أحزاب في المعارضة المصرية تستنجد بالتمويل بحثا عن التمثيل المشرف

مطبات أمام الحوار الوطني في مصر لتحديد مستقبل ممارسة العمل الحزبي.
الأحد 2023/09/03
إمكانيات محدودة للمعارضة

القاهرة - دفعت أحزاب معارضة مصرية نحو ضرورة إعادة الدعم الحكومي للأحزاب تزامنًا مع نقاشات يقودها الحوار الوطني في مصر بشأن تعديل قانون الأحزاب السياسية، ما أثار تساؤلات عديدة حول أبعاد موقف قوى توجه انتقادات لاذعة للحكومة ومدى قدرتها على التحرك سياسيًا في حال ارتبطت بدعم مادي تقدمه نفس الجهات التي تبني رؤيتها على معارضتها.

ومن المقرر أن تناقش لجنة الأحزاب السياسية بالحوار الوطني الأحد تفاصيل التعديلات المزمع إدخالها على قوانين إنشاء الأحزاب وعملها، ومناقشة إمكانية التوجه نحو دمجها، والحوكمة المالية والإدارية لها، والتطرق إلى دور لجنة الأحزاب التي تتولى الإشراف على شؤونها.

وتلاقت مواقف أحزاب الموالاة والمعارضة بشأن ضرورة عودة التمويل الحكومي، وتضمنت الرؤى التي جرى استعراضها في جلسات سابقة للحوار الوطني أهمية الدعم الحالي بما يدعم قدرة الأحزاب على المنافسة السياسية وتشجيع كوادرها على الانخراط في العمل العام، في ظل حالة من العزوف تظهر من خلال الوزن والثقل السياسي لغالبية الأحزاب الموجودة على الساحة حاليًا بتوجهاتها المؤيدة والمعارضة.

عبدالمنعم إمام: التمويل يساعد الأحزاب على تطوير أدائها السياسي
عبدالمنعم إمام: التمويل يساعد الأحزاب على تطوير أدائها السياسي

وتسعى الأحزاب المصرية للعودة إلى عهود قدمت فيها الأنظمة المصرية السابقة دعمًا للأحزاب منذ إتاحة التعددية الحزبية في سبعينات القرن الماضي وحتى اندلاع ثورة يناير 2011، وجرى وقتها إدخال تعديلات على قانون الأحزاب السياسية سمحت بتأسيسها بالإخطار بعد أن كانت لجنة شؤون الأحزاب الجهة المنوطة بمنح مواقفه التأسيس، في المقابل أوقفت الحكومة الدعم الذي كانت تقدمه للأحزاب.

وارتفع عدد الأحزاب في مصر منذ آخر تعديلات أجريت على قانونها من 24 حزبا إلى أكثر من 100 حزب الآن، أغلبها ليس لها حضور فاعل على الساحة السياسية، فيما تعاني الأحزاب الشهيرة من عدم القدرة على إقناع الرأي العام برؤاها وتخضع لانتقادات عديدة من جانب المواطنين العاديين.

ولم تختلف أوضاع الأحزاب المصرية مع توجيه الدعم المالي إليها كثيراً عمّا هي عليه الآن، بل دائما ما كانت تواجه باتهامات تتعلق باتخاذها مواقف تخدم الحكومة، وأنها لا تتمتع بالاستقلالية الكاملة التي تجعلها في مواجهة تحدّ حقيقي مع الهيئات التي توجه انتقاداتها لها، ما سمح لتنظيم الإخوان أن يجد مساحات كبيرة للحركة ووظف مسألة الدعم في التأكيد على أن الأحزاب اليسارية والليبرالية التي كانت حاضرة خرجت من رحم الحكومة.

وتستند أحزاب معارضة على أن التمويل الحكومي للأحزاب يتواجد في بلدان عديدة، وذلك لا يؤثر على مواقفها السياسية التي تتبناها، وأن مشاركة عدد منها في تحالفات حكومية خاضت انتخابات البرلمان على القوائم المغلقة المطلقة لم يغير مواقفها تحت قبة البرلمان بعد وصولها، وأن التجارب الديمقراطية الصاعدة في حاجة إلى المزيد من الدعم الحكومي بما ينعكس إيجابًا على التجربة السياسية برمتها.

وقال النائب البرلماني، ورئيس حزب العدل (أحد أحزاب الحركة المدنية المعارضة) عبدالمنعم إمام إن التمويل المقترح تقديمه للأحزاب أمر مهم بما يدعمها على تطوير ذاتها وأدائها السياسي، وأن الرؤى التي الرافضة للدعم المادي تبرر ذلك لعدم إرهاق ميزانية الدولة، في حين أن هناك قدرا هائلا من الهيئات والجهات التي تحصل على ميزانيات كبيرة من دون أن يكون لديها دور يدعم المجتمع بشكل عام.

وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن تقديم الدعم المالي للأحزاب لا بد أن يستهدف تشجيعها على الاندماج والتواجد الفاعل في البرلمان والمجالس المحلية، كما أن تقديم الدعم يجب أن يكون عبر مفوضية لشؤون الأحزاب تتعامل معها الأحزاب بصورة مباشرة ولديها آليات تمكنها من التواصل مع جهات حكومية للحصول على الدعم.

وقدم إمام مشروع قانون مقترح لنظام الأحزاب السياسية بالبرلمان قبل عدة أشهر، وتطرق إلى سبل دعم الأحزاب وتمويلها، ونص على تقديم دعم من الدولة للأحزاب (التمويل العام)، ويشمل الدعم المالي المباشر للأحزاب أو الدعم غير المباشر وعودة تمويل الدولة للأحزاب بواقع 100 ألف جنيه (ثلاثة آلاف دولار) لكل نائب حزبي في البرلمان، و10 آلاف جنيه (300 دولار) عن كل عضو في المجالس المحلية بحد أقصي 2 مليون جنيه سنويا (66 ألف دولار).

عمرو هاشم ربيع: تحديد مستقبل الأحزاب بقرارات نظرية أمر معيب
عمرو هاشم ربيع: تحديد مستقبل الأحزاب بقرارات نظرية أمر معيب

وشدد النائب البرلماني لـ"العرب" على أن الدعم لا بد أن يشمل جميع الأحزاب الحالية وأن يكون رمزيًا بحد أقصى 100 ألف جنيه (3 آلاف دولار) سنويًا ولفترة محددة، على أن يكون هناك دعم أكبر للأحزاب التي لديها تمثيل برلماني وأعضاء في المجالس المحلية في أعقاب انتخابها، وبحد أقصى 5 ملايين جنيه سنويًا (166 ألف دولار)، معتبراً أن ذلك يشجع الأحزاب على الاندماج تلقائيَا بما يساهم في تقويتها.

ويذهب البعض من السياسيين الذين يعارضون هذا التوجه إلى تأكيد أن بعض الأحزاب في مصر تتحول إلى واجهة اجتماعية وسياسية تستفيد منها قياداتها، وأن الاتجاه لتقديم الدعم لأكثر من 120 حزبا على الساحة يشكل إهداراً للمال العام بشكل حقيقي. وكانت الأشهر الماضية شاهدة على واقعة إقدام أحد رؤساء الأحزاب عرض حزبه للبيع، ما يشي بأنه تعامل معه على أنه هيئة تدرّ دخلاً بما يخالف قوانين الأحزاب.

وأكد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع أن مطالب عودة التمويل للأحزاب تصدرت اهتمامات أحزاب الموالاة والمعارضة في النقاشات التي جرت في بشأن تلك القضية، غير أن الاستجابة للمطلب وتقديمه ضمن مقررات المؤتمر في حاجة إلى دراسات تثبت ما إذا كان ذلك يخدم الحياة السياسية أم يخصم منها، وأن مستقبل الأحزاب كغيرها من القضايا التي يجد الحوار صعوبة في حسمها.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن تحديد مستقبل الأحزاب بقرارات يغلب عليها الجانب النظري أمر معيب، والقضية تتوقف على عوامل محيطة بالمجال العام في مصر، ولا بد أن يكون حاضراً في أذهان الجميع كيفية نظرة الشارع للأحزاب التي تحصل على تمويل حكومي، وسلوك الحكومة نفسها مع الأحزاب التي تمنحها هذا التمويل، وكيفية إدارة الأموال وتوظيفها، ما يجعل القضية متشابكة.

ولفت ربيع إلى أن بعض الدول تقر بتقديم دعم مالي للأحزاب لكنها تضع شروطا مشددة بما يضمن توجيهها لمسارات سليمة تدعم تطور الأحزاب، وتخدم أدوارها السياسية في المجتمع. وألمح المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان في تصريحات إعلامية الثلاثاء إلى إمكانية استحداث إجراء أو نص يدعم تقديم الدعم للأحزاب حال اندماجها، وأنه "في غياب قوى سياسية حزبية متنوعة تنشئ تحالفات معاً أو تنافس بعضها لن نكون آمنين على المستقبل".

4