المغرب شارحا
خلال أكثر من سبعة قرون، ظل الإنتاجُ الأدبي والفكري المغربي رهينَ هيمنة المصنفات الواصفة، حيث شغَلتْ حوالي نصف مجمل الإنتاج العام، وهي تتوزع على الشروح والحواشي والاختصارات والختمات والتعاليق والتتمات.
ترتبط الأولى بوجود نصوص مركزية على مستوى المتن الموصوف، شَكَّل تناولها، سواء في إطار الشروح أو الحواشي أو الاختصارات أو التعاليق، تقليدا يبدو أحيانا ثابتا داخل مسارات التأليف في المغرب. ونجد في هذا الإطار، على سبيل المثال، أن أكثر من نصف الإنتاج في مجال الأمداح النبوية هو حواش أو شروحٌ هَمَّتْ ثلاثةَ متون معروفة، وهي “الهمزية في مدح خير البرية” و”البردة” لمحمد بن سعيد البوصيري، و”دلائل الخيرات” لمحمد بن سليمان الجزولي. كما تندرج في نفس السياق، على سبيل المثال نصوص أخرى، من بينها صحيحُ البخاري وصحيحُ مسلم في علم الحديث، وشمائل الترمذي والشفا للقاضي عياض في مجال السيرة، وعقيدتا السنوسي في مجال علم التوحيد، والأَجُرُّوميَّة وألفيةُ ابن مالك في علم اللغة، و”السلمُ المرونق” للأخضري في المنطق.
وتكمنُ العلامة الثانية في هيمنة النصوص المشرقية على مستوى المتن الموصوف. ويترجم ذلك جانبا من جغرافيا النصوص الموصوفة، التي ظلت أعمال المشرق تشكل نواتَها المركزية خلال لحظات طويلة.
بينما ترتبط العلامة الثالثة بخصوصية الهامش الذي فتحه الإنتاج داخل حقول معيّنة ومعدودة على مستوى تجاوز ما كان يُفترض أنه ثابت على مستوى هذه البنية. ويشكل التأليفُ في مجال التاريخ نموذجا دالا، حيث تحضر النصوص المؤلَّفة بشكل أكبر على حساب المصنفات الواصفة. وتترجم سيادة التأليف وطبيعة جغرافيا النصوص الموصوفة على مستوى مجال كالتاريخ، طبيعةَ الترابط المفترَضِ بين المكونين وبين موضوع التأليف. وهو ترابط تفسرُه المجالات الأساسية التي شكلت نواةَ اشتغال مؤلفي المصنفات التاريخية.
كما يندرجُ في نفس السياق التأليف في مجال السيرة. وفي هذا الإطار تجاوز الاهتمام بكتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي أبي الفضل عياض السبتي حدودَ المغرب، حيث تحفل المكتبةُ العربية بعدد كبير من المصنفات التي تناولته والتي تعود إلى عدد من الأعلام الشهيرة، ومن بينها “مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا” للجلال السيوطي. وشكل حضور كتاب الشفا امتدادا للاهتمام الذي حظي به والذي تجلتْ البعضُ من علاماته في تدريسه بالقرويين بشكل مبكِّر، وتخصيص كراس علمية لقراءته، سواء داخل المغرب أو خارجه، إلى درجة أنه قيل فيه “لولا الشفا لما عُرف المصطفى”.
وبذلك حمل الاهتمام المشرقي بكتاب كالشفا أكثر من دلالة على مستوى جغرافيا التأليف، حيث مَثل هذا الاهتمام تجاوزا لبنية ظلَّ المغاربةُ يشرحون في إطارها، ما يكتبه المشرق.
كاتب من المغرب