أحمد الفهد رجل الخط السياسي الجديد للأسرة الحاكمة في الكويت

منصب وزارة الدفاع إعادة تأهيل لدور أكبر.
الأحد 2023/09/17
شخصية بكاريزما ملحوظة

الكويت- شيء من الحظ هو الذي جعل أحمد فهد الأحمد الصباح غارقا في عالم الرياضة، عندما كانت وزارة الدفاع الكويتية غارقة في الفساد، حتى أصبح المنصب تهمة محتملة مسبقة لمجرد أن العديد من كبار مسؤولي الوزارة، سواء الذين طالتهم التحقيقات أم الذين لم تطلهم، كانوا هم أدوات التمرير والتدبير للعديد من الصفقات المشبوهة. وهو ما يعني أن الوزير عادة ما يقف على رأس وزارة تتوفر فيها من فرص الإثراء غير المشروع ما لا يتوفر في غيرها من الوزارات.

وعدا عن أن صفقاتها وتعاقداتها وبرامجها غالبا ما يجري تنفيذها بالسرية والكتمان، وهي غير خاضعة للرقابة، فإن ميزانية الوزارة الضخمة التي تبلغ نحو 7.5 مليار دولار سنويا (أو ما يعادل نحو 11 في المئة من إجمالي ميزانية الدولة) توفر فرصا أكبر مما تتيحه أيّ وزارة أخرى. وهذا مما جعل وزارة الدفاع الكويتية حفرة لا ينجو منها إلا الذين يضعون الكويت فوق مصالحهم الشخصية.

وعلى الرغم من قصر المدة التي تولى خلالها أحمد الفهد منصب وزير الدفاع، منذ 18 يونيو الماضي، إلا أنه حرص على أن ينأى بنفسه عن الفرص التي أتيحت لعدد من سابقيه على رأس الوزارة.

شخصية قوية

بوكس

 بات أحمد الفهد رهان آل الصباح على شخصية قوية تواجه الوضع السياسي المتراجع والتجاسر من أعضاء مجلس الأمة على أفراد كبار في الأسرة. وهذا الرهان يدركه الخليجيون كذلك. وما يرشحه لهذا الموقع المتقدم أنه يمثل تيارا سياسيا جديدا داخل الأسرة الحاكمة، يتسم بالحزم والتشدد في مواجهة محاولات الإضرار بالنظام القائم في البلاد.

شيء من الحظ أيضا جاء من أن ولي العهد الحالي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذي تولى منصبه في 8 أكتوبر 2020، يريد حكومة مستقرة، لا تعصف بها رياح الفساد والانتقادات، كما حدث مع عدد من الحكومات السابقة، وعينه على وزارة الدفاع لأنها واحدة من أهم البؤر التي تخرج منها الروائح قبل سواها.

وعلى هذا الأساس فإن تعيين أحمد الفهد كان أمرا مدروسا، من ناحية إعدادات المستقبل، كما كان مرتبطا بحزمة موانع ومحاذير أظهر الفهد احتراما لها حتى الآن.

وزارة الدفاع لم تكن هي منصبه الحكومي الأول، من خارج عالم الرياضة، إذ شغل عدة مناصب وزارية منها (بالوكالة) وزارات الإعلام والنفط والصحة، ومنها أيضا رئاسة منظمة أوبك، ورئاسة جهاز الأمن الوطني، مما يعني أنه يمتلك خبرات حكومية واسعة.

وتم تعيينه نائبا لرئيس الوزراء ووزير الدولة لشؤون الإسكان وزير دولة لشؤون التنمية في 29 مايو 2009، وذلك بعد انتخابات مجلس الأمة التي أجريت بتاريخ 16 مايو 2009. ولكن بعد نحو سنتين غادر هذا المنصب في 13 يونيو 2011، وذلك بعد الاستجواب الذي قُدم إليه من قبل النائبين مرزوق الغانم وعادل الصرعاوي، على خلفية اتهامات بقضايا فساد. وكانت استقالته في ذلك الوقت، وامتناعه عن التعامل مع الاستجواب، وغيابه عن المشهد السياسي المحلي هي ما وقف وراء مشاعر المفاجأة التي أحاطت بعودته إلى الحكومة مؤخرا. والافتراض السائد هو أن هذه العودة تكاد تعني نوعا من إعادة تأهيل لدور أكبر، إذا ما اجتاز امتحان المراقبة في منصبه كوزير الدفاع.

وثمة مَنْ يبرّر الاعتقاد، بأن مواجهة ما سوف تأتي بين أحمد الفهد وبين الغانم. إذ أن هناك مَنْ يقول إن رئيس الحكومة، الذي سبق للغانم أن اعتبره “خطرا على البلاد”، جاء بأحمد الفهد ليكون “خطرا” على الغانم نفسه. إلا أنه لا أساس فعليا لذلك، لأن بيئة السياسة في الكويت ليست مشحونة بالضرورة بالأحقاد ولا بنزعات الانتقام. إذ يؤدي كلّ دوره، وفقا للقواعد الدستورية، وما من خسارة دائمة لأيّ أحد.

ويصعب القول إن بعض صفقات الأسلحة التي وُقّعت مؤخرا كانت من إعداده، مما يبعد عنه ما قد يثار حولها من أسئلة. ففي 3 يوليو الماضي، وقّعت الكويت والولايات المتحدة اتفاقية بقيمة 1.4 مليار دولار لشراء 3 أنظمة باتريوت إضافية ليصبح مجموع ما لديها من أنظمة باتريوت 21 بطارية. وفي 20 يوليو الماضي وقّعت الكويت وفرنسا اتفاقية لشراء 6 فرقاطات من طراز فريم. وبلغت قيمة الصفقة 10 مليارات يورو، ومن المقرر أن يتم تسليم الفرقاطات إلى الكويت في عام 2030. وتعتبر هذه الصفقة ثاني أكبر صفقة دفاعية في تاريخ الكويت.

وفي حين يرى البعض أن أحمد الفهد يسعى إلى تعزيز العلاقات العسكرية مع الدول الغربية، إلى جانب تحسين قدرات القوات المسلحة الكويتية، فهناك من النواب والنشطاء السياسيين من يعتقد أن هذه الصفقات غير ضرورية وباهظة الثمن وتثير المخاوف من أن تنطوي على شبهات.

صندوق الجيش

• أحمد الفهد رهان آل الصباح على شخصية قوية تواجه التجاسر من أعضاء مجلس الأمة على أفراد كبار في الأسرة
أحمد الفهد رهان آل الصباح على شخصية قوية تواجه التجاسر من أعضاء مجلس الأمة على أفراد كبار في الأسرة

ما يزال الوقت مبكرا على إذا كان الفهد سوف ينجو من الانتقادات، لاسيما حيال مجلس نواب امتلك الخبرة في ملاحقة الحكومة، من دون السعي إلى إسقاطها. وكذلك لأن تاريخ الفساد في وزارة الدفاع يكفي بحد ذاته لجعل الأعين مفتوحة عليه.

وقد أطاحت قضية “صندوق الجيش” التي اندلعت في العام 2019 برئيس الوزراء السابق جابر المبارك الصباح و8 آخرين، بينهم خالد الجراح وزير الداخلية السابق، وجسار الجسار وكيل وزارة الدفاع السابق، وفهد الباز الملحق العسكري في لندن، وعلي العساكر الملحق العسكري في البحرين.

وكانت وزارة الدفاع خصصت ميزانية سنوية لهذا “الصندوق” بهدف منح قروض ميسّرة، وإقامة مناسبات اجتماعية لمنسوبي الوزارة، قبل أن يتضح أن الكثير من الأموال أنفقت على أشخاص وهميين، أو تمت المبالغة في تكاليف المناسبات الاجتماعية التي رعتها الوزارة، مما أثار سجالا بين اثنين من أركان الأسرة الحاكمة، هما وزير الداخلية حينها خالد الجراح الصباح، ووزير الدفاع حينها ناصر صباح الأحمد الصباح.

واتهم ناصر الصباح مسؤولي هذا الصندوق باختلاس نحو 800 مليون دولار، في الفترة التي كان فيها خالد الجراح وزيرا للدفاع، وهو ما تسبب بأزمة أدت إلى استقالة الحكومة.

• أحمد الفهد بات رهان آل الصباح على شخصية قوية تواجه الوضع السياسي المتراجع والتجاسر من أعضاء مجلس الأمة على أفراد كبار في الأسرة
أحمد الفهد بات رهان آل الصباح على شخصية قوية تواجه الوضع السياسي المتراجع والتجاسر من أعضاء مجلس الأمة على أفراد كبار في الأسرة

ومثلما استقال ناصر صباح الأحمد الصباح من منصبه في 16 نوفمبر 2019، فقد استقال بعده حمد جابر العلي الصباح في 16 فبراير 2022 بسبب ما وصفه بـ”تعسف نواب البرلمان في استخدام الاستجوابات بحق الوزراء”، كما استقال من بعده طلال خالد الأحمد الصباح من منصبه بسبب خلافات بينه وبين رئيس الوزراء حينها صباح خالد الحمد الصباح. وذلك قبل أن تصل عهدة الوزارة إلى أحمد الفهد.

ولد الشيخ أحمد الفهد في مدينة الكويت في 12 أغسطس 1963، وهو الابن الأكبر للشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح، أحد أبناء الشيخ أحمد الجابر الصباح. أما أمير البلاد الحالي نواف الأحمد الجابر الصباح فهو الابن السادس للشيخ أحمد الجابر الصباح. ما يجعل أحمد الفهد ابن عم الأمير. كما أنه متزوج من شيخة مشعل الأحمد الجابر الصباح، ابنة ولي العهد، وله منها خمسة أبناء (فضيلة، فهد، مريم، فهدة، والعنود).

درس في الكويت والولايات المتحدة، وحصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كورنيل. كما درس في مدرسة الجيش البريطاني للتدريب العسكري وحصل على مرتبة الشرف، ودرس العلوم العسكرية في كلية ساندهيرست الملكية في بريطانيا.

بدأ الشيخ أحمد الفهد حياته المهنية في القطاع الخاص، حيث شغل مناصب مختلفة في عدة شركات كويتية. وفي عام 1991 تم تعيينه رئيساً للاتحاد الكويتي لكرة القدم، وقاد المنتخب الوطني إلى الفوز بكأس الخليج العربي في عام 1996.

في عام 1999، تم انتخابه رئيساً للمجلس الأولمبي الآسيوي، وشغل هذا المنصب لمدة 22 عاماً. وخلال فترة ولايته ساهم أحمد الفهد في تطوير الحركة الأولمبية الآسيوية، وعمل على تعزيز التعاون بين الدول الآسيوية في مجال الرياضة.

وفي عام 2015، أتّهم أحمد الفهد بالتورط في فضيحة فساد مالي في الاتحاد الدولي لكرة القدم، ولكن تم إسقاط الاتهامات في النهاية.

الوجه الآخر

بوكس

يتمتع أحمد الفهد بكاريزما ملحوظة، وهو معروف بذكائه وقدراته القيادية في الإدارة. كما أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع العديد من الشخصيات السياسية والرياضية في العالم. كما يُعرف بنشاطه الخيري، حيث يدعم العديد من الجمعيات الخيرية والإنسانية في الكويت والعالم العربي. وهو يقود “مؤسسة الشيخ أحمد الفهد الأحمد الصباح للرعاية الاجتماعية والإنسانية”، التي تقدم خدمات الرعاية الاجتماعية والإنسانية لمختلف الفئات المحتاجة في الكويت.

ودعّم العديد من الجمعيات الخيرية والإنسانية في الكويت، مثل جمعية الهلال الأحمر الكويتي، وجمعية النجاة الخيرية، وجمعية الشيخ عبدالله السالم الصباح للتنمية الاجتماعية. وذلك إلى جانب دعم العديد من الجمعيات الخيرية والإنسانية في العالم العربي، مثل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وجمعية الهلال الأحمر الأردني، وجمعية الهلال الأحمر اللبناني. كما أنه أطلق مبادرة “الكويت قلب الإنسانية” التي تهدف إلى مساعدة اللاجئين السوريين في لبنان والأردن.

دوره في عالم الرياضة جعله محبوبا في الأوساط العامة. وشخصيته القوية والمؤثرة وشبكة علاقاته السياسية الواسعة أكسبته الاحترام، وكانت سببا، في الوقت نفسه، للاتهامات التي وجهت له، بأنه لعب دورا للتأثير على المجلس الأولمبي الآسيوي لانتخاب شقيقه طلال الفهد الأحمد الصباح رئيسا للمجلس بأغلبية 24 صوتا من أصل 44 صوتا، وهو ما دفع لجنة الأخلاقيات التي تتبع للجنة الأولمبية الدولية إلى القول إنه كان لأحمد الفهد تأثير على الانتخابات التي أجريت في بانكوك.

ولكن اتهامه بمحاولة تدبير انقلاب في الكويت، في إطار الصراع الداخلي بين أطراف الأسرة الحاكمة، كان هو العلامة الأكبر في تاريخه الشخصي. إذ حوكم في جنيف في أغسطس 2021 بعد ست سنوات من تقديم شكوى جنائية نيابة عن رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد الصباح ورئيس البرلمان السابق جاسم الخرافي.

• عودة أحمد الفهد إلى الحكومة تمثل نوعا من محاولة لشطب ماضي الخلافات داخل الأسرة الحاكمة
عودة أحمد الفهد إلى الحكومة تمثل نوعا من محاولة لشطب ماضي الخلافات داخل الأسرة الحاكمة

ومثل أحمد الفهد أمام المحكمة إلى جانب ثلاثة متهمين آخرين هم مساعد كويتي سابق ومحاميان مقيمان في جنيف من بلغاريا وأوكرانيا، فيما لم يمثل المتهم الخامس وهو محام إنجليزي أمام المحكمة. وواجه الخمسة تهماً تتعلق بترتيب قضية تحكيم في جنيف في عام 2014 لتوثيق أدلة فيديو مصورة تضمنت تفاصيل عن اتفاق للانقلاب على أمير البلاد.

وقد قدم الفيديوهات رئيس الوزراء ناصر المحمد وقيل إن الهدف منها كان للإيقاع بخصومه السياسيين في الكويت وكان أحدهم أحمد الفهد مع مساعده ومحاميه. واتهم الادعاء العام في جنيف أحمد الفهد بالوقوف خلف تنظيم جلسة استماع زائفة لخلق الانطباع بأن مقاطع الفيديو التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي حقيقية. ولكنه نفى أن يكون قد ارتكب أيّ مخالفات.

بوكس

وبعد أن أدين بتهمة التزوير، وحكم عليه بالسجن لمدة 30 شهرًا مع وقف التنفيذ لجزء من المدة، فقد استقال من منصب رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي، وكذلك من منصبه كأمين عام لمنظمة “أوبك” لكي يتمكن من استئناف المحاكمة.

وألغيت المحكمة فيما بعد، إلا أنها بقيت جزءا من خلفية الصورة. وهو ما دعا الغانم إلى القول عن الحكومة الجديدة التي يترأسها أحمد النواف إن شعارها “برنامج عمل حكومة تصحيح المسار” هو أكبر كذبة في التاريخ السياسي الكويتي، محذّراً من أنه يتم تهيئة البلاد عن طريق إبعاد كل شريف، وتوطين الفاسدين في بعض مفاصل الدولة حتى تسرق كما سرقت أيام الغزو (العراقي للكويت)”.

وقال إن “تصحيح المسار يحتاج إلى تصحيح التشكيل الحكومي وحسن الاختيار، فهل تعيين وزير عليه أحكام قضائية، وإن كانت غير نهائية، هو تصحيح المسار؟”.

وذكر أن “منطوق الحكم الذي صدر في 10 سبتمبر 2021 يقول ‘إن المحكمة تعلن أن أحمد فهد الأحمد الصباح مذنب بتهمة التزوير، وتحكم عليه بالسجن لمدة 30 شهراً، مع خصم 35 يوماً من الاحتجاز السابق للمحكمة’، فهل هذا هو حسن الاختيار؟”.

ويرى بعض المراقبين أن عودة أحمد الفهد إلى الحكومة تمثل نوعا من محاولة لشطب ماضي الخلافات داخل الأسرة الحاكمة، ولكنها تمثل في الوقت نفسه حرصا على بناء خط سياسي جديد، داخل الأسرة، يحتاج إلى شخصية تتميز بالحزم والثقة والكفاءة يجسدها رجل مثله ما يزال يُنظر إليه على أنه شخصية قيادية محترمة وموثوق بها في العمل العسكري والأمن الوطني، ومتشدد في الوقت نفسه حيال ما قد يتعرض له النظام السياسي من مظاهر عدم الاستقرار.

 

7