أخلاقيات الحرب

الاثنين 2016/05/09

هل من الجائز الجمع بين الأخلاق والحرب؟ أو بين الأخلاق والسياسة؟ أو بين الأخلاق والأمور التي من شأنها الإساءة إلى الإنسان وإبقائه سلعة للمتاجرة والتسويق؟

بعيدا عن البحث عن أيّ تعريفات مدرسية للمفاهيم والمصطلحات، تتبدّى الممارسات الواقعية سالكة منحى بذاتها نحو بلورة معان جديدة للمصطلحات تناسب الزمان والمكان اللذين تحدث فيهما، وهذا يشير إلى السياق الزمنيّ للمصطلح، وكيفية مقاربته ومعالجته أو تفهّمه.

ارتبط مفهوم الحرب في زوايا معينة في الأدبيّات التاريخيّة -نظريّا- بأخلاق رفيعة يتمتّع بها المحاربون من أجل قضايا عادلة، لذلك كانت محاولاتهم تنصبّ في إطار حماية الأسرى واحترام القتلى وكسب احترام الأطراف المغلوبة من خلال التحلّي بروح المسؤولية والفروسيّة، وإن كان مفهوم الحرب نفسه يتناقض مع الفروسية حين يوصف بالخدعة، والخدعة هنا تحمل نقيضها أيضا، فقد تكون مثار إعجاب أو مثار استهجان أيضا.

يمكن التقاط حكايات معدودة من التاريخ عن إحسان العدوّ لعدوّه بعد هزيمته، والتعامل معه انطلاقا من أخلاقيات رفيعة، لا انطلاقا من جانب الانتقام المدمّر الذي لا يفسح أيّ مجال للنظر إلى الآخر على أنّه يستحقّ أيّ تقدير إنسانيّ لأنّه عدوّ ومهزوم. في مقابل تلك الحكايات المعدودة يمكن العثور على الكثير من القصص التاريخية التي تعكس الجانب التدميريّ في النفس البشريّة، وكيف تمّ الانتقام من الآخر بعد الانتصار عليه، ولم يكن ذاك الانتقام يستثني الموتى والقبور، كأن يتمّ إحراق الموتى، أو نبش القبور للإساءة إلى الجثث، أو حتى العظام المتبقية.

إعادة قتل القتيل عادة حربيّة، وتكون بأكثر من صيغة وطريقة، وتعكس مدى غضب الخصم وجنونه وترك المجال للوحش الكامن فيه أن يتغلّب على الإنسان ويقوده في رحلة التدمير الذاتيّ، ذلك أنّ الإنسان الذي يتمكّن منه التوحّش يغدو خطرا على نفسه، يقع في فخّ شهوة القتل، ويضيع في متاهات الانتقام.

اليوم، في الحرب السوريّة، كأيّ حرب أخرى تخلّلها الكثير من مشاهد الجنون والوحشيّة، وقد تفوّقت الوحشية المكشوفة على غيرها من الوحشيات التي قرأنا عنها أو سمعنا بها بطريقة ما، أنّها مقتلة مفتوحة، تبثّ على مرأى ومسمع ومشهد من العالم المتحضّر، ذاك الذي تشدّق كثيرا بأنّ عصر الإبادات الجماعيّة قد ولّى إلى غير رجعة، في الوقت الذي يباد فيه شعب برمّته انتقاما منه على مطالبته بالحرّيّة من قيود الاحتلال.

في الجوار العراقيّ أيضا حيث الحرب المديدة والوحشية المتفاقمة، تثير مشاهد المدن المدمّرة والضحايا كثيرة الرعب في النفوس، وتعيد طرح السؤال الممضّ عن جانب الولاء للوطن والإنسانيّة والأخلاق في واقع الحرب والتدمير.

يا ترى عن أيّ أخلاقيّات للحرب يمكن التحدّث، ولعنة الوحشيّة والجنون تعمي القلوب وتعطّل العقول؟

كاتب من سوريا

15