آخر ما تحتاجه مصر وإثيوبيا الصراع في الصومال

آخر ما تحتاجه مصر وإثيوبيا هو نشوب حرب بينهما في الصومال أو غيره حيث تركز الأولى على حل خلافاتها بالطرق التفاوضية وقد تفتح إثيوبيا على نفسها طوفانا من المشاكل الداخلية.
الجمعة 2024/09/13
من يريد حربا تفتح ذكريات مؤلمة

مهما بلغت المناكفات بين مصر وإثيوبيا من مستوى مرتفع في المضايقات المتبادلة والخطابات الزاعقة بسبب الصومال أو غيره من القضايا الخلافية، يصعب عليهما اللجوء إلى خيار الحسم بالمواجهة، لأن تكلفتها المادية والعسكرية باهظة على كليهما.

يعلم بعض المراقبين ممن رأوا تصعيدا في السلوك السياسي أن السخونة التي ظهرت بوادرها مؤخرا هي محاولة لتسجيل كل طرف لعدد من النقاط في مرمى الطرف الثاني، لأن الصراع على الصومال أو حوله أو فيه لن يقتصر عليهما فقط، فهناك لاعبون إقليميون ودوليون مؤثرون ولهم مصالح وقواعد عسكرية عدة في المنطقة يمكن أن ينخرطوا في أي لحظة، وثمة نشاط محموم لحركة الشباب الصومالية الإرهابية، ويمكن أن تتلاقى رغبة القاهرة مع أديس أبابا على دعم مقديشو لكسر شوكة حركة باتت أحد أهم فروع تنظيم القاعدة الرئيسية في شرق أفريقيا.

لجأ كل طرف إلى دبلوماسية الرسائل المبطنة الأيام الماضية، وهو دليل على عدم رغبتهما في تصعيد الخلاف إلى الحد الذي يؤدي إلى قطيعة سياسية، فقد أعلنت مصر رفضها لتوقيع إثيوبيا اتفاقية مع إقليم أرض الصومال للحصول على منفذ بحري وقاعدة عسكرية يتعارض مع القواعد والمواثيق الدولية، ووقعت القاهرة اتفاقية للتعاون العسكري مع حكومة مقديشو المعترف بها، وتنطوي الاتفاقية على أغراض متعددة، ليس من بينها إرسال قوات لمحاربة إثيوبيا تحديدا، ولا يريد الصومال أيضا هذه الحرب التي تعيد إليه ذكريات مؤلمة، وفي وقت يحاول فيه تجميع شتات أقاليمه، واستعادة قدر وافر من الأمن والاستقرار، والتغلب على تحديات حركة الشباب.

◄ البلدان يحتاجان إلى وساطة تقوم بها دولة تحتفظ بعلاقات جيدة مع كل من مصر وإثيوبيا، ويهمها ألا يخرج الخلاف بسبب سد النهضة أو الصومال إلى خانة يصعب العودة منها

وجاءت موافقة مصر على إرسال قوات إلى الصومال في سياق مهمة جديدة لقوات حفظ السلام الأفريقية تبدأ العام المقبل، وكانت إثيوبيا جزءا أساسيا من مكوناتها قبل أن تعلن حكومة الصومال عن انتهاء مهمتها، وهو ما فسرته أديس أبابا بأنه موجه إليها، لأن السياقات الإقليمية التي جرت فيها عملية الإحلال والتجديد أوحت بأنها مستهدفة من القاهرة ومقديشو معا، وهو ما لم يتفوه به أحد فيهما.

في المقابل، بالغت أديس أبابا في تضخيم الأمر، والتعامل مع هذه المسألة بالشكل الذي يشير إلى وجود أزمة معهما، وتم ربطها بالأزمة المتجذرة مع مصر، ممثلة في سد النهضة الذي أوشكت إثيوبيا على الانتهاء منه من دون اعتداد بالمطالب المصرية.

أبلغت القاهرة مجلس الأمن الدولي بما جرى من تعامل في أزمة سد النهضة أخيرا، وردت إثيوبيا أيضا بما اعتبرته تهديدا لها من خلال بوابة الصومال، وفيما استندت مصر إلى وقائع محددة في إبلاغ المجلس، وهذه ليست المرة الأولى، بحكم مسؤوليته عن حفظ الأمن والسلم الإقليميين، استندت إثيوبيا إلى هواجسها حيال مقاربة القاهرة العسكرية في الصومال، والتي لم تعلن أنها تتبناها للنيل منها أو خوض حرب ضدها.

لم يكن تفسير أديس أبابا للاهتمام المصري الكبير بالصومال دقيقا وأنه سوف يضر بمصالحها أو مقدمة لحرب عليها في عقر دارها، لأن لدى القاهرة رغبة في تطوير علاقاتها مع القارة الأفريقية والتركيز على المناطق الحيوية فيها، وبعد الخسائر المادية التي تكبدتها قناة السويس بسبب تهديدات الحوثي في اليمن للملاحة البحرية، وإمكانية وقوع أضرار على الأمن القومي انطلاقا من هذه المنطقة، قامت القاهرة بالاستدارة الكبيرة نحو الصومال، والتي قد تكون إثيوبيا جزءا من حساباتها الخلفية، لكنها ليست وحدها التي أدت إلى التحول المصري في التعامل مع مستجدات القرن الأفريقي.

◄ أي وساطة، من قبل الإمارات أو غيرها، عليها مراعاة كل الخلافات بين البلدين، فالخلاف الناشب حول الصومال وأرض الصومال يتقاطع مع أزمة سد النهضة

هدفت الطريقة التي استقبلت بها إثيوبيا الحضور المصري العسكري في الصومال إلى تحريض دول المنطقة عليها، وكسب تعاطف مع أديس أبابا، باعتبار أن القاهرة تدق أبوابها من جبهة الصومال الرخوة، ما يجلب لها أيضا تأييدا داخليا، بحاجة إليه لتجاوز مشكلات بعض الأقاليم مع الحكومة المركزية، والتي تعلم أن أي حرب مباشرة أو غير مباشرة مع مصر على الأراضي الصومالية تعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، وحرب إقليم أوغادين في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي التي تدخلت فيها قوى إقليمية ودولية، وانتهت بانتصار أديس أبابا واحتفاظها بالسيطرة على الإقليم.

آخر ما تحتاجه مصر وإثيوبيا هو نشوب حرب بينهما في الصومال أو غيره، حيث تركز الأولى على حل خلافاتها بالطرق التفاوضية عموما، ولم تتدخل بخشونة في أي من الأزمات القريبة منها، مثل ليبيا والسودان وغزة، وقد تفتح إثيوبيا على نفسها طوفانا من المشاكل الداخلية.

كما أن هذه النوعية من المماحكات يمكن حلها بسهولة، لأن الصومال تُكأة وليس هو العقدة، فهناك وساطة تقوم بها تركيا بين مقديشو وأديس أبابا يمكن أن تتمخض عن نتيجة إيجابية، وطرحت جيبوتي رؤية من خلال منح إثيوبيا منفذا بحريا عبر أراضيها.

◄ ثمة نشاط محموم لحركة الشباب الصومالية الإرهابية، ويمكن أن تتلاقى رغبة القاهرة مع أديس أبابا على دعم مقديشو لكسر شوكة حركة باتت أحد أهم فروع تنظيم القاعدة الرئيسية في شرق أفريقيا

يحتاج البلدان إلى وساطة تقوم بها دولة تحتفظ بعلاقات جيدة مع كل من مصر وإثيوبيا، ويهمها ألا يخرج الخلاف بسبب سد النهضة أو الصومال إلى خانة يصعب العودة منها، ولا بد أن تكون هذه الدولة لها مصالح إستراتيجية عميقة في عدم تحويل الصومال إلى ساحة معركة أو حرب تدار بالوكالة من قبل قوى مختلفة، فالنتائج التي يمكن أن تتمخض عن ذلك خطيرة ومتشعبة وممتدة، تتجاوز آثارها السلبية مصر وإثيوبيا، وسوف تلحق ضررا بالأمن الإقليمي.

وفسرت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أيام، على أن أبوظبي يمكن أن تكون هي الجهة التي تضطلع بدور الوساطة، حيث تملك شبكة قوية من المصالح والاستثمارات في البلدين، وعلاقات متينة مع قيادتهما، وتمنح أهمية قصوى للموانئ البحرية في هذه المنطقة، ودعم الهدوء والاستقرار فيها، وتستطيع قيادة الإمارات بما تملكه من خبرة وحنكة ورشادة أن تصل إلى صيغة تعيد تدفق المياه الدافئة بين القاهرة وأديس أبابا، على أساس “لا ضرر ولا ضرار” أو القاعدة الشهيرة “لا غالب ولا مغلوب”.

أي وساطة، من قبل الإمارات أو غيرها، عليها مراعاة كل الخلافات بين البلدين، فالخلاف الناشب حول الصومال وأرض الصومال يتقاطع مع أزمة سد النهضة، بالتالي من المهم عقد صفقة شاملة، تراعي مصالح كل طرف، لأن مصر تميل إلى التفاوض في تسوية المشكلات الإقليمية وتلعب دورا وسيطا في بعضها ويصعب أن تتخلى عن هذا المنهج في أزماتها المباشرة، طالما أن الجهة المقابلة على استعداد للتفاهم الرضائي، لأن خيار استخدام القوة أو حتى التلويح بها في ظل وجود صراعات إقليمية معقدة ربما يحول الأمر إلى انفجار عام في المنطقة، وهو ما لا تريده مصر.

8