مهرجان "باشيخ" المغربي.. فرصة الأمازيغ للاعتزاز بحضارتهم

الرباط- “باشيخ” من أكثر المهرجانات الأمازيغية المعروفة في المغرب بالمتعة والفرجة، فهو يجمع بين الطرافة والمفارقة وبين الموسيقى التراثية والرقص الفولكلوري الزنجي ضمن احتفاليات تنكرية تقام في ساحات المدن وتدعى “أسايس”.
وتذكرنا احتفالية “باشيخ” بمهرجان هالووين -عيد القدّيسين- لدى المسيحيين في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبريطانيا، إذ يتم التنكُّر بارتداء زيّ الهالووين وتوضع الأصباغ على الوجوه لتغيير الملامح، ويتم استخدام حبات القرع بعد نحتها كأقنعة تنكُّرية، وتوضع الشموع على الرؤوس وتردد الأساطير.
مهرجان تنكري يقام خلال شهر أكتوبر من كل سنة بمدينة إنزكان المغربية ويشارك فيه الآلاف من الراقصين والعشرات من المتنكرين، تؤثثه وجوه من التراث الأمازيغي والشعبي
ويتميز التراث الأمازيغي بقدرته على التعايش مع كل ما وصل إلى المغرب من أقوام وحضارات وأديان كاليهودية والمسيحية وتلا ذلك الإسلام، حيث أنه تفاعل إيجابيا مع ما حملته هذه الأديان من تعاليم وعادات وأعياد، فاقترن مهرجان “باشيخ” بعيد الأضحى وصار مصاحبا له. يبدأ الاحتفال بـ“باشيخ” بعد نحر الأضاحي إثر صلاة العيد، ويمتد حتى العاشر من أكتوبر القادم باحتفاليات تنكّرية تطوف المدن والشوارع ويحتفل به في أكثر من مكان جنوب وشرق المغرب بمدن كأغادير، تارودانت، إنزكان، آيت ملول، تزينيت، بيوكري، سلا وغيرها.
وله احتفالية خاصة تدعى “كرنفال”، مهرجان تنكّري، تقام كل سنة في شهر أكتوبر بمدينة إنزكان، ويشارك فيها الآلاف من الراقصين والعشرات من المتنكرين بوجوه تجمع بين التراث الأمازيغي والشعبي، ويحضرها الآلاف من المتابعين من المدينة ومدن أخرى ويحضرها كذلك الأجانب. وللمهرجان أكثر من اسم، فهو يدعى أيضا، “الكرنفال”، “سونا”، “بوبلبطاين”، “بوجلود”، وغيرها من التسميات. واحتفاليّة “باشيخ” تصاحبها أهازيج وأمثال فولكلورية وغناء ورقص، وقد مثلت للأمازيغ وسيلة لمعرفة ردّ الآخر بعد تغيير الشكل والأصوات، لينطق بلسان الأجداد حكم الأمازيغ، ويتم خلالها الترويح عن النفوس الحزينة وإمدادها بالأمل والفرح والضحك والتذكير بمآثر الأجداد.
ويقول الباحث مولاي محمد تمعيشة لـ“العرب” عن هذه الاحتفاليّة “التراث الأمازيغي ورموزه وعادات أهله لا يمكن للأجيال الجديدة أن تنساها خاصة وأن العالم صار يعنى برموز الجماعات البشرية كونها تمثل ذاتا مجتمعية كلية، فتسهم في إعطاء الجماعة المنتمية لها قيمة اجتماعية وسياسية”. وأضاف تمعيشة أن “ما يدور في العالم عبر العولمة وتهديداتها للهوية دفع بالقوميات والإثنيات إلى الاعتزاز أكثر بإحياء فولكلورها وعاداتها ورموز أجدادها للتعبير عن تمسكها بهويتها، فجاء الاهتمام بإحياء ‘باشيخ’ كاحتفالية أمازيغية تراثية تنكّرية للتصالح مع الذات والترويح عن الشباب”.
|
ويستفيد المغرب من هذه المهرجانات في تنشيط قطاع السياحة، خصوصا وأن عدد الذين حضروا المهرجان بمدينة إنزكان وحدها بلغ أكثر من مئة ألف متفرج بينهم الآلاف من الأجانب الذين سرّوا بما رأوه. ويقول مولاي أمبارك، عازف آلة كنبري وعضو جمعية “تودوش للتنمية” المهتمة بالتراث الأمازيغي، “الاستعداد لهذه المناسبة ينطلق قبل عيد الأضحى بأيام، فيتم تحضير الملابس التنكُّرية التي سيرتديها المشاركون، حيث يحرص هؤلاء على عامل السريَّة في إعدادها لكي لا تضيع دهشة الحاضرين عند ظهورهم. وتُدَرَّب الفرقة المشاركة بتلقينها ما ستردَّده من أمثال تراثيّة، فيتم تدريبها على الآلات التي ستستخدم كالكانكاه (الطبل الكبير) والبانغو الوتري، والهجهوج، والقرقب النحاسي (الصنج) أو تعلم الرقص بحركات تعود في أصولها إلى رقصة أحيدوس الأمازيغية كما تؤديها قبائل الأطلس الكبير والجنوب المغربي”.
وأضاف أمبارك “أنا أعزف على الكنبري في هذه الاحتفالية وأردد مروية تقول ‘باسم الله الفتاح ربي/ هو الفتاح مولانا خير دايم/ خلق الشمس والقمر وأعطانا كل انعايم/ باسم الكريم هي مفتاح الربح جات فكتابو”. وتردد المجموعة الكلمات على أنغام الكنبري. وتأخذ ثريا جلالي (22 سنة)، وهي طالبة في مجال الصحافة ومن المهتمات بمتابعة المهرجانات الفولكلورية، الكلمة لتفسّر لـ“العرب”، “كيف توجد في العالم الكثير من المهرجانات كمهرجان الطماطم بمدينة فالنسيا الأسبانية وكرنفالات الفايكينغ بالسويد والدنمارك ونثر الأصباغ بالهند وغيرها. ولكن احتفالية ‘باشيخ’ أصبحت أكثر تنظيما وأكثر متعة بعدما عمدت السلطات في مدينتي أغادير وإنزكان وغيرهما خلال السنوات الأخيرة إلى فرض الرخص المسبقة لإقامة هذا المهرجان”.
ويقول يوسف مصباحي طالب ثانوية لـ“العرب”، إنه شعر بالسرور عند حضوره مهرجان ‘باشيخ’ بسلا قرب الرباط في ثالث أيام عيد الأضحى، وقد أنشأ برفقة أصدقائه قبل العيد صفحة على موقع فيسبوك سموها ‘الفولكلور المغربي’، نشروا فيها لقطات من احتفالية ‘باشيخ’ بسلا”. ويضيف مصباحي “هذه المناسبة تتيح له فرصة التعرف على أصدقاء جدد”. وقد أدخلت هذه الأشكال التنكرية التي ظهرت في الاحتفالية على نفسه البهجة والسرور، وأنه “يتمنى أن تكون للمغرب احتفالية كبيرة جامعة لكل الفرق التي تساهم في هكذا احتفالية بمدينة الرباط أو بالدار البيضاء للترويح عن الشباب المغربي”.