أحلام الشيخوخة أكثر متعة
ربما لو نسأل اليوم بعض الشباب المولعين بكرة القدم الأوروبية وخاصة الإسبانية عن المهاجم ديفيد فيا فإن الغالبية الساحقة لن تعرف من هو هذا اللاعب، خاصة وأنه ليس من زمرة نجوم الدوري الإسباني أو من بين اللاعبين المؤثرين على المشهد الكروي هناك.
لكن بالمقابل يمكن التأكيد على أن من عشق برشلونة وتابع مباريات فالنسيا قبل خمسة أعوام من الآن سيعرف دن شك من هو هذا اللاعب.
حديثنا يتعلق بمهاجم بلغ من العمر عتيا وبات على مشارف الشيخوخة الرياضية والاعتزال، الكلام هنا عن مهاجم سيحتفل بعد أشهر قليلة بعيد ميلاده السادس والثلاثين، لكنه استعاد فجأة ودون سابق إعلام الأضواء رغم أنه كان يتأهب لإعلان اعتزاله اللعب نهائيا.
فالخبر المفاجئ والمثير يتعلق بتلقي هذا المهاجم دعوة لتعزيز صفوف المنتخب الإسباني للمشاركة في المباراتين القادمتين ضمن التصفيات الأوروبية لمونديال روسيا 2018، وكل المعطيات الراهنة تشير إلى أن فيا قد يكون ضمن الأساسيين خلال الموعدين المرتقبين.
فما الذي جعل لاعبا خفتت عنه الأضواء والنجومية وغادر منذ سنوات صوب الدوري الأميركي من أجل قضاء آخر أيام مسيرته الرياضية يعود بهذا الزخم من اللغط إلى الواجهة مع منتخب إسبانيا بطل العالم سنة 2010 وبطل أوروبا سنتي 2008 و2012؟
وقبل الخوض في البحث عن أسباب هذه العودة ربما يتعين الرجوع سنوات إلى الوراء لسرد وقائع مسيرة واعدة ورائعة حققها هذا المهاجم المتألق في بداياته، فهذا اللاعب المتميز عرف توهجا كبيرا مع فريق فالنسيا الذي قدم إليه سنة 2005 بعد تجربتين سابقتين مع سبورتينغ خيخون وريال سرقسطة.
فيا لعب مع “خفافيش” فالنسيا لمدة خمسة مواسم تمكن خلالها من خط اسمه بأحرف من ذهب مع الفريق بفضل أهدافه الرائعة وعطائه الغزير، كل هذا الأمر جعله ينتزع مكانا ثابتا مع منتخب “لاروخا” الأول ولعب معه في أغلب البطولات القوية وخاصة مونديال جنوب أفريقيا 2010.
وبما أن كل نجم بارع ومتألق ومتوهج ينجح غالبا في الظفر بمكان ضمن الفريقين القويين في إسبانيا ريال مدريد وبرشلونة، فإن هذا المهاجم الهداف والمتمكن وجد له مكانا مع “البارسا” رغم تقدمه نسبيا في السن، لتشهد سنة 2010 حدث انتقاله الشهير إلى الفريق الكاتالوني ويحقق بذلك أحد أحلام طفولته، والأكثر من ذلك أنه عاصر جيلا متميزا ورائعا للغاية في الفريق، إذ لعب مع ميسي وتشافي وإينيستا، وتمكن من تقديم مستوى رائع للغاية جعله ينتزع مكانا دائما ضمن الأساسيين، والكل في إسبانيا كانوا يتحدثون عن إضافة فيا الواضحة للخط الأمامي، خاصة بعد رحيل عدة مهاجمين مثل إيتو وهنري وإبراهيموفيتش.
لكن هناك بعض الأزمات و”الكوارث” التي يمكن أن يتعرض لها أيّ لاعب خلال مسيرته الرياضية، ومن سوء حظ “الفتى الذهبي” فيا أنه تعرض لإصابة لعينة حادة خلال مشاركة الفريق في كأس العالم للأندية سنة 2011، جعلته يبتعد لفترة طويلة للغاية عن الملاعب قبل أن يعود بعد جهد جهيد.
بيد أن هذه العودة لم تكن موفقة للغاية، إذ وجد صعوبات جمة لفرض نفسه ضمن التشكيلة الجديدة للفريق الكاتالوني الذي قام بعدة تعزيزات، وحاول فيا أن يستعيد بسرعة سالف تألقه وتوجهه لكنّ الأمر كان عصيّا عليه، فاختار في نهاية المطاف، وهو اللاعب الذي تجاوز سنه الثلاثين، الرحيل وخوض تجربة جديدة، فوجد الحل لدى أتلتيكو مدريد ليلعب في صفوفه موسم 2013ـ2014، ورغم أن موسمه كان ناجحا إلاّ أن التجربة لم تستمر إذ خير نجم “لاروخا” الرحيل بعيدا عن ضغوطات الدوري الإسباني المرهقة حتى يكمل ما تبقى له من أعوام في الدوري الأميركي الذي يعرف بكونه ملاذ كل لاعب تقدم به العمر ويحلم باعتزال هادئ.
وهناك استعاد فيا لذة اللعب والتألق من جديد رغم أنه لم يخطط لذلك، لقد لمع نجمه مرة أخرى مع فريق نيويورك سيتي وسجل الأهداف ببراعة فتى في سن العشرين، لقد استمتع هناك وأمتع كثيرا ومع بداية كل موسم كان يقرّر أنه سيكون الأخير له في الملاعب، لكنه يعدل عن ذلك في النهاية، لأنه أيقن في كل مرة أنه مازال قادرا على العطاء والتألق.
وفي مقابل تألقه الأميركي لم يكن يخطط بالمرة أو يحلم بأن تفتح له أبواب النجومية من جديد، لم يكن أبدا يدرك أنه سيأتي يوم ويتلقى مكالمة من مدرب المنتخب الإسباني لوبيتيجي ليعلمه أنه سيكون أحد المدعوّين للّعب مرة أخرى مع منتخب بلاده، رغم أنه تجاوز سن الخامسة والثلاثين.
لقد سعد فيا كثيرا بهذه المكالمة، ربما أسعدته أكثر من ذهابه سنة 2010 إلى برشلونة، لأنه نجح وهو لا يدري ذلك في التأكيد على أن لـ”الشيخوخة” الرياضية أحلاما أكثر متعة وإغراء يمكن أن تتحقق وتسعد النفس أكثر من أحلام فتى في العشرين.
اليوم سيكون فيا ذلك اللاعب الذي ساهم منذ حوالي عشر سنوات في فرض المنتخب الإسباني سيطرته الأوروبية والعالمية مع نخبة من لاعبي الجيل الجديد، ورغم وجود بعض المهاجمين الواعدين مثل أسونسيو وموراتا، إلاّ أن “شيخ الشباب” فيا قد يرتقي مرة أخرى إلى مصاف نجوم منتخب إسبانيا الساعي لقول كلمته في بطولة العالم المقبلة.
كاتب صحافي تونسي