أربعة خيارات أميركية لمستقبل أكثر دموية في سوريا

أصدر معهد “راند”، المؤثر في القرار بالولايات المتحدة والذي يشرف عليه ويموله سلاح الجو الأميركي في يونيو الماضي مقترحا أسماه “خطة سلام من أجل سوريا2”، وهو تعديل للجزء الأول الصادر في ديسمبر 2015، والذي كانت أهم بنوده السعي لوقف إطلاق النار، ونشر قوات خارجية ضامنة للسلام، وتأجيل الخلافات بما فيها مستقبل رئيس النظام بشار الأسد، ونقل السلطات إلى القوى المحلية في مناطق سيطرتها. ويقترح التعديل خيار اللامركزية كجزء من الحل.
يصف التقرير الصراع في سوريا بأنه “صراع مدني بين مكونات سورية”، وليس بين نظام حكم وشعب. فالمقترح ينطلق من نظرة طائفية مسيسة للصراع، وهو الوصف الذي سعى النظام إلى ترسيخه منذ بداية الثورة، بالقول إن الثورة سنية، لتحييد فئات واسعة مستفيدة منه ولا سيما الأوساط التجارية والصناعية، وشرائح من الأقليات.
ويقول إن هدف الإدارة الأميركية، غير “إنقاذ الأرواح”، هو تحقيق الديمقراطية؛ هذا يذكرنا بديمقراطية الطوائف التي أنجزتها بعد غزوها العراق. يقترح التقرير أربعة نماذج من اللامركزية، باعتبار أن هناك خلافات سياسية وأيديولوجية بين المكونات السورية، أي الطوائف والقوميات، هي واقع ولا يمكن حلها، حسب التقرير. كان الخيار الأول يسمى لامركزية خفيفة محدودة، حيث يقترح العمل بدستور 2012، والمرسوم 107 لعام 2011، دون القيام بأي إصلاحات دستورية أو تشريعية، وإعطاء صلاحيات واستقلال مالي وإداري لمناطق الحكم المحلي.
هذا الخيار هو الأكثر ابتعادا عن التقسيم، لكنه الأكثر إجحافا بحق السوريين، فهو يعني أن تعود المناطق المحررة إلى سيطرة النظام وإبادة كل الفصائل الرافضة له، أي العودة إلى ما قبل 2011، لكن مع نظام أكثر ضعفا وقابلية للتسيير من قبل الروس والأميركان. بالطبع الخيار مرفوض من المعارضة المسلحة والسياسية ومن الشعب. التقرير يلقي اللوم على المعارضة، ويتجاهل أن النظام غير ممكن أن يستمر بشكله السابق أقلها لأسباب أخلاقية تتعلق بجرائمه، الموثقة في أرشيف الأمم المتحدة.
أما الخيار الثاني فيقول بإضفاء الطابع المؤسسي على السيطرة المحلية “للميليشيات المسلحة” على صعيد الشرطة والإدارة مع الإخلاص للدولة المركزية ومنحها الحد الأدنى (الجمارك والانضمام إلى الجيش والقرار السياسي والضرائب على التجارة). هذا الخيار يرسخ واقعا مفككا، حيث يشجع بعض المناطق على الانفصال أو الرغبة في الاستقلال، خاصة أنه يسمح بالتدخلات الإقليمية لكل منطقة حكم ذاتي، وهو ما أسماه التقرير “الدعم الخارجي”، ما يعني بقاء البلاد ساحة للمنافسات والمصالح الإقليمية.
والتقرير يميل إلى هذا الخيار أكثر من غيره، ويقترح لتحقيقه قوات حفظ سلام من الدول المعنية بالأزمة السورية، ومن دول أخرى محايدة، ما يعطي للقواعد العسكرية الروسية والأميركية والفرنسية وغيرها الشرعية والديمومة في سوريا، وبقرارات دولية.
الخيار الثالث هو لامركزية غير متناظرة، بإعطاء حكم ذاتي للمناطق الكردية، والباقي تحت سيطرة الدولة المركزية، بما يشبه وضع العراق، البائس طبعا. ومن الصعب تحقيق هذا المقترح إذ أنه مرفوض من قبل الأتراك، وإيران، والمعارضة، والشعب، وشريحة من الأكراد.
الخيار الرابع يمكن وصفه بأنه يقول بالفيدرالية الكاملة عبر ثلاث مناطق (مناطق النظام ومناطق المعارضة السنية، ومناطق الأكراد)، حسب ما ورد في التقرير، وكل منطقة تتمتع باستقلال مالي كامل وقوات أمن خاصة. المقترح مرفوض من كل الأطراف، النظام والمعارضة وتركيا… ومرفوض شعبيا باعتباره مؤامرة للتقسيم، لذلك من الصعب السير فيه.
ويميل التقرير، في أغلب بنوده، إلى تحميل المعارضة مسؤولية الفشل، وأن عليها تقديم التنازلات من أجل وقف العنف، وبالتالي هو يميل إلى النظام، ويقول ببقائه حتى يتجهز البديل الذي يؤدي نفس دوره، وهذا يطابق التسريبات الروسية الأخيرة عن أنها لا تتمسك بالأسد لكن لا بديل عنه، وأن إعداد البديل سيستغرق سنوات.
الاستراتيجية الأميركية الروسية تتفق على أن النظام القادم في سوريا يجب أن يمثل الطوائف والقوميات، وألا يمثل الشعب على أساس المواطنة! وهذا لا يلغي وجود اختلافات نسبية بين الدولتين العظميين.
الدول المعنية بالحل السوري تهمها مصالحها، ومصالحها ليست في تحقيق أهداف الثورة الشعبية، بل مع ترسيخ النظام، وعلى حساب الدم السوري.
ويبدو أن الأمور تسير باتجاه حل ما بضمانة التنسيق الروسي الأميركي المستمر له، حيث المصالحة التركية الروسية وقبلها تصالح تركيا وإسرائيل، والتنسيق العسكري الروسي الأميركي وضد الجهات المعارضة غير المدعومة من أميركا، بحجة محاربة النصرة، ويبدو أنه ضغط على الكتائب “المعتدلة” للعمل ضمن الأجندة الأميركية الروسية، إضافة إلى محاصرة داعش والجدية بقتالها مؤخرا، حيث المصالحة مع تركيا تساهم في ذلك.والمقترح الأميركي وصفة حرب أهلية وطائفية وقومية، ولن يحقق الاستقرار والديمقراطية في سوريا.