أخبر بونوتشي عني

رغم أن بونوتشي سارع إلى الاعتذار عمّا بدر منه تجاه اللاعب إلاّ أن ردود الأفعال ضد مدافع اليوفي كانت قوية، الكل ساند مويس كين، والكل كان غاضبا من بونوتشي الذي لم يحسن التعامل مع الموقف.
الأحد 2019/04/07
الفتى المتقد حيوية وحماسا

ما تعرض له النجم الشاب مويس كين لاعب يوفنتوس في مباراة الفريق ضد كالياري من هتافات عنصرية، لا يعدو أن يكون سوى حلقة جديدة من مسلسل التصرفات الهوجاء والتجاوزات المنبثقة من فكر فاشي بغيض.

طبعا لن تكون الحادثة الأخيرة، وهي أيضا ليست الأولى في ملاعب إيطاليا.

لقد اعتقد البعض أن العنصرية ولى عهدها وانقضى، لكن في كل مرة “تجود” منافسات الدوري الإيطالي “بتحف مقززة” وممارسات تزيد الوضع البائس بؤسا وتضفي مسحة من السقطات المخزية على المشهد الكروي.

ما حدث في تلك المباراة يؤكد ذلك، لقد تعمدت جماهير كالياري الفريق المضيف إهانة الفتى الشاب لنادي يوفنتوس، حيث وجّه له البعض هتافات عنصرية مقيتة ودنيئة.

لم يقو الفتى على الصمود، هو ليس ناضجا كفاية حتى يتجاهل هذه الهتافات، وكل هذا الصراخ المزلزل، تأثر من هول ما سمع ورأى، حاول أن يركز على دوره في المباراة وهو التسجيل، وكان له ما أراد، لكن ردة فعله ربما كانت مجانبة للصواب.

لقد توجه بدوره إلى جماهير الفريق المنافس وحاول بطريقته الخاصة أن يرد على الهتافات العنصرية، نجح في استفزازهم، لكن الرد كان أقوى والسقوط الأخلاقي استمر من قبل فئة من أنصار كالياري التي استعملت كل الألفاظ النابية والممارسات العنصرية كي تهين هذا الفتى.

إنه لعمري التدهور الرياضي في أقوى تجلياته، إنه زمن السقوط والانحطاط الكروي الذي أضر بصورة الكرة الإيطالية وساهم في جذبها إلى القاع.

لمن لا يعرف مويس، يجب أن نشير إلى أن هذا اللاعب لم يتجاوز بعد سن 19 ربيعا، لقد صعد نجمه منذ فترة وجيزة، فرغم أنه لا يشارك بانتظام مع الفريق الأول لليوفي، إلاّ أن الجميع في إيطاليا تحدث عن موهبته الفذة وقدرته العجيبة على إحراز الأهداف.

هو سليل عائلة من ساحل العاج هاجرت منذ سنوات طويلة إلى شمال إيطاليا واستقرت بمدينة فرشاي، وهناك ولد كين ونشأ على حب كرة القدم، لتقوده موهبته ومهاراته العالية إلى الالتحاق باليوفي، حيث تعلم أصول اللعبة وطوّر قدراته، إلى أن أصبح لاعبا يافعا يشار إليه بالبنان.

تكهن البعض بأنه قد “يخلصُ” المنتخب الإيطالي من عقدة الإخفاق المتتالي الذي ظل يلاحقه في السنوات الأخيرة، لم يتردد مدرب منتخب “الأزوري” في دعوته للعب ضمن المنتخب، وكان بحق عند مستوى الثقة حيث برهن منذ إطلالته الأولى أنه لاعب موهوب ولديه بصمة “النجوم”.

مويس كين هذا الفتى المتقد حيوية وحماسا ذكّر الجميع بالمهاجم السابق للمنتخب الإيطالي ماريو بالوتيلي، فهذا الأخير صعد إلى عنان السماء في بداية مسيرته الكروية، لقد أبدع وتألق وخطف الإعجاب في تجربته الأولى مع إنتر ميلان عندما كان في مقتبل العمر.

لكن ذلك الفتى الذي عاش طفولة مضطربة ومعقدة، تأثر كثيرا بالضغوطات والنجومية المبكرة، لم يقدر على الصمود أمام المشاكل، والأهم من ذلك أنه عجز عن تفادي التجاوزات العنصرية التي نقلته من فضاء الدوري الإيطالي الضيق إلى أفق أكبر وتحديدا مع مانشستر سيتي الإنكليزي.

ورغم تحقيق بعض النجاح إلاّ أن بالوتيلي ظهر لاعبا مشوّش الذهن، لاح مرتبكا وبدا أنه تأثر كثيرا بالإهانات العنصرية التي دفعته في عدة مناسبات إلى البكاء.

لقد ساهمت تلك الممارسات “الفاشية” الخائبة في تراجع أداء هذا اللاعب، وانتهى به المطاف إلى اللعب مع فرق متوسطة، لقد ابتعد عن الأضواء ولم يعد له أي مكان ضمن تشكيلة المنتخب الإيطالي في الزمن الراهن.

هل يأتي الدور على الفتى المراهق مويس كين؟ طبعا يمكن أن يسير هذا اللاعب على خطى ماريو، يمكن أن تطبق عليه الهتافات العنصرية التي طبعت كيان الكرة الإيطالية، ويمكن أن يتحوّل من مشروع حلم جميل إلى لاعب متهالك تعبث به المصائر المجهولة.

ما يدفعنا إلى الخوض في هذا الأمر، هو ما حصل أيضا في تلك المباراة ضد كالياري، فكين لا يزال فتيا يفتقد للنضج والتجربة، ينقصه الهدوء والحكمة، فهو ما يزال لا يحسن التعامل مع الهتافات المعادية من قبل جماهير الفرق المنافسة حتى وإن كانت هتافات عنصرية.

كان بحاجة إلى الحماية والإحاطة، ما زال بحاجة إلى الدعم، لكن ما أتاه زميله في الفريق ليوناردو بونوتشي كان بمثابة سكب للزيت على النار.

بونوتشي الذي يعتبر من أكثر اللاعبين حنكة وتجربة في صفوف فريق “السيدة العجوز” لم يهرع إلى حماية زميله الصغير، بل أنّبه بشدة ووجّه له اللوم، والسبب في ذلك أن الفتى كين ردّ بطريقة مستفزة على إهانة الجماهير.

ورغم أن بونوتشي سارع إلى الاعتذار عمّا بدر منه تجاه اللاعب إلاّ أن ردود الأفعال ضد مدافع اليوفي كانت قوية، الكل ساند مويس كين، والكل كان غاضبا من بونوتشي الذي لم يحسن التعامل مع الموقف.

ففي مثل هذه المواقف لا وقت للجدل والتردد، لا مجال للتسامح مع كل التجاوزات العنصرية، حتى وإن كان اللاعب أخطأ أو قام ببعض التصرفات الصبيانية.

ربما الرد الأمثل على هكذا تجاوزات كان من ماريو بالوتيلي نفسه، فهذا اللاعب الذي تذوّق من الكأس ذاته، وجه رسالة تضامن إلى كين، أهم ما جاء فيها قوله “أخبر بونوتشي عنّي”، وكأنه أراد القول إنه لن يسكت أبدا عن أي تصرف أحمق حتى وإن لزم الأمر معاداة أصدقاء الأمس.

23