أبل والذكاء الاصطناعي.. تخلّف عن الركب أم تكتم

شركات التكنولوجيا في سيليكون فالي تسابق الزمن في مجال الذكاء الاصطناعي الذي بات التقنية الأساسية راهناً، لكن شركة أبل أعلنت مؤخرا عن إنتاج خوذة تقول عنها إنها فائقة التطوّر تمزج الواقعين الافتراضي والمعزز. لكن هل يعني ذلك أن منتجة آيفون لا تهتم بروبوتات الدردشة الحديثة أم أن الركب فاتها؟ ولا يستغرب متابعون تكتّمها عن بحوثها في مجال الذكاء التوليدي.
سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - حققت شركة أبل إنجازاً نوعياً من خلال عرضها أحدث إصداراتها وابتكاراتها بينها خوذة فائقة التطوّر تمزج الواقعين الافتراضي والمعزز، من دون التطرّق مطلقاً إلى الذكاء الاصطناعي الذي بات التقنية الأساسية راهناً في كل ما تبتكره الشركات في سيليكون فالي.
ومنذ أن أطلقت شركة “أوبن أي.آي” الأميركية الناشئة برنامج “تشات جي بي تي” في العام الفائت، بدأت مختلف شركات التكنولوجيا تتنافس في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وبات محللون ومستثمرون ومستهلكون شغوفين بهذه البرامج القادرة على إنتاج نصوص وصور ومقاطع فيديو بناءً على طلب بسيط بلغة سلسة.
وأضافت مايكروسوفت وغوغل تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى محركات البحث وبرامج المكاتب الخاصة بهما، بهدف استقطاب مستخدمين مهتمّين بأن تتولى روبوتات كتابة الرسائل الإلكترونية الخاصة بهم والتخطيط لإجازاتهم.
كذلك أضافت شركات عدة من “سناب شات” إلى مصارف وشركات سفر، روبوتات محادثة متطورة إلى خدماتها لمواكبة هذا التطوّر.
إلا أنّ شركة أبل، جارة غوغل وميتا (فيسبوك، إنستغرام) في سيليكون فالي، لم تتطرّق ولو لمرة واحدة إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي أو حتى للذكاء الاصطناعي بالمطلق خلال مؤتمرها السنوي للمطورين الذي أُقيم الاثنين الفائت.
وعقب المؤتمر عنونت مجلة “وايرد” المتخصصة “أبل تتجاهل ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدية”.
الذكاء الاصطناعي يؤدي دوراً رئيسياً في أول خوذة للواقع المختلط تبتكرها أبل ومن المفترض أن تطرحها خلال العام المقبل في الأسواق
وعدم تطرّق الشركة المصنّعة لهواتف آيفون إلى الذكاء الاصطناعي لا يعني أنّ هذه التقنية غريبة عنها، فهناك العديد من المنتجات والخدمات التي طورتها وتعتمد على التقنيات الذكاء الاصطناعي، من ذلك سيري مساعد أبل الشخصي الذي يستخدم تقنيات التعلم العميق ومعالجة اللغة الطبيعية لفهم والاستجابة لأوامر المستخدمين بالصوت.
وتستخدم أبل تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين خوارزميات التصوير والتعرف على الصور في تطبيق الكاميرا على أجهزة آيفون. ومن بين الميزات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تحسين تعرف الكاميرا على الوجوه والمشاهد والتعرف التلقائي على الكائنات وتحسين إضاءة الصور.
ويستخدم تطبيق الصحة على أجهزة آيفون وآيباد تقنيات الذكاء الاصطناعي لتتبع وتحليل البيانات الصحية مثل معدل ضربات القلب ومستوى النشاط البدني وجودة النوم.
ومن المتوقع أن تسعى أبل لتوفير تجارب متقدمة ومبتكرة باستخدام التقنيات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها المقبلة.
ويُعتبر مفهوم الذكاء الاصطناعي فضفاضاً، ويشمل تقنيات كثيرة ليست نادرة ولا معقدة بصورة خاصة، فيما تطاله انتقادات لأنّه يؤشر إلى مستقبل مُشابه للخيال العلمي تسيطر فيه آلات تتمتع بالمعرفة على البشر.
لذلك، تنشر بعض الشركات بينها تيك توك وفيسبوك (ميتا) ابتكارات تندرج ضمن الذكاء الاصطناعي من دون التركيز على المصطلح نفسه.
وقال رئيس أبل تيم كوك في مقابلة مع “أي.بي.سي نيوز” هذا الأسبوع “طبعاً ندمج هذه التقنية في منتجاتنا، إلا أنّ الناس لا يفكرون فيها بالضرورة على أنها ذكاء اصطناعي”.
وتضمّ ابتكارات كثيرة سُلّط الضوء عليها خلال المؤتمر الاثنين هذه التكنولوجيا.
ويشير مدير البرمجيات كريغ فيديريغي مثلاً إلى أنّ خوارزميات “التعلم الآلي” ستحسن أداة التصحيح الإملائي التلقائي.
وألمح فيديريغي بذلك إلى أنّ لوحة المفاتيح ستصبح بفضل الذكاء الاصطناعي أقل محدودية عندما يرغب أحد المستخدمين في كتابة بعض الكلمات البذيئة الشائعة، بالإضافة إلى معرفة ما يفضّله وتوفير اقتراحات له.
إلا أنّه لم يذكر الخوارزميات الشهيرة.
ويؤدي الذكاء الاصطناعي دوراً رئيسياً في أول خوذة للواقع المختلط تبتكرها أبل ومن المفترض أن تطرحها خلال العام المقبل في الأسواق.
وسيكون جهاز الكمبيوتر الذي سيجري توصيل خوذة “فيجن برو” عليه قادراً على إنشاء صورة رمزية رقمية قريبة جداً من الواقع للمستخدم الذي يرتديها، بفضل تسجيلات مقاطع فيديو لهذا الشخص وأجهزة استشعار لتتبع حركات فمه ويديه في الوقت الفعلي.
وقال كوك في كلمة قبيل الكشف عن هذا “المنتج الثوري الجديد” إنّ “مزج المحتويات الرقمية مع العالم الحقيقي سيتيح ابتكار تجارب جديدة لم نشهدها من قبل”.
وأوضح نائب رئيس الشركة المسؤول عن قسم التصميم ريتشارد هوارث أن الخوذة مزودة بأجهزة استشعار “من شأنها ابتكار صورة المستخدم الرقمية” من خلال برنامج للذكاء الاصطناعي مُدرَّب على مقاطع فيديو لـ”الآلاف من الأفراد”.

ويرى بعض المراقبين أنّ عدم التطرّق إلى الذكاء الاصطناعي مؤشر على أنّ شركة أبل قد خسرت مكانتها أمام منافسيها.
ويقول المحلل المستقل روب إندرله “إنّ أبل متأخرة جداً” عن منافسيها في هذا المجال.
ويعتبر أنّ النجاح الذي حققه “تشات جي بي تي” فاجأهم، مضيفاً “أعتقد أنهم كانوا يعتبرون أنّ هذا النوع من الذكاء الاصطناعي لن يتم التوصل إليه قريباً (…) وباتوا الآن مضطرين للاستعانة بشركة ناشئة في هذا المجال”.
كما أن الأداء العشوائي لـ”سيري”، المساعد الصوتي من شركة أبل الذي أُطلق قبل نحو عشر سنوات، يعطي انطباعاً بأن الشركة العملاقة لا تزال متأخرة عن منافسيها.
ويقول يوري وورمسر من شركة “إنسايدر إنتلجنس” إنه “من الواضح للجميع تقريباً أن أبل فقدت قدرتها التنافسية مع سيري”، مضيفاً “سيري هو ربّما أبرز مؤشر على تأخّر الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي”.
ويشير الخبير من جهة ثانية إلى أنّ أبل هي قبل أي شيء شركة للمعدات الحاسوبية. ويلفت إلى أنّ البرمجيات التي ترتكز على الذكاء الاصطناعي هي “وسيلة لتحسين تجربة المستخدمين لا غاية في حد ذاتها” بالنسبة إلى أبل.
ويرى دان إيفز من شركة “ويدبوش” أنّ عرض خوذة “فيجن برو” يظهر إمكانات الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي، رغم عدم التطرق بشكل واضح إلى الموضوع.
ويقول “إنها المرحلة الأولى ضمن إستراتيجية أوسع للشركة ترمي إلى بناء نظام يشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي” على خوذة جديدة.