أميل حداد: حوار الأديان أصعب وأسوأ حالا من حوار الطرشان

"الدين جاء لإسعاد الإنسان وليس لتعاسته، إلا أن هناك من جعل الدين عبئا ثقيلا، وعندما يتحول الدين إلى عبء على الإنسان تنتهي مهمته الإيمانية، ويصبح أداة للصراع والتنازع والاقتتال". هذا ما يؤكده القس أميل حداد في حواره مع صحيفة "العرب".
يعدّ القس الأميركي من أصل أردني أميل حداد ناشطا دوليا بارزا في مجال الدّعوة إلى التعايش السلمي في ظل التعددية الدينية، لهذا الغرض أشرف على الكثير من المبادرات، من بينها تأسيس حركة سفراء للسلام، وعقد المؤتمر الدّولي الأوّل لحوار الحرية الدينية في إندونيسيا، وصياغة وثيقة سفراء للسّلام لحقوق الحرية الدينية والترويج لها بين مختلف الأوساط الدينية والإعلامية والثقافية، ويحدوه أمل في أن تصبح يوماً ضمن الوثائق الرّسمية للأمم المتّحدة. في سن الخامسة والسبعين يجول العالم عابرا القارّات شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، بلا كلل، يحاضر، يحاور، ويلتقي بالمسؤولين وبالناس، ثم يكتشف بنفسه كيف تتحوّل كافة مجتمعات الأرض إلى طور التعدّدية الدينية، ومن ثمة تغدو التعدّدية الدينية قدرا مشتركا للبشرية جمعاء.
التعددية الدينية
يرى القس الأميركي- الأردني أميل حداد أن التعدّدية الدينية قدر البشرية اليوم وقد أصبحت وجودا وحقيقة مفروضة على أغلب مجتمعات العالم، إن لم تكن في كل المجتمعات، مصحوبة دوما بخلافات ومشاحنات وصراعات دموية مستمرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر يوجد ملايين من أتباع الديانات في العالم، وكل ديانة تحتوي على عدة طوائف وليست كلها على وئام بل بينها خلافات جوهرية وعقائدية غير قابلة للتبديل أو التغيير، وقد أدى ذلك إلى نشوب صراعات وحروب عبر التاريخ.
السلام بين الأديان
كثيرا ما ردّد القس الأميركي- الأردني أميل حداد أنّ السلام ممكن بين أتباع الأديان وليس بين الأديان، ويوضّح في هذا السياق أن كلمة سلام تعني: حالة «هادئه وحرة، خالية من أي اضطراب، سليمة من الحرب أو العنف»، أي أنها تعني الانسجام. هنا أتوقف لحظة وأتساءل، كيف يمكن لهذه الأديان التي ذكرتها آنفا أن تتوافق وتنسجم طالما أنها تتصارع إلى حد إلغاء الآخر وربما هناك طموحات لسيطرة دين واحد على بقية الأديان؟ الأديان جميعها سواء أكانت إبراهيمية أم إنسانية يوجد فيها تقارب وتباعد.
واجب ديني
السلام في نظر القس أميل حداد واجب إنساني وأخلاقي، وهو يقول في هذا السياق: «سلامتي هي جزء من من سلامة الآخر، لذا فالأمر يحتاج في الاختلاف الديني إلى التفاعل والتكامل وليس إلى التنابذ والاقتتال.. وهذا ما يجعل الحياة تكون أفضل وأجمل وأهدأ بحيث يكون التعامل بين الناس قائما على احترام الآخر والاعتراف بحقوقه، وهذا ما يحقق السلام في المجتمع الذي يعتبر أهم عامل تنموي في مختلف مجالات الحياة.
توجّهت بالسؤال إلى القس إيميل حداد حول وجود متطرفين يعارضون جهود التعايش السلمي، وهم يوجدون في كل الأديان، وما إذا كان يعتبر المتطرفين عائقا أزليا أمام السلام الديني؟ فأجاب بأنه يفضّل الحديث عن التطرف بدل المتطرفين، «فالمسألة لا تتعلق بالأفراد، فهم مجرد أدوات، لذلك أود التركيز على المبدإ الذي هو التطرف لأتساءل؛ ما هو التطرف؟ وأعتقد أن التطرف هو ما جاوز حد الاعتدال، وهو المغالاة في أي شيء سواء كانت مغالاة سياسية أو دينية أو مذهبية أو فكرية. وغالبا ما ينتهي إلى نتائج كارثية وعواقب وخيمة.
ومن ذلك أن التطرف في الدين يتحول إلى عنف قد يسري كالنار في الهشيم داخل نفس الدين، لا فرق في ذلك بين الديانات، فقد تثير خلافات مذهبية أو طائفية بين أفراد أو جماعات من نفس الديانة نار الفتنة وتشعلها اقتتالا بين طوائف من نفس الدين ولنا خير مثال ما يجري من صراع بين السنة والشيعة في البلاد الإسلامية، وما نراه كل يوم من اقتتال في العراق وسوريا وأفغانستان، وما يتم ارتكابه من هجمات وحشية ضد أتباع ديانات أخرى في دول من أفريقيا وآسيا.
الحرية الدينية
تعاني مجتمعات إسلامية كثيرة من التطرّف الديني الذي أمسى يهدد أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، وفي هذا الإطار يعتقد القس إيميل حدّاد أنّ غياب الوعي بالحرية الدينية يُعدّ سببا من أسباب العنف الديني والاقتتال المذهبي والفتنة الطائفية، وهذا هو بيت القصيد! لذلك، أرى أن السـلام والحرية كل لا يتجزأ ولا يقبل التفكيك. فالسلام لا يمكن أن يتحقق في مجتمع يعاني من قمع الحريات، وبخاصة في الأمور الغيبية أو التعبدية، وهكذا فالأصل في السلام هو الحرية وليس العكس.
أعتقد أن عوامل القمع التي تمارس على الأفراد والجماعات في الأمور الدينية والتعبدية حينما تترسخ تتحول إلى كبت، وأعني هنا الكبت كحالة نفسية يحدث في المسائل الدينية أو التعبدية وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من تأثير في سلوكات الأفراد واختياراتهم، فالأمور المكبوتة سرعان ما تنفلت على سطح الشعور لتعاود التعبير عن ذاتها بشكل غير متحكم فيه من قبل الفرد.
حوار الحرية الدينية • التعددية الدينية تصبح خطيرة حينما يتعلق الأمر بالصراع الطائفي ضمن الديانة الواحدة. • حوار الأديان ما إن ينطلق حتى يتيه في التمييع والتعميم والتعويم، بحيث يجمع بين المميزات الدينية المتعددة والمكونات المذهبية المختلفة مما يساعد على الضبابية وسيادة الغموض، وينتهي الحوار إلى اللاجدوى.
في السنوات القليلة الماضية، أشرف القس إيميل حدّاد على صياغة وثيقة حوار الحرية الدينية، التي ضمّت آراء ممثلين عن مختلف الأديان، وحاول التّرويج لهذه الوثيقة بديلا عن حوار الطرشان المسمى خطأ بحوار الأديان، عن هذه الوثيقة وإلى أين وصلت يقول:»أعتقد في حالتنا اليوم، أن حوار الأديان أصعب وأسوأ حالا من حوار الطرشان، فتكنلوجيا التواصل الحديثة ساعدت الطرشان على التفاهم بشكل أفضل، لذا فهم يصلون إلى التفاهم المطلوب.
الرسالة السلمية بين الأديان
يأمل القس الأميركي – الأردني إيميل حدّاد في أن يكون للمؤسسات الدينية الكبرى، وعلى رأسها الفاتكان والأزهر، دور في إشاعة الرسالة السلمية بين الأديان، ويضيف في هذا السياق، «نحن لا نراهن على الحكومات والأنظمة والدساتير من أجل الحرية الدينية. لأن هذا مطلب فردي وشعبي. فإذا تنازل الشعب عن حريته للحصول على سلام مؤقت فقد حكم على ذاته بخسران الأثنين معا؛ السلام والحرية. لكننا نعول على المثقفين والمفكرين من مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والعقائدية فأقلامهم وكتاباتهم وما يطرحونه من أفكار للنقاش والتداول في الموضوع هو أهم زاد لنا في العمل وإشاعة أفكارنا من أجل السلام.
ونعول على الإعلام، فهو مؤسسة واسعة المجال عميقة التأثير سريعة النفاذ في النفوس، وهو أيضا أداة للتنشئة الاجتماعية تغطي حاجات سائر الأجيال. لذلك نلح على تجاوب الإعلام مع برامجنا في بعدها التربوي والتكويني من أجل إشاعة روح التربية على الحرية والسلام والتسامح بين سائر الأديان.
العنف لا يقاوم بالعنف، لأنه لكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومعاكس له في الاتجاه، وبكل تأكيد فإن العنف الناتج عن دوافع دينية لا يواجه بردود فعل عنيفة، بل يواجه ببث فكر جديد. ولذلك علينا أن نتفق على وثيقة تؤكد على العلاقات السليمة بين أتباع الأديان المختلفة.