أجهزة وأقمار صناعية ترصد البلاستيك في المحيطات

تمثل النفايات البلاستيكية مشكلة مرئية ومتنامية في المحيطات حول العالم، حيث تتناثر النفايات على الشواطئ وسطح المحيط، إلّا أن ما خفي في القاع كان أكثر، ففي إندونيسيا ثاني منتج في العالم بعد الصين للمخلّفات البلاستيكية تم إطلاق عوامات للتعمّق في فهم مسار النفايات بحسب الفصول والرياح والأمواج.
جاكرتا- تجرّ الأمطار أطنانا من النفايات البلاستيكية المتأتية من شوارع جاكرتا إلى شواطئ بالي أو حتّى المحيط الهندي، ويشكّل هذا المسار محور أبحاث عبر أقمار اصطناعية هدفها تحسين جمع هذه المخلّفات.
تعدّ إندونيسيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 270 مليونا، ثاني منتج في العالم بعد الصين للمخلّفات البلاستيكية الملوّثة للمحيطات.
صحيح أن الأولوية تقضي بالتخفيض من استخدام البلاستيك في الأرخبيل، غير أن هذا التحدّي يبقى هائلا بسبب ما تستغرقه الجهود المبذولة لتحقيقه من سنوات طويلة. ولبلوغ ذلك، يسعى فريق من الباحثين إلى التعمّق في فهم طريقة انتشار هذه النفايات لتحسين أساليب جمعها.
يقول خبراء البيئة، إنّ النفايات البلاستيكية، تتفتّت وتتحلل في المحيطات، لتتحوّل بعدها إلى جزيئات بلاستيكية صغيرة، مؤكّدين أنّ المواد البلاستيكية الدقيقة تشكل خطرا كبيرا على الأسماك في قاع البحر، فضلا عن أنها قد تنتقل إلى السلسلة الغذائية البشرية.
وشددوا على أنّه من الضروري اتخاذ تدابير عاجلة وطارئة لإيجاد حل لمشكلة تلوث البحر، التي تنعكس على النظام البيئي، فالثروة الحيوانية دون أدنى شك، وبالتالي صحة البشر.
في فبراير الماضي، تمّ إرساء أجهزة تعقّب للنفايات موصولة عبر بنظام “أرغوس” بالأقمار الاصطناعية، عند مصبّ نهر في جاكرتا وبالقرب من باندونغ (عاصمة مقاطعة جاوة) وفي بالمبانغ (عاصمة مقاطعة سومطرة)، بمبادرة من شركة “سي.أل.أس” الفرنسية التابعة للمركز الوطني للدراسات الفضائية، وذلك في سياق مشروع أطلقته الوزارة الإندونيسية للشؤون البحرية والصيد.
وقصد إيراي راغابوترا المتعاون مع “سي.أل.أس”، الموقع الذي يصبّ فيه نهر تشي سا داني في بحر جاوة بالقرب من العاصمة الإندونيسية. يقول بعد رميه في المياه أجهزة تعقّب طوّافة صفراء مغطّاة بطبقة واقية من المياه “نطلق اليوم أجهزة لتحديد التموضع الجغرافي بغية تتبّع مسار المخلّفات البلاستيكية التي تصل إلى البحر”.
وتصدر هذه الأجهزة المزوّدة ببطاريّة تعمل لمدّة سنة إشارات كلّ ساعة نحو قمر اصطناعي ينقل البيانات إلى مركز معالجة في مدينة تولوز الفرنسية حيث مقرّ “سي.أل.أس”، قبل أن تتحوَّل إلى الوزارة في جاكرتا.
ويقول مدير الفرع الإندونيسي لـ”سي.أل.أس” جان – باتيست فوازان إن 90 في المئة من هذه الطوّافات تجنح بعد ساعات أو أيّام إلى الشاطئ، ما يسهّل على السلطات جمعها.
فقد رصدت غالبية الطوّافات التي ألقيت قبالة شواطئ جاكرتا وعلى شواطئ جزيرة جاوة، لكن البعض منها واصل مساره على بعد أكثر من ألف كيلومتر شرقا باتّجاه بالي.
وقد وصل بعض هذه الطوّافات التي ألقيت في سورابايا، ثاني كبرى المدن في البلد، إلى غابات المانغروف في سومطرة غرب الأرخبيل حيث إن النظام البيئي هناك هشّ جدّا.
ويقول جان – باتيست فوازان “أطلقنا بعض الطوّافات قبل ستة أشهر ولا تزال المياه تتقاذفها، وهذا يعني للأسف أن النفايات لا تزال في المحيط وهي ستضاف إلى التكدّسات البلاستيكية الكبيرة في المحيط الهندي أو الهادئ”.
ومن المرتقب إطلاق 70 طوّافة إضافية للتعمّق في فهم مسار النفايات بحسب الفصول والرياح والأمواج والتيّارات ومن ثمّ استباق آثار هذه المخلّفات على النظم البيئية وتحسين عمليات جمعها، في سياق هذا المشروع المدعوم من البنك الدولي ووكالة التنمية الفرنسية.
ويتيح ذلك للسلطات أن تصبح على دراية من أمرها لمعرفة إن كان من الأفضل جمعها على اليابسة أو تشييد سدّ في موقع استراتيجي أو إرسال سفن تنتشلها من المياه.
وتشكّل هذه المخلّفات خطرا على مئات الأنواع البحرية والطيور، وقد تكون خطيرة أيضا على صحّة الإنسان من خلال جزئيات بلاستيكية دقيقة قد يبتلعها الناس في المياه.
إرساء أجهزة تعقّب موصولة بنظام "أرغوس" تصدر إشارات كلّ ساعة نحو قمر اصطناعي ينقل البيانات إلى مركز معالجة في مدينة تولوز الفرنسية
ويقول نائب المدير المعني بشوؤن المراقبة في وزارة الشؤون البحرية أوليا رضا فرحان “الأهمّ هو معرفة كيف ستعترض هذه المخلّفات الحيوانات، مثل السلاحف والحيتان، خلال موسم الهجرة“.
وتمثّل النفايات المتأتية من جاكرتا خطرا كبيرا خصوصا على السلاحف التي تهاجر من جزيرة بورنيو إلى بالي، بحسب الأخير.
وقبل سنتين، عُثر على حوت عنبر نافقا على شاطئ بالقرب من جزيرة كابوتا في حديقة واكاتوبي الوطنية وفي معدته ستة كيلوغرامات من النفايات البلاستيكية، من بينها 115 كوبا و25 كيسا أحادية الاستخدام.
كلّ سنة، يُرمى نحو 8 ملايين طنّ من البلاستيك في المحيطات، أي ما يعادل حمولة شاحنة واحدة كلّ دقيقة، وفق منظمة “أوشين كونسرفانسي” الأميركية غير الحكومية. وأكثر من 620 ألف طنّ من هذه المخلّفات تأتي من إندونيسيا. ويطمح هذا البلد الواقع في جنوب شرق آسيا إلى تخفيض هذه الكمّية بنسبة 70 في المئة بحلول العام 2025.
وقد حظرت الأكياس البلاستيكية الأحادية الاستخدام هذه السنة في العاصمة الإندونيسية، لكن الطريق أمام إعادة تدويرها لا يزال طويلا. وفي غياب أي تغيّر جذري، من المتوقّع أن يرتفع تلوّث البحار بالمواد البلاستيكية في إندونيسيا بنسبة 30 في المئة بحلول 2025، وفق توقّعات الحكومة.