أبوبكر البغدادي مسيرة الرعب والموت

أحمد رشيد وأحمد أبوالعينين
بغداد – استهدفت عملية عسكرية أميركية في سوريا أبوبكر البغدادي العراقي الذي اعتنق الفكر المتشدد وبرز من الظل ليعلن نفسه خليفة على المسلمين باعتباره زعيم “الدولة الإسلامية” التي أعلن قيامها. وقالت مصادر في سوريا والعراق وإيران، الأحد، إنها تعتقد أنه سقط قتيلا. وقال مسؤول أميركي لرويترز مشترطا الحفاظ على سرية هويته إن البغدادي كان هدفا لغارة ليلية، لكنه لم يستطع الجزم بنجاح العملية.
بدوره أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأحد، مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبوبكر البغدادي في عملية عسكرية أميركية بشمال غرب سوريا، قائلا في كلمة ألقاها من البيت الأبيض “أبوبكر البغدادي قتل”، ومضيفا أن ذلك تم بعد تفجير “سترته” الناسفة.
وظل البغدادي لفترة طويلة هدفا للقوات الأميركية وقوات أمنية أخرى في المنطقة تحاول القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية حتى بعد استعادة معظم الأراضي التي سيطر عليها التنظيم.
وذاع صيت الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة التي أعلنها البغدادي في يوليو عام 2014 على ربع مساحة العراق وسوريا بفعل فظائع ارتكبها رجالها بحق أقليات دينية وهجمات دارت وقائعها في خمس قارات وروعت حتى المسلمين من أصحاب الفكر المعتدل.
وسلطت الإبادة الجماعية للطائفة الإيزيدية التي تعد من أقدم الأديان في الشرق الأوسط الضوء على وحشية حكم البغدادي. فقد كان مصير الآلاف من الرجال الذبح على جبل سنجار موطن أسلاف الإيزيديين في شمال غرب العراق وتعرضت النساء للقتل أو السبي. وتعرض أبناء طوائف دينية أخرى للسبي أو القتل أو الجلد.
وأثار التنظيم اشمئزازا عالميا بمشاهد قطع رؤوس رهائن من دول من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان. وعرضت الولايات المتحدة جائزة قيمتها 25 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على البغدادي، وهو المبلغ ذاته الذي عرضته للقبض على أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وخليفته أيمن الظواهري.
وأدت ضربات جوية أميركية إلى مقتل معظم قيادات البغدادي بمن في ذلك أبوعمر الشيشاني وأبومسلم التركماني وأبوعلي الأنباري وأبوسياف وكذلك أبومحمد العدناني المتحدث باسم التنظيم. كما سقط الآلاف من مقاتليه بين قتيل وأسير.
لتسيل دماؤهم أنهارا
ولد البغدادي باسم إبراهيم عواد السامرائي عام 1971 في الطوبجي إحدى المناطق الفقيرة في مدينة سامراء الواقعة إلى الشمال من العاصمة العراقية بغداد والتي حمل اسمها. وكان من أفراد عائلته بعض الدعاة المتشددين من السلفيين الذين يعتبرون العديد من المذاهب الأخرى كفرا ويرون حرمانية في الأديان الأخرى.
انضم البغدادي إلى حركة التمرد السلفي عام 2003 الذي قادت فيه الولايات المتحدة اجتياح العراق وسقط في أيدي الأميركيين الذين أطلقوا سراحه بعد عام اعتقادا منهم أنه ليس سوى محرض على الاحتجاج المدني ولا يمثل تهديدا عسكريا.
ولم يلفت البغدادي أنظار العالم حتى الرابع من يوليو عام 2014 عندما صعد درجات المنبر في الجامع النوري العتيق القائم منذ المئات من السنين متشحا بعباءة سوداء خلال صلاة الجمعة ليعلن قيام دولة الخلافة.
في ذروة قوة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2016 حكم التنظيم الملايين من الأشخاص في مساحة كبيرة تمتد من شمال سوريا عبر مدن وقرى في الواديين على امتداد نهري دجلة والفرات حتى مشارف العاصمة بغداد.
وأعلن التنظيم مسؤوليته عن هجمات ارتكبها إما أفراده أو آخرون يستلهمون أفكاره في العشرات من المدن بما في ذلك باريس ونيس وأورلاندو ومانشستر ولندن وبرلين، وفي دول أخرى في المنطقة منها تركيا وإيران والسعودية ومصر.
وفي العراق شن التنظيم العشرات من الهجمات على المناطق التي يغلب عليها الشيعة. وفي تفجير شاحنة ملغومة في يوليو عام 2016 سقط أكثر من 324 قتيلا في منطقة مزدحمة في بغداد فيما كان أشد الهجمات دموية منذ غزو العراق عام 2003. كما نفذ التنظيم العديد من التفجيرات في شمال شرق سوريا الذي كان يخضع لسيطرة قوات كردية تدعمها الولايات المتحدة.
ونُشرت أغلب خطب البغدادي كتسجيلات صوتية فيما يمثل وسيلة أكثر ملاءمة للطابع السري الحذر الذي ساعده لفترة طويلة في تفادي المراقبة والضربات الجوية التي قتلت أكثر من 40 قياديا كبيرا في التنظيم.
واقترن هذا الحذر بقسوة لا تعرف الرحمة قضى بها على خصوم وحلفاء سابقين حتى في صفوف السلفيين. وشن حربا على الجناح السوري في تنظيم القاعدة الذي عرف باسم جبهة النصرة بعد انفصاله عن الظواهري الزعيم العالمي للتنظيم في 2013.
تهديد قائم
في حين حرم تدمير الكيان الشبيه بالدولة الذي أقامه البغدادي التنظيم من أداة تجنيد الأنصار ومن القاعدة اللوجستية التي استطاع من خلالها تدريب المقاتلين والتخطيط لشن هجمات منسقة في الخارج، يعتقد أغلب الخبراء الأمنيين أن التنظيم لا يزال يمثل تهديدا .ومن المعتقد أن التنظيم له خلايا نائمة في مختلف أنحاء العالم وأن بعض المقاتلين يعملون سرا في صحراء سوريا وفي مدن عراقية ولا يزالون يشنون هجمات كر وفر.
وفي أحدث رسائله الصوتية في سبتمبر الماضي تظاهر البغدادي بالشجاعة ورباطة الجأش قائلا إن العمليات اليومية مستمرة، وحث أتباعه على العمل على تحرير النساء السجينات في العراق وسوريا بسبب ما قيل عن صلاتهن بالتنظيم.
غير أن فقدان الأرض في العراق وسوريا جرده من بريق الخلافة وجعله طريدا في المنطقة الصحراوية الحدودية بين البلدين. واضطر البغدادي إلى التنقل سرا في سيارات عادية أو شاحنات الحاصلات الزراعية بين مخابئه على جانبي الحدود لا يرافقه سوى سائقه وحارسين.
وتعد المنطقة أرضا مطروقة لرجاله. فقد كانت بؤرة التمرد السني على القوات الأميركية في العراق في البداية ثم على الحكومات العراقية التي حكمت البلاد بقيادة الشيعة.
وخوفا من تعرضه للاغتيال أو الخيانة لم يتمكن من استعمال الهواتف ولم يكن يثق سوى في عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من الأفراد للتواصل مع مساعديه العراقيين الرئيسيين إياد العبيدي وزير دفاعه وإياد الجميلي المسؤول عن الأمن.
وكان من المعتقد أن الاثنين من المرشحين المحتملين لخلافته غير أن الجميلي قتل في أبريل 2017 بينما لا يعرف أحد شيئا عن مكان العبيدي.
وعلى أي حال فإن الخلفية العسكرية والافتقار إلى التبحر في الدين يعنيان أن أيا من نواب البغدادي سيواجه من بعده صعوبة في أن يرث إدعاءه بأحقيته في تولي الخلافة.