داعش والحرية الدينية

اقتحم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هذا العام التقرير السنوي للحرية الدينية الذي تعده الخارجية الأميركية، ليس بوصفه “دولة” -كما يعلن عن نفسه- بل بوصفه تنظيما إرهابيا، جنبا إلى جنب مع جماعة بوكو حرام النيجيرية؛ وهو نهج جديد في هذا التقرير الذي دأبت الخارجية الأميركية على نشره منذ سنوات عدة، إذ ينقل مركز الثقل إلى المنظمات المتطرفة في العالم الإسلامي على حساب الدول، وإن كانت هذه الأخيرة لا تزال تحتل نفس المكان الذي كانت تحتله في التقارير السابقة، نظرا إلى توسع دائرة تحرك هذه المنظمات وتزايد أعدادها وأعمالها الوحشية.
اتهم التقرير تنظيم داعش بممارسة الإبادة الجماعية ضد الأقلية الإيزيدية والمسيحيين والشيعة، وغيرها من الجماعات المستضعفة، وحمله مسؤولية الأعمال الهمجية التي يقوم بها في المناطق التي يسيطر عليها مثل المجازر وعمليات تعذيب البشر واغتصابهم والجرائم الجنسية الأخرى بحق الأقليات الدينية والإثنية، وذلك خلال العام الماضي، ووضع تنظيمي داعش وبوكو حرام على رأس مقترفي جرائم الإبادة الجماعية والتمييز على أساس ديني.
وليس متوقعا أن يحتل تنظيم داعش موقعا أقل في تقرير مخصص لقضية “الحرية الدينية”، فهذا المفهوم لا مكان له في أدبيات التنظيم الذي نشأ على شكل ميليشيا مسلحة، مدعومة بأيديولوجيا متشددة تقتنص من الشريعة الإسلامية شذرات فقهية تبني عليها سلوكها. وكلمة ميليشيا ربما كانت الأكثر تعبيرا عن طبيعة هذا التنظيم المتطرف، ذلك أنه لا يكتفي فقط بممارسة الإبادة في حق المجموعات التي تحدث عنها تقرير الخارجية الأميركية، بل يمارس نفس السلوك تجاه أفراد الجماعات المسلحة المنافسة له على الأرض في العراق وسوريا، رغم أنها تتقاسم معه نفس الأيديولوجيا والنظرة إلى العالم وإلى الآخرين، والقراءة الشاذة المتطرفة للإسلام.
تنظيم داعش يستند إلى جهاز مفاهيمي يسمح له بخنق الحريات الدينية والقضاء على المخالفين
يستند تنظيم داعش إلى جهاز مفاهيمي يسمح له بخنق الحريات الدينية والقضاء على المخالفين، ويتشكل من ركنين أساسيين هما التكفير والردة، يحوّلهما إلى سلاح فتاك في مواجهة جميع الذين لا يرون ما يرى، ويخضعهما للمزاج الفقهي لمتفقهين صغار يشرفون على ”المحاكم الشرعية” التي يقيمها في الأماكن الواقعة تحت نفوذه.
بيد أن المشكلة التي تثار عند قراءة تقرير الخارجية الأميركية هي تلك المتعلقة بالتسوية التي يجريها ما بين الأنظمة الإسلامية ذات المشروعية وبين المنظمات الإرهابية، إذ لا شك أن الخلفية التي حكمت معدّي التقرير واحدة في الحالتين.