آمال العبيدي: الانتقال الديمقراطي في ليبيا مُكلف جدا

الحقوقية آمال العبيدي تعد من المؤمنين بأهمية المصالحة للخروج بليبيا من أزمتها، إلا أنها ترى أن الانجراف وراء التجاذبات السياسية والأيديولوجية لن ينجح أي مشروع للمصالحة.
الخميس 2019/07/25
آمال العبيدي: المصالحة المحلية تعتبر من ضمن ركائز المصالحة الوطنية

ترى الحقوقية الليبية آمال العبيدي أن طريق الانتقال الديمقراطي في ليبيا معقد ومزروع بالألغام نتيجة استشراء حدة التنافس والصراع بين الأطراف المختلفة وغياب رؤية واضحة للنخب في ليبيا، وتعثر العملية الدستورية، وفشل تبني حوار وطني حقيقي حول القضايا المهمة. وتشير في حوار مع “العرب” إلى أن الحالة الليبية استثنائية في تعقيداتها لذلك يصعب تطبيق مشاريع جاهزة أو قادمة من الخارج لا تراعي الخصوصيات الليبية مثل دور القبيلة وضعف مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى وجود الجماعات المسلحة التي أصبحت رقما صعبا.

طرابلس- يشتد صوت السلاح في ليبيا وتسود الفوضى ضمن وضع يقول متابعون إنه لن يهدأ إلا بتحقيق المصالحة، فيما يرى آخرون أن تحقيق هذه المصالحة يكاد يكون مستحيلا في ظل الأوضاع الراهنة في البلاد المنقسمة.

وتعد الباحثة والحقوقية الليبية آمال العبيدي من المؤمنين بأهمية المصالحة للخروج بليبيا من أزمتها، إلا أنها ترى أن الانجراف وراء التجاذبات السياسية والأيديولوجية بالتأكيد لن ينجح أي مشروع للمصالحة.

وتحدثت العبيدي، في لقاء مع “العرب”، عن التحديات والعراقيل التي تعيق تحقيق التقدم في أي مشروع يطرح لجمع الليبيين في صف واحد، لافتة إلى أن المصالحة هي خيار وطني يُسهم في تعزيز الأمن والسلام، والبديل عنها هو الحرب والدمار وعدم الاستقرار.

مشروع ومؤتمر المصالحة

آمال العبيدي، أستاذة العلوم السياسية بقسم العلوم السياسية، بكلية الاقتصاد في جامعة بنغازي، وأستاذة زائرة بجامعة بايرويث بألمانيا، من مؤلفاتها باللغة الإنكليزية: “الثقافة السياسية في ليبيا”، و”النخب السياسية في ليبيا”، و”السياسات الأمنية في ليبيا”، و”المصالحات المحلية منذ عام 2011”. عضو مؤسس لمنتدى الخبراء الليبيين. تشغلها قضايا السياسات العامة، وقضايا النوع الاجتماعي والهجرة والأمن وتسوية الصراعات.

وكانت عضوا بلجنة إعداد مشروع ومؤتمر المصالحة الوطنية الشاملة، لكنها انسحبت. وتقول إنها قدمت اعتذارها عن الاستمرار في عضوية اللجنة التحضيرية للإعداد لمشروع ومؤتمر المصالحة الوطنية الشاملة رقم (1544) لسنة 2018، والصادر عن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، لعجز اللجنة عن الاجتماع منذ تأسيسها في شهر نوفمبر 2018.

كان أول اجتماع للجنة في بداية أبريل 2019، ونتج عن الاجتماع تقسيم أعضاء اللجنة إلى فرق عمل لوضع اللائحة الداخلية، وإعداد المشروع والميزانية، إلا أن اللجنة تعرضت لأول اختبار يتعلق بطبيعة عملها، وهو الحرب التي بدأت في 4 مارس 2019 في طرابلس.

وتقول العبيدي إنه لم يصدر عن اللجنة أي رد فعل تجاه ما يحدث في ليبيا، على الرغم من أن معظم أعضاء اللجنة لهم خبرة طويلة، في مجال المصالحات المحلية، وجلهم مشهود لهم في مبادرات الصلح وتسوية النزاعات. كما عجزت اللجنة عن أن يكون لها أي مبادرة تبيّن الانحياز للمصالحة كمشروع وطني يتميز بالاستقلالية وغير قابل للتسييس، بحجة أن اللجنة مازالت قيد التأسيس.

القبيلة والقبلية

طريق المصالحة مخفوف بكثير من التحديات
طريق المصالحة مخفوف بكثير من التحديات

تقول آمال العبيدي إن القبيلة كتنظيم اجتماعي لها دور كبير في حياة الأفراد، وتعتبر من أهم عناصر الثقافة السياسية في ليبيا المعاصرة. وكمؤسسة اجتماعية تمكنت في غياب الدولة وضعفها من أن تكون مصدرا رئيسيا للأمن والهوية، وكذلك أحيانا بديلا عن مؤسسة القضاء لما تقوم به من تسوية للنزاعات بين الأفراد.

وأشارت إلى ذلك منذ سنوات في كتابها عن الثقافة السياسية في ليبيا، معتبرة أن القبيلة بالفعل هي بديل عن المجتمع المدني، خاصة مع ضعف مؤسسات المجتمع المدني، وهيمنة الدولة عليها خلال فترة حكم معمر القذافي، حيث اعتبر النظام الليبي السابق تلك المؤسسات جزءا من منظومته الرسمية، وأيضا لقوة وهيمنة التنظيمات الاجتماعية كالأسرة والقبيلة على الثقافة السائدة في ليبيا.

ويمكن القول إن الأمر لم يتغير كثيرا بعد سقوط النظام، على الرغم من تعدّد مؤسسات المجتمع المدني وطبيعة أنشطتها، إلا أنها تعاني ضعفا واضحا، وتأثيرها يعتبر محدودا جدا، خاصة في مجال المصالحة بشكل عام.

وتلفت العبيدي إلى حدوث تغيرات في الطبيعة البنيوية ضمن المنظومة القبلية، من خلال إنشاء نظام قبلي جديد مواز للمنظومة القبلية التقليدية، تمثل في المجالس القبلية ومجالس الأعيان والحكماء، وهي إعادة تدوير لفكرة القيادات الشعبية الاجتماعية التي أسسها القذافي منذ التسعينات التي أصبحت جزءا من العملية السياسية حينها.

وحافظت القبيلة على دورها كمنظومة مؤثرة، فهي أداة للتجنيد للمناصب السياسية. وأصبحت المحاصصة القبلية تمثل جانبا مهما في التكليفات الرسمية في معظم مؤسسات الدولة، وازدادت قوتها مع عسكرتها حين تكونت بعض الأجسام الموازية للمؤسسة العسكرية على أساس قبلي. والقبيلة هي إرث تاريخي، لها دورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وستضعف شوكتها ببناء دولة قوية بمؤسساتها المختلفة، وستضعف الولاءات القبلية بتعزيز قيم المواطنة وسيادة القانون.

المصالحة المطلوبة

في ردها على سؤال حول شكل المصالحة الوطنية التي تحتاجها ليبيا، تقول آمال العبيدي إنه نظرا للطبيعة الاستثنائية للحالة الليبية، سواء من حيث التركيبة السكانية، وللتجربة التاريخية خاصة في مجال المصالحة، يمكن الاستفادة من التجربة والخبرة المحلية للمصالحة، وقد يكون ذلك حافزا ودافعا لنجاح المصالحة الوطنية في ليبيا.

ولعل إعادة التفكير في التاريخ الجمعي، من الجوانب المهمة خاصة من خلال البحث عن المشترك، وما يجعل الليبيين ليبيين، وتحديد ما يجمع بينهم تاريخيا، فالبحث عن الإيجابي في ذلك التاريخ من خلال التركيز على الرموز والذكريات التاريخية، والشخصيات التي كان لها دور تاريخي، كل ذلك يعزز الشعور بالفخر، وقد يساعد على إيجاد أرضية مشتركة ومصالح مشتركة من أجل تحقيق البعد المعنوي للمصالحة.

وتشير العبيدي إلى الخبرة التاريخية لليبيين في مجال المصالحة المجتمعية والوطنية، مستحضرة كمثال وثيقة “ميثاق الحرابي” التي صدرت في 18 أبريل عام 1946، حيث تم التوقيع عليها من قبل قبائل الحرابي وأعيان درنة في إقليم برقة. وكان هدف الوثيقة التعامل مع إرث الاحتلال الإيطالي لليبيا حيث سعت إلى توحيد المجهودات وتظافرها من أجل قضية البلاد، حتى يتقرر مصيرها وتؤسس فيها حكومة وطنية، تلك الوثيقة التي كانت الأولوية فيها المطالبة بحق الأمة.

وتضيف العبيدي أنه رغم وجود هذه التجربة التي يمكن الاستفادة منها، إلا أن الظروف الحالية وطبيعة الصراع الذي حل بليبيا اليوم قاد إلى حرب أهلية تعددت فيها الأطراف والمصالح، وتم استدعاء النزاعات التاريخية بين القبائل والمناطق والمدن، إضافة إلى تسييس تلك النزاعات والتي نتج عنها تعدد القضايا وتشابك ملفاتها في غياب مشروع متفق عليه لمصالحة وطنية شاملة ومستدامة. من بين تلك الملفات على سبيل المثال لا الحصر، ملف المفقودين والمختفين قسريا، والنازحين والمهجرين، والاحتجاز التعسفي المطول، وملف الأراضي والملكية العقارية وهي تركة القانون رقم 4 لسنة 1978.

وتقول العبيدي إن أبرز المراحل التي ينبغي أن تبدأ بها عملية المصالحة، هي القضاء على الخوف من المبادرة، ومرحلة بناء الثقة بين مختلف الأطراف، وخلق روح التعاطف مع الآخرين، مذكّرة بأن المصالحة الوطنية تتطلب مراجعة لكل التشريعات التي صدرت بعد عام 2011، والتي بلغ عددها أكثر من 20 قانونا.

وبالتأكيد لن تكون هناك مصالحة وطنية ما لم تعتمد على العدالة الانتقالية، وهي كل التدابير القضائية وغير القضائية من أجل معالجة كل انتهاكات حقوق الإنسان، وتتضمن مختلف التدابير المتعلقة بالملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر. والعدالة الانتقالية تمثل الاعتراف بحقوق الضحايا عبر تشجيع الثقة وتقوية سيادة القانون.

مصالحة مشروطة

حول الفرق بين المصالحة الوطنية والمصالحة المحلية، توضح العبيدي أن المصالحة المحلية تعتبر من ضمن ركائز المصالحة الوطنية. وتعتبر من أهم العناصر التي ترتكز عليها عمليات التسوية وفض النزاعات في المجتمعات المحلية، والتي يمكن أن تكون أيضا منهجا لتسوية النزاعات من أسفل إلى أعلى.

وغالبا ما تأخذ المصالحة المحلية أنماطا تقليدية من خلال الفاعلين الذين يكونون في الأصل قيادات تقليدية تتمثل في زعماء وشيوخ القبائل والأعيان والحكماء. وتعتمد المصالحة المحلية الآليات الاجتماعية التي تعكس جهود الأفراد في المجتمع المحلي، وتشمل المبادرات والأنشطة المختلفة التي تهدف إلى تسويات تتفق عليها أطراف الصراع. وغالبا، فإن الآليات المتبعة في عمليات التسوية تعتمد بشكل كبير على العُرف الذي تخضع له كل الأطراف التي ارتضته بديلا عن الفصل قضائيا في القضايا المتنازع عليها.

تلفت آمال العبيدي إلى حدوث تغيرات في الطبيعة البنيوية ضمن المنظومة القبلية، من خلال إنشاء نظام قبلي جديد مواز للمنظومة القبلية التقليدية، تمثل في المجالس القبلية ومجالس الأعيان والحكماء

ويستمد العُرف قوته من خلال التقدير والاحترام الاجتماعي المتوارث، إضافة إلى الجانب الأخلاقي. وعلى الرغم من أن هذا النمط من المصالحات كان سائدا قبل عام 2011، حيث أسهم بشكل كبير في تخفيف حدة النزاعات خلال فترات تاريخية مختلفة، إلا أنه برز بشكل واضح بعد سقوط نظام القذافي عام 2011، وما نتج عن ذلك من فراغ مؤسسي وأمني استطاعت القبيلة، وقياداتها التقليدية أن تكون البديل فيه عن تلك المؤسسات، وإن كانت معظم التسويات والاتفاقات بعد عام 2011، غير دائمة، وفي الغالب كثير منها لم ينجح في الوصول إلى تسويات نهائية. إضافة إلى غياب دور النساء والشباب عن مثل هذه المصالحات، حيث يغلب عليها الطابع التقليدي الذي لا يعترف بمشاركة هاتين الفئتين في عمليات التسوية أو الوساطة.

أما المصالحة الوطنية فهي عملية توافق وطني من أجل بناء مؤسسات مدنية وسياسية وأمنية فاعلة، تغيب فيها الأبعاد القبلية والمناطقية من أجل تحقيق العدالة وجبر الضرر  وتحقيق الاستقرار. وتتعدد مراحل المصالحة، فقد يعتبرها البعض أنها تبدأ على مائدة المفاوضات، وهناك من يرى بدايتها عندما تبدأ محاكمة مرتكبي الجرائم أو إدانتهم، أو عندما يتم التعويض أو عندما يوجه اعتذار للمتضررين. وعلى الرغم من وجود بداية لعملية المصالحة إلا أنه لا يمكن تحديد نقطة النهاية، فهي عملية مستمرة خاصة في الدول التي تعاني الحروب الأهلية، والصراعات التي لها جذور عميقة ودائمة. والمصالحة الوطنية أيضا ترتبط بشكل وثيق بالعدالة الانتقالية ومختلف آلياتها.

الجماعات المسلحة

تعتبر العبيدي أن انتشار السلاح والجماعات المسلحة والمؤسسات الموازية للمؤسسة الأمنية والعسكرية، من بين الأسباب التي تعطل تحقيق أي تقدم ملحوظ في مشروع المصالحة، مشيرة إلى وجود عوائق أخرى منها تضارب مصالح الفاعلين على الأرض وغياب رؤية مشتركة لبناء الدولة إضافة إلى حالة الانقسام السياسي الحاد وما نتج عنه من بناء أجسام جديدة خرجت كنتيجة للاتفاق السياسي الذي وقع في ديسمبر 2015، إضافة إلى تدخل الأطراف الدولية.

وتؤكد أن الجماعات المسلحة التي تم تأسيسها في ظروف استثنائية نتيجة للحرب على نظام القذافي تمثل مشكلة رئيسية، وتعاظم وجودها وأصبحت قوة منافِسة، وموازية للمؤسسة العسكرية، وانضوى بعضها شكليا تحت مظلة بعض مؤسسات الدولة كوزارة الدفاع ورئاسة الأركان، وحصلت بالتالي على دعم لوجستي منها. ومن هنا أصبح من الصعب التحكم في قوتها على الأرض، وأصبح الانخراط في هذه الكتائب وسيلة للارتزاق من قبل كثير من الذين التحقوا بها، حيث أن ما كان يتحصلون عليه من مرتبات ومزايا قد يفوق بكثير ما يتحصل عليه أفراد القوات المسلحة والشرطة. ولعل السبب الرئيس في تمكن هذه الجماعات هو تجاهل الحكومات المتعاقبة لخطورتها.

وتلفت العبيدي إلى تذبذب قرارات المؤتمر الوطني العام حول إلغاء بعض هذه الكتائب، وإخراجها من بعض المدن خاصة مدينة طرابلس. وقام كثير من هذه التشكيلات على أساس قبلي، أو جهوي، أو أيديولوجي وهذا يتنافى مع فكرة حياد “القوات المسلحة” مما يجعل هذه التشكيلات أذرعا مسلحة تستخدم للضغط على صناعة القرار، أو للتدخل في العملية السياسية، أو قد تقف عائقا أمام أي مشروع للمصالحة، سواء مصالحة سياسية أو حتى على مستوى المصالحة الوطنية الشاملة.

تداول سلمي

الظروف الحالية وطبيعة الصراع الذي حل بليبيا اليوم قاد إلى حرب أهلية تعددت فيها الأطراف والمصالح
الظروف الحالية وطبيعة الصراع الذي حل بليبيا اليوم قاد إلى حرب أهلية تعددت فيها الأطراف والمصالح

توضح العبيدي أن عملية الانتقال الديمقراطي في ليبيا عملية مُكلفة جدا، ونجاحها لا يكمن في التخلص من الأنظمة الدكتاتورية فقط، وإنما يعتمد على مجموعة عوامل منها، مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، وطبيعة الثقافة السياسية السائدة المتمثلة في التوجهات والقيم التي تدعم الديمقراطية، إضافة إلى درجة المساعدة الخارجية.

وفي ليبيا لم تتوفر الشروط الموضوعية لعملية الانتقال الديمقراطي، وأسهمت أسباب كثيرة في تعثرها من أهمها عدم وجود مجتمع مدني قوي ومستقل مدعوم بحرية التعبير وحرية الوصول إلى المعلومات. وعدم وجود اتفاق مجتمعي على أسس الانتقال الديمقراطي، والتداول السلمي على السلطة والقبول بآليات ذلك التداول كقبول نتائج الانتخابات، والتأكيد على مسألة التنافس والمشاركة الفعلية في صنع القرار.

وتضيف العبيدي إلى قائمة أسباب فشل عملية الانتقال في ليبيا عسكرة الثورة منذ الأيام الأولى، واستخدام العنف كوسيلة للتعبير عن المطالب، وإن برزت بعض الجوانب الإيجابية في المرحلة الأولى ومنها العملية الانتخابية الحرة التي شهد العالم بنزاهتها عامي 2012 و2014.

وتعتبر العبيدي أن ما يحدث في ليبيا اليوم هو أزمة سياسية تتصارع فيها الأطراف المختلفة على السلطة والثروة ولن يتم حلها إلا بتسوية سياسية أو بقيام أحد الأطراف باحتكار السلطة. وفي المنظور القريب يبدو أنه لن يتمكن أي طرف من احتكار السلطة والثروة نتيجة لتعقد الأزمة وتدخل كثير من الأطراف الدولية وتعدد مصالحها في ليبيا، ومع ذلك تفترض أن الأزمة المستمرة مهما كانت مبررات أطرافها لن تحل إلا بالجلوس على طاولة الحوار، والاتفاق على إنهاء أمد المرحلة الانتقالية، والدعوة لانتخابات برلمانية ورئاسية.

دعم المرأة

سجلت المرأة الليبية حضورا لافتا في المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها ليبيا منذ 17 فبراير 2018 إلى اليوم. وسعت جاهدة إلى استغلال التغييرات الحاصلة من أجل تكريس دورها وحماية حقوقها، إلا أن الطريق مازلت طويلة ومليئة بالتحديات. ومن أجل دعم هذه الخطوات قد تم في العام 2017، استحداث وحدة دعم المرأة في المفوضية العليا للانتخابات.

تتحدث آمال العبدي عن هذه الوحدة مشيرة إلى أنها إحدى الآليات المؤسسية للنهوض بالمرأة في مجال المشاركة السياسية، وكما حددها قرار التأسيس رقم 59 لسنة 2017، فإن الوحدة تعمل على تسهيل مشاركة المرأة في العملية الانتخابية من خلال توفير الإجراءات والوسائل التي تمكنها من ممارسة حقها، إضافة إلى تواصلها مع منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال دعم المرأة.

كما تقوم الوحدة باقتراح الأنشطة المتعلقة برفع وعي المرأة بأهمية ممارسة حقها في العملية الانتخابية. وبصفة عامة، تركزت أنشطة الوحدة على ورش العمل حول مشاركة المرأة، وسبل دعمها في التسجيل الانتخابي، واللقاءات مع مؤسسات المجتمع المدني. وتبقى هذه الوحدة مثلها مثل بقية الآليات المستحدثة في ليبيا، والتي رغم وجاهة أسباب تأسيسها، إلا أنها غالبا ما تعاني من عدم الفاعلية، نتيجة لعدم وضوح الأهداف، إضافة إلى افتقارها إلى الإمكانيات اللوجستية التي تسهم في أداء عملها إضافة إلى غياب أو عدم كفاية الدعم من قبل القيادة السياسية. وفي ذات السياق، فإن حراك المرأة في ليبيا خلال إعداد مسودة الدستور منذ عام 2014 طالب، بتأسيس مجلس أعلى للمرأة وتضمينه في مسودة الدستور، إلا أن كل تلك الجهود لم تنجح.

أبرز المراحل التي ينبغي أن تبدأ بها عملية المصالحة، هي القضاء على الخوف من المبادرة وبناء الثقة بين مختلف الأطراف. ومراجعة لكل التشريعات التي صدرت بعد عام 2011

وتلفت العبيدي إلى أن ما تعانيه المرأة الليبية لا يقتصر فقط على تدني نسبة تواجدها في مواقع صنع القرار والمواقع القيادية ومشاركتها في العملية السياسية بل باتت عرضة لسلب الكثير من الاستحقاقات التي تحصلت عليها عبر الزمن، إضافة إلى العنف الذي تعرضت له من خلال تكرر حوادث القتل والاغتيالات والخطف، والإهانة وذلك باستهداف الناشطات والحقوقيات والإعلاميات والبرلمانيات.

وتقول إن ما تعانيه المرأة اليوم من إقصاء وتهميش متعمدين بات واضحا وسيستفحل ما لم تع المرأة حقوقها وتتصدى للمراجعة السلبية للقوانين والتشريعات التي تسعى لسلب ما تبقى من حقوقها، مع تزايد تأثير الخطاب الديني المتشدد، إضافة إلى استشراء المحاصصة القبلية والمناطقية التي غالبا ما لا تكون المرأة جزءا منها.

وبحسب العبيدي تعتبر صناعة الدستور جزءا مهما من عملية المصالحة الوطنية، وعاملا قويا لتحقيق الاستقرار في البلاد. ولكن الدستور أعد في ظل انقسامات مجتمعية حول أهم القضايا التي تناولها. وهذا بدوره انعكس على عملية الصياغة. ولكن مع ظهور مشروع الدستور الذي سُلم لمجلس النواب، وإصدار قانون للاستفتاء عليه، يرى البعض أن النسخة النهائية معيبة، خاصة في بعض الجوانب التي أثارت الجدل، ومنها على سبيل المثال؛ عدم تحديد علم ونشيد للبلاد، وتعدد اللغات الوطنية، واعتماد اللامركزية الموسعة، إضافة إلى تركيبة مجلس الشيوخ، ومصدر التشريع وغيره من الأمور التي جعلت منه وثيقة غير توافقية وغير مقبولة من فئات مختلفة من المجتمع الليبي. وبصفة عامة رغم ما أثارته نسخة الدستور من جدل ولغط، إلا أن العبيدي ترى أن وجود نسخة سيئة من الدستور أفضل من غيابه.

6