الكتاب التونسيون وحراس الجهل

الجمعة 2016/09/02

خلال تسلم وزير الثقافة التونسي الجديد محمد زين العابدين لكرسي الوزارة من الفنانة سنية مبارك، تقدمت الوزيرة السابقة بتقرير للوزير الجديد عن أهم الملفات الحارقة والملحة التي تركتها له. تحدثت خصوصا عن وضع الفنون بداية بالموسيقى -على اعتبار أن غالبية من تعاقبوا على الوزارة كانوا من الموسيقيين- أو من دنيا السينما والمسرح. لكن الوزيرة السابقة التي حاولت في كلمتها أن تأتي على كل شيء، لم تأت ولا حتى بزلة لسان أو تذكير سريع أو بلمحة خاطفة على حال الأدب والأدباء وبقية حملة الأقلام التوانسة، ما يوحي بأن هؤلاء لم يكن لهم وجود ولو بوصفهم ظلالا.

كل مسؤول ثقافي يحل ركبه في تونس يكشف عن أن الأدب لن يكون في اعتباره مطلقا، إما جهلا منه وظنا بأن الأدب شيء من الماضي، وإما اعتقادا منه بأن الأدب مجرد تحبير كتب ينجزه أفراد محبطون لا نفع فيهم وبالتالي لا اعتبار لهم عنده. فما بالك أن يكون لهم وزن في أي معادلة اجتماعية أو سياسية تتعلق بحاضر البلاد ومستقبلها. لذا من وقائع التسليم والاستلام بين وزير ووزير نعي أسباب ندرة المناسبات الرسمية التونسية التي جرى خلالها التطرق، وإن على عجل، إلى حال الكتابة والكاتب في تونس وهي الأتعس بين الأحوال التونسية.

كما يعاني الكاتب التونسي من شراسة صنّاع النشر الذي تحول إلى سوق مضطربة بعدما فرطت فيه وزارة الثقافة والدولة للقطاع الخاص، ليصبح بذلك الكاتب فريسة لعدد مهول من الناشرين الذين تكاثروا كالفطر دون نجاعة، حيث أن توزيع الكتب في تونس يكاد يكون منعدما تماما، ثم بات الناشرون مجرد تجار شروطهم أن يدفع لهم الكاتب كلفة النشر أو يتشارك معهم فيها بينما هم يحظون بدعم الورق من الدولة كما تشتري منهم وزارة الثقافة بعض النسخ، وربما ذلك لا يغطي نفقة طباعة الكتاب الذي لا يحقق مردوديته، لكن كل هذه التفاصيل التجارية لا تضاهي مطلقا حسرة كاتب خطّ ما خطّه بجهد دامٍ ليصبح ما كتبه سلعة تفاوض بين ناشر ووزارة، وحتى في حال فاز كتابه بجائزة، رغم ندرة الجوائز في تونس عدا اثنين أو ثلاث، يأخذ الناشر جزءا من قيمة الجائزة، ربما في مقابل نشاطه المبهر في جعل الكتاب سلعة كاسدة.

بخلاف سوق النشر الشرسة يعاني الكتاب والشعراء أيضا من التعامل الدوني في المهرجانات الوطنية، فإذا ما دعي شاعر إلى أمسية شعرية في إحدى المحافظات أو دعي كاتب أو ناقد لتقديم ورقة ما، فإنه سيتكبد بنفسه مشقة الرحلة ليجد في النهاية نشاطا صوريا في الغالب، ينشئه مديرو دور ثقافة أو مسيرو هذه التظاهرات بصفة شكلية مركّبة وركيكة، لذا لا يجد بداية الجمهور الذي لا يسعى المنظمون إلى استقطابه، ثم ينهي الضيف الكاتب تقديم ما دعي لأجله ويعود من حيث جاء في عملية مفرغة لا تحقق شيئا، وحتى المنحة المضحكة التي لا تتجاوز الـ40 دولارا قد تصرف له وقد لا تصرف، وذلك بعد أن ينتظر سنة أو اثنتين. هل من مهانة أكثر من هذه؟

تراجع الدور الأدبي لاتحاد الكتاب التونسيين شأنه شأن اتحادات الكتاب العربية، لكن دوره السياسي حتى وإن شهد تذبذبا مازال ساريا، فلطالما كان اتحاد الكتاب بوق السلطة وذراعها التي تحكم ساحة الكتاب، نعم لا ننكر أن دوره المشبوه تراجع كثيرا، لكن في العمق كل شيء على حاله، فمازال هذا الهيكل المليء بأشباه الكتاب بعيدا عن المبدعين وخاصة الشباب، يحتكر التظاهرات الأدبية في الخفاء، ويسعى إلى أن لا يمثل تونس من أدبائها خارجها إلا أبناؤه أبناء السلطة من المقعدين أدبيا.

يجد الكاتب التونسي نفسه بين وزارة ثقافة لا ترى الكتّاب خاصة الشباب، وبين اتحاد كتّاب وجمعيات يملؤها مقعدون وناشرون تجار، فكل هذه المصارع تلعب دور حرّاس الجهل وتقف متهالكة عمياء بوجه كل طاقة أدبية مفعمة بالتجديد وروح الإبداع. لذا من واجب وزارة الثقافة أن تتدخل بشجاعة في حال الكتابة والكتّاب، وأن تنشئ جوائز أدبية مختلفة وهياكل مختصة لمتابعة الكتّاب، وتظاهرات لها عمقها ونجاعتها. فمثلا كنّا دعونا سابقا إلى إنشاء أيام قرطاج الشعرية أو الأدبية أسوة بأيام قرطاج المسرحية والسينمائية والموسيقية، وغيرها من الحلول الممكنة لدعم الساحة الأدبية التونسية التي تعاني التهميش، فمن دون أدب جيد لن نخلق مسرحا جيدا ولا موسيقى ولا سينما ولا فنون جميلة ولا غيرها.

شاعر من تونس

14