الشباب المسلم معني بأسئلة الهوية في أوروبا

تورينو (إيطاليا) – المسلمون في أوروبا مطالبون بالتحرّك والتنظّم في جمعيات لأجل الإسهام في تقديم الصورة الناصعة والجانب التنويري والانفتاحي للثقافة الإسلامية التي يستهدفها طرفان يكادان يمثلان وجهي عملة واحدة، وهما: عصابات التكفير والإرهاب من ناحية، وجماعات اليمين العنصري من ناحية أخرى.
المسؤولية ملقاة على عاتق النخب الثقافية والسياسية والدينية في العالم العربي من أجل ربط الصلة مع الجاليات المسلمة في أوروبا ومساعدتها على الاندماج مع المجتمعات الأوروبية التي تعيش فيها، بدل التقوقع والعزلة اللذين من شأنهما أن يعمّقا الإحساس بالغربة والانبتات، وهو الأمر الذي من الممكن أن يدفع نحو التطرف، واعتناق العقيدة التكفيرية التي تروجها شبكات الجماعات الإرهابية.
غالبية الجالية المسلمة في أوروبا الجنوبية، هي من أصول مغاربية، ولا يزال هؤلاء المسلمون يحتفظون بصلات وثيقة مع بلدانهم الأصلية، وبدل أن يشكل هذا الأمر عاملا إيجابيا في محو الفوارق الثقافية، ويسهّل على أصحابه مد جسور التواصل بين ثقافتي الضفتين، إلاّ أنه ساهم لدى الكثير من الأجيال الشابة بالمزيد من العزلة والشعور بالانفصام.
السلطات المغربية وعت هذا الموضوع وسعت إلى ردم الهوة بين الجالية المقيمة في أوروبا وبين محيطها الثقافي والاجتماعي، بل ودعتها إلى الإسهام أكثر في تشكيل الهوية متعددة الثقافات، ومفتوحة النوافذ نحو قيم التواصل الإنساني الذي ينبغي أن تعززه الاختلافات الدينية بدل أن تقطعه وتعيق حدوثه.
وفي إطار هذا الحرص الواعي بضرورة الاندماج والتفاعل الإيجابي مع المحيط الثقافي والاجتماعي الأوروبي، نظم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة بالتنسيق مع الكنيفدرالية الإسلامية الإيطالية بمدينة تورينو، دورة تكوينية لفائدة الشباب المسلم في إيطاليا، حول موضوع تحت عنوان: الشباب المسلم وأسئلة الهوية في أوروبا.
التوفيق بين مقتضيات الانتساب إلى الدين وقيم الآباء والأجداد من جهة، والانتساب إلى المجتمع الحديث الذي يطبعه التعدد والتنوع من جهة ثانية.
وقد شارك في اللقاء أكثر من 100 شاب وشابة من أبناء الجالية المغربية المقيمة في إيطاليا، بحضور مجموعة من الشخصيات التي تمثل الحقل الديني والثقافي، وممثلين عن السلطات المحلية والإقليمية بتورينو جهة بييمونتي الإيطالية.
وفي كلمة تمهيدية لموضوع اللقاء، اعتبر عبدالكريم الكبداني أنه وبالرغم من حالة القلق والتخوف التي تعيشها أوروبا في علاقتها بسؤال الهوية، فإن من واجب المسلمين في أوروبا وخاصة الشباب منهم أن يعملوا على الإسهام في تشكيل هوية أوروبية منفتحة ومستوعبة للتعدد الديني والثقافي والعرقي.
افتتح اللقاء بكلمات ترحيبية ألقاها باسم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة الأمين العام للمجلس، خالد حاجي، كما تناوب على المنبر كل من جيام بييرو، نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان بجهة البييمونتي، وماركو جيوستا المكلف بالتعدد الثقافي والاندماج ببلدية تورينو، ورافائيلا فونتانا، ممثلة عن السلطات الأمنية بمدينة تورينو، ودون نيغري، ممثل الكنيسة الكاثوليكية بتورينو، والقنصل العام للمملكة المغربية بتورينو، محمد خليل، ومصطفى الحجراوي رئيس الكنفيدرالية الإسلامية بإيطاليا، وزهير اليوبي، مستشار العلاقات الإسلامية الإيطالية والفيدرالية الإسلامية بمنطقة لومباردي، والذين أكدوا على أهمية عقد مثل هذه اللقاءات لما للشباب من دور فاعل في بناء المجتمع الإيطالي من خلال قيم التعايش والاحترام المتبادل.
وفي ورشة من تأطير خالد حاجي لفائدة الشباب والتي تمحورت حول أسئلة الهوية في السياق الأوروبي الحالي، تم التعرف عن قرب على طبيعة الأسئلة التي يطرحها الشباب المسلم في إيطاليا وكذلك عن طبيعة التحديات التي تواجههم والآمال والتطلعات التي تستحثهم لبذل المزيد من الجهد طمعا في بلوغ مستقبل أفضل يؤمن لهم أسباب العيش الكريم في محيطهم المجتمعي، ويكفل لهم إمكانية التوفيق بين مقتضيات الانتساب إلى دينهم وقيم آبائهم وأجدادهم من جهة، والانتساب إلى المجتمع الحديث الذي يطبعه التعدد والتنوع من جهة ثانية.
وخلص المشاركون إلى نتيجة مفادها ضرورة العمل على التشبع بالروافد المتعددة التي تنهل منها هوية الشباب المسلم في السياق الأوروبي، حتى يتمكن هذا الشباب من المساهمة في خدمة التعايش والتواصل، وحتى يتمكن من المساهمة في رسم وجه غد أفضل، لا على المستوى الأوروبي فحسب، ولكن على المستوى الكوني أيضا.
كما خلص الشباب إلى أن الدين الإسلامي لا يتنافى وقيم التعاون والتعارف وخدمة الآخرين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والدينية والوطنية.
وقد استحسن الشباب المشارك ما عرفته الدورة من نقاشات مفيدة وإيجابية وعبروا بالمناسبة عن ضرورة مواصلة الحوار والتواصل بغية تثبيت المفاهيم التي تم الحديث عنها أثناء اللقاء وتفعيلها. وطالب المشاركون بعقد لقاءات مشابهة في المستقبل القريب، كما توجهوا بالشكر للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة على مبادرته الطيبة.
يذكر أنه وفي إطار أنشطته العلمية المخصصة لمناقشة القضايا الكبرى التي تهم الحضور الإسلامي في أوروبا، نظم المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة أيضا ندوة علمية تحت عنوان “تحديات التدين في الفضاء العمومي الأوروبي”، يوم 24 نوفمبر 2016، أشرفت عليها مجموعة من الفقهاء والأساتذة الباحثين من المغرب وأوروبا.