الخارج، حيث تم سحب هذه القوات، والاستعاضة عنها بقوات محلية موالية لإيران، من تشكيلات الدفاع المحلي أو الفرقة الرابعة.
راهنا، قسمت طهران مسؤوليات سليماني الرئيسية بين أربعة أشخاص أحدهم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وثلاثة من كبار المسؤولين الإيرانيين، هم العميد الجنرال محمد حجازي، نائب قائد فيلق القدس الجديد، والذي تم تكليفه بالاتصال بحزب الله وبمشروع الصواريخ الدقيقة، وعلي شمخاني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، والأمير علي حاجي زادة قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، الذي تعتبره الأجهزة الأمنية الغربية “قنبلة موقوتة”. ويتحمل حاجي زادة مسؤولية إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية فوق الأجواء الإيرانية في يناير الماضي.
هذه التغيرات قد لا تشي بحدوث انسحاب إيراني من سوريا بعدما ذكرت مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى، أنه لأول مرة منذ بدء الحرب السورية في عام 2011 ، ظهرت مؤشرات حقيقية على أن إيران قد بدأت بالانسحاب من الأراضي السورية، بعدما عملت على تحويل سوريا إلى منصة ومحطة انطلاق لنشاطها في المنطقة، ونقطة تخزين وعبور للأجهزة العسكرية المتطورة، التي ترسلها إيران لحزب الله اللبناني.
وقال مصدر أمني إسرائيلي صرح للمونيتور “لقد توقف النشاط على جبهة التهريب”. “هناك أيضا انخفاض كبير في الوجود العسكري للقوات الإيرانية والميليشيات الشيعية المتحالفة معها”.
وتوجد أسباب دفعت إيران إلى التخلي عن جزء معتبر من استثمارها الهائل في سوريا في السنوات الأخيرة، حيث تأتي العقوبات والضغوط الأميركية القصوى على طهران، في مقدمة تلك الأسباب، ثم جاءت أزمة كورونا لتضيف بعدا داخليا يضاف لأزماتها الخارجية.
ودخلت إسرائيل من جانبها وبالتنسيق مع الأميركيين والروس، على الخط، بعد أن وجدت الفرصة سانحة فضاعفت من نشاطها ضد المصالح الإيرانية في سوريا، من خلال الهجمات المتصاعدة ضد البنية التحتية التي صرفت عليها إيران الكثير من الوقت والجهد. واستهداف المواقع الإيرانية الحساسة في سوريا، في وقت يحاول فيه الإيرانيون الاستفاقة من صدمة مقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
ورغم تقسيم مسؤوليات سليماني فإن ذلك يخفف من وطأة التهديد الكبير الذي يواجه مستقبل نشاط إيران الخارجي.
من جهة أخرى يعتبر مراقبون أن استمرار الوجود الإيراني في سوريا أصبح باهظ التكلفة بالنسبة لنظام الأسد نفسه، كما زادت وتيرة الضغوط الروسية على دمشق، حيث اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ فترة، وجود الإيرانيين في سوريا عائقا وعبئا ثقيلا وليس رصيدا.
شمل الجزء الأكبر من التغيّرات التي امتدت إلى النقاط العسكرية الإيرانية، النقاط التي توجد فيها قوات من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والميليشيات الشيعية الوافدة من الخارج
اقتصاديا، ثمة مواجهات تجري في دمشق، طرفاها الظاهران، رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام، والذي كان يسمى حتى عهد قريب “خزينة النظام” من جهة، وأسماء الأسد في الجهة المقابلة.
لكن غالبية المطلعين على الشأن السوري، يضيفون بعدا خارجيا لهذا الصراع، حيث تقف روسيا خلف رامي مخلوف، بينما تقوم إيران بدعم رجال الأعمال الذين يحلون محله من المقربين منها.
وبالتوازي مع تعاظم دورها في سوريا، قامت إيران بدعم مجموعة من رجال الأعمال السوريين الجدد الموالين لها، منهم مجموعة قاطرجي ووسيم قطان وسامر الفوز الذي اشترى حصص فندق “فورسيزونز” من مخلوف وآخرين.
وتركزت أعمال هؤلاء في استيراد مواد غذائية ومشتقات نفطية بتسهيلات إيرانية، وصفقات نقل النفط من مناطق سيطرة حلفاء أمريكا شرق سوريا ومناطق الحكومة.
كما برز دور رجال أعمال شباب، بينهم محيي الدين مهند دباغ ويسار إبراهيم، في عقود لعل أبرزها واحد لتشغيل الهاتف النقال في سوريا مع شركة إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني، وعقد آخر يتعلق بالبطاقة الذكية التي تضبط مشتريات المواطنين.
ورغم الضربات المؤلمة التي تتعرض لها إيران في سوريا، والثمن الباهظ الذي تدفعه لبقائها، ومقتل عدد كبير من نخبة حرسها الثوري هناك، والظروف الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعاني منها داخليا، إلا أن هذا لا يعني أنها بوادر الانسحاب من سوريا.