البيست سيلر
بخلاف الخطاب الانطباعي الذي يروج لنهاية الكِتاب الورقي في العالم، أو على الأقل لتراجعه، تكشف آخر الإحصائيات الصادرة، قبل شهر، عن نقابة الناشرين الفرنسيين عن الانتعاش الكبير الذي عرفه سوق الكتاب بفرنسا خلال السنة الجارية، خصوصا على مستوى الأدب، الذي صار المجال الأول، من حيث المبيعات والثقل الاقتصادي. أما العامل الأساس الذي كان وراء الطفرة، فيعود بالضبط إلى كتب البيست سيلر، أو الكتب الأكثر مبيعا. ولعله الحال أيضا بالنسبة إلى بقية قطاعات وأسواق النشر الكبرى في العالم.
ولذلك يبدو طبيعيا أن تصير كتب البيست سيلر في قلب صناعة الكتاب. وهو الأمر الذي يعكسه حجم الاستثمارات التي يتطلبها هذا النوع من الكتب، وطبيعة الفاعلين والمؤسسات التي تكون وراءه، سواء تعلق الأمر بدور النشر والوكلاء الأدبيين والمختصين في تقنيات التسويق أو بوسائل الإعلام. ويجعل كل ذلك من هذا النوع مجالا لتنافسية كبرى بين دور النشر في العالم. وهو الأمر الذي كان وراء توحد دارَيْ نشر كُبريين، هما بينغيوم البريطانية ورَندُوم الألمانية، قبل ثلاث سنوات، حيث استطاعت الدار الجديدة أن تكون الأكبر من حيث مبيعات كتبها، خصوصا مع وصولها، قبل شهرين، إلى سوق الكتاب بالهند عبر منشوراتها الخاصة بالأطفال.
وتقدم كتب البيست سيلر، بحكم وصولها إلى الملايين من القراء، بمختلف أعمارهم ومستوياتهم، صورة عن المشترك على مستوى ذهنية أفراد المجتمع وانتظاراتهم. كما أن العودة إلى لوائح هذه الكتب تشكل مصدرا هاما لدور النشر لمعرفة حاجيات القراء. ولذلك تحرص جريدة نيويورك تايمز، على سبيل المثال، منذ أكثر من سبعين سنة، على نشر لائحة أسبوعية للكتب الأكثر مبيعا. وبرغم الثقل الذي تشغله كتب البيست سيلر، خصوصا على مستوى اقتصاديات قطاع النشر، يظل الاختلاف قائما بخصوص القيمة الأدبية للكثير منها، باعتبارها موجهة إلى الجمهور العريض بمستوياته الثقافية المتباينة.
وإذا كانت الكثير من كتب البيست سيلر تكتب لكي تصير كذلك، بفضل الجهد التسويقي الضخم لدور النشر، فثمة أعمال أخرى تخلق المفاجأة. فلا أحد كان يتوقع مثلا أن يحقق عمل نظري، وهو “كتابات” للمحلل الفرنسي جاك لاكان، مبيعات تتجاوز المئتي وثمانين ألف نسخة. أما الكاتبة البريطانية جوان رولينج فكان عليها أن لا تفقد أملها، بعد رفض كتابها من طرف ثماني دور نشر، ليجد عملها طريقه إلى النشر عن طريق دار بلومسبوري، في طبعة أولى لا تتجاوز الألف نسخة. أما الكتاب فهو “هاري بوتر”، الذي سيصير أحد أكثر الكتب مبيعا في العالم بنسخه التي جاوزت الأربعة مئة مليون نسخة، والذي سيجعل صاحبته أول مليارديرة في العالم من الكاتبات، حسب تقرير مجلة فوربس.
أما دور النشر في العالم العربي، فالكثير منها تتلهى بالإعلان عن توالي طبعات كتبها، مع التقطير ربما في عدد النسخ. وذلك لا يجعل بالضرورة كتابا ما ضمن كتب البيست سيلر.
كاتب من المغرب