تونس تحاول اللحاق بنجاحات الصيرفة الإسلامية

لا يجد معظم التونسيين فرقا كبيرا بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية، رغم الاختلافات الكبيرة بينها، لكن الكثيرين مازالوا يشككون في جودة خدماتها، ويشيرون إلى الارتفاع الكبير في أسعار معاملاتها.
ورغم ذلك حصل تحول كبير في السياسة المالية للدولة نحو تشجيع المستثمرين المحليين والأجانب على الدخول في هذه التجربة، التي انطلقت قبل سنوات من أجل زيادة فاعلية القطاع المالي باعتباره الواجهة والمحرك الرئيسي للاقتصاد.
وأكد فيصل الحفيان، وزير الدولة المكلف بالتجارة في تونس، خلال الاجتماع الوزاري للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي، التي أنهت أعمالها، الخميس، في مدينة إسطنبول التركية أن خطط تونس المستقبلية ترتكز على توسيع الصيرفة الإسلامية.
وقال إن “الحكومة تعمل حاليا على إثراء هذا الصنف من البنوك بمنتجات جديدة، إلى جانب ملاءمة القوانين للخصوصيات الفنية في قطاع الصيرفة الإسلامية وتدعيمهما بالقدرات البشرية”.
وتتباين آراء التونسيين، بمن فيهم الموظفون والتجار وأصحاب الشركات الذين تحدثت معهم “العرب” حول تجاربهم مع البنوك والتي تضررت بالأزمة الاقتصادية خلال السنوات الست الماضية.
ويرى أنيس القاسمي، وهو صاحب شركة تسويق، أنه لا يوجد لاختلافات كبيرة بين البنوك التقليدية والإسلامية، لكن القائمين عليها، هم الذين يكرسون الحديث عن أفضلية إحداها على الأخرى، وهو ما يعطي انطباعا خاطئا للناس.
|
وقال “أنا مضطر إلى التعامل مع أحد البنوك باعتباري أملك شركة، ولا بد أن تكون معاملاتي معه وفقا للقانون… لكني اصطدم أحيانا باقتطاعات مفاجئة من الحساب البنكي سواء من الشركة أو من حسابي الشخصي، وهي اقتطاعات مجحفة لأنها كبيرة وكثيرة وتثقل كاهلنا”.
ويسانده في الرأي، الموظف عبدالكريم شعبان، لكنه أشار إلى أن البنوك الإسلامية قد تكون أفضل أحيانا نظرا إلى الخدمات السهلة والمختلفة التي تقدمها للزبائن.
وفي ظل الأزمة الراهنة، فإنه من الواضح أن التمويل الإسلامي بات ملجأ هاما للكثير من المستثمرين بما يمثله من تقليل عامل المخاطرة.
وكشف الشاذلي العياري، محافظ البنك المركزي، مؤخرا، أن البنك يدرس طلبا تقدم به أحد رجال الأعمال التونسيين ومجموعة من المستثمرين الأجانب لإنشاء مصرف إسلامي جديد.
وقال إن “تونس لم تستفد حتى الآن من الصيرفة الإسلامية بشكل جيد”، مشيرا إلى أن نسبة الأصول الإسلامية لا تتعدى 7 بالمئة من إجمالي الأصول المالية في البلاد.
ولا تعد هـذه المبـادرة فـريدة مـن نـوعها، فقد سبقتها في ثمانينات القرن المـاضي تجربة بنك التمويل التونسي السعودي “بي.إي.أس.تي”، الذي يتبع مجموعة البركة العالمية، الذي يملكه الملياردير السعودي صالح كامل.
وفتحت السلطات المجال في 2008 لبنك نور الإسلامي الإماراتي وبنك الزيتونة، الذي كان على ملك صخر الماطري، صهر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، قبل أن تصادره الدولة بعد 2011، وهو يعد أول بنك إسلامي بتمويل تونسي بالكامل.
وتختلف المواقف داخل الأوساط الاقتصادية بشأن هذه الخطوة، التي تطمح من ورائها تونس إلى إثراء تجربتها في القطاع، حيث يعتقد البعض أنها تأتي في توقيت غير ملائم نظرا إلى الوضع الاقتصادي السيء، بينما أكد آخرون أنها ستعزز القطاع المالي وستزيد المنافسة مع البنوك التقليدية.
ويقول العديد من خبراء الاقتصاد اللذين تحدثت معهم “العرب” إنه من المرجح أن توافق السلطات التونسية على هذا الطلب مدفوعة بمؤشرات صندوق النقد العربي التي أكدت أن المصارف الإسلامية عززت حصصها من مستويات السيولة النقدية في العديد من دول العالم.
|
وأوضح مصرفي يعمل في بنك المؤسسة العربية المصرفية “إيه.بي.سي بنك”، أن دخول بنك جـديد إلى السوق التونسية سيزيد من المنافسة، وهذا سيعزز من “نشاطنا كبنوك تعمـل على تطـوير خدمـاتها لجلب زبائن جدد”.
وتمثل صيغة استبعاد الفائدة وتبني تعامل على أساس المشاركة في الربح والخسارة قضية شائكة بين المركزي التونسي والمصارف الإسلامية خاصة في طريقة مراقبتها والتزامها بمقرراته وقوانينه، إلى جانب كيفية التعامل معها بما أنها ترفض التعامل الربوي.
وبما أن تعامل المركزي مع البنوك التقليدية يخضع لعامل الفائدة، بينما الإسلامية لا تخضع لها، فإن تجاوز المشكلة يتم عبر تحديد نسبة رأس المال والودائع، والقطاعات الأولية للاستثمار والاحتياطي النقدي لدى المركزي، وكذلك التدخل لتحديد نسبة الربح في عملية المرابحة والبيع والإجارة.
ويبقى العامل السياسي والإرادة المرتبطة به، بحسب خبراء، المحددين الأولين والرئيسيين لنجاح التجربة أو ضمورها، لا سيما وأن البنوك الإسلامية المنتشرة في العالم تشهد نموا كبيرا وتسير عكس الوضع الاقتصادي الراهن.
ومن المتوقع أن يتواجد قطاع الصيرفة الإسلامية ضمن فعاليات المؤتمر الدولي للاستثمار المزمع أن تستضيفه تونس الثلاثاء والأربعاء القادمين، لجلب استثمارات جديدة في هذا المجال.
ويضم القطاع المصرفي التونسي 21 بنكا محليا، و8 فروع لبنوك أجنبية، وبنكي استثمار، لكن نشاطها انخفض في السنوات الست الأخيرة بعد أحداث يناير 2011، وما تلاها من صعوبات اقتصادية.