أبشروا بعودة الشعر
كتبت في إحدى المرات على صفحتي الفيسبوكية جملة لم أنتبه في حينها إلى أنها تلخص ما يجري حولنا هذه الأيام، نحن الشعراء. الجملة تقول: "كم اشتاق إلى الشعر!". كتبتها في لحظة ضجر بعد أن استنزفت أحداث وتطورات العالم العربي جهدنا الفكري والوجداني على حد سواء، وألهتنا عن كل شيء. يومها ردّ عليّ الشاعر العراقي الكبير صلاح فائق بجملة قصيرة أيضا قائلا: " اهتمي بالشعر أولا ثم بما سواه".
وأعتقد اننا في مثل هذه الفترات الحاسمة من تاريخنا لا نحتاج إلى كثير من الشعر بقدر ما نحتاج لأن تظل عيوننا مفتوحة حتى لا نفوّت شيئا مما يجري حولنا. الشاعر والفنان عموما يتحول الآن إلى وعاء استشعار والتقاط. وحتى إن حاول التظاهر بأنه قادر على أن ينأى بنفسه عن مجمل الأحداث فانه لا يلبث أن يثبت بشكل أو بآخر تورطه الكامل في اليومي والراهن.
لا مجال للهيمان والتوهان في عوالم القصيدة الآن. الشعر سيأتي لاحقا. ولشد ما سيكون صادقا وجميلا! منذ أزيد من سنتين والعالم العربي يغلي كالبركان. بل إن العالم بأسره في حالة تحول. مبادئ وأفكار جديدة تظهر تحركات شعبية ونظريات سياسية ومواقف دولية غير مسبوقة إما في خذلانها أو في جرأتها.
صور الموتى والجرحى والمذبوحين والمبقورين والمخصيين التي نتابعها في كل لحظة على النت والتي لم أتخيّل شخصيا أنني قادرة على فتح عيني فيها. مشاهد حية لأطفال ونساء وعجائز يموتون في أبشع صورة.
صحيح اننا لسنا مطالبين الان بالكثير من الشعر، لكن من المهم جدا أن نحافظ على مشاعرنا وانطباعاتنا وآرائنا صادقة وأصلية للحقبة القادمة. الشعر، دونا عن باقي الأجناس الفنية الأخرى، هو من سيتحدث لسنوات عن ضمير الشعوب التي تنتفض وتموت الان، وهو من سيؤرخ ويوثق لهذه الفترة المهمة من تاريخنا. انتظروا عودة الشعر الى مجده!