مجد ضائع

الخميس 2016/08/04

اجتاحت منذ نحو عقد تقريبا المسلسلات التركية العالم العربي، فغيّرت من النسق الدرامي العربي الذي كان لا يتجاوز في غالبيته الثلاثين حلقة، تعرض جميعها في شهر رمضان، ثم يكون السبات العميق والعقيم، لولا بعض الإعادات المُملة.

أشعلت الدراما التركية فتيل المنافسة في الدراما العربية، فتخلّت الأخيرة، خاصة منها المصرية، عن بعض غرورها وصلفها وادعائها الشاحب بالأسبقية التاريخية وجودة الحبكة الدرامية، لتتخذ من الدراما التركية أسوة لها في أكثر من جانب. ومن هناك باتت الدراما العربية من دون أن تعلم، والأرجح أنّها تعلم، تتجمّل بجمال مناظرها الطبيعية إن توفّرت، وتتوسّل بدلال الفاتنات من النجمات الحسان إن وجدن، وتسترسل في تمديد عدد الحلقات إلى أكثر من ستين حلقة ويزيد، ولو على حساب المحتوى الذي أصابه التمطيط غير الممنهج بالوهن وضياع الخيط الرابط بين الأحداث، فباتت الأحداث آخر هم الكاتب والمخرج والمنتج، أمام سطوة الديكورات والإكسسوارات.

هكذا ودون سابق إعلام، تمكنت الدراما التركية بسحر نجومها ونجماتها الآسر، وببراعة حبكتها الدرامية على بساطته أحيانا، بل ودائما، علاوة على سلاسة الإخراج من إعادة توزيع خارطة الاهتمام العربي بالدراما، فتقدّمت الأولى أشواطا وارتدّت الثانية أميالا.

ومهما يكن من أمر الدراما التركية ونظيرتها العربية، ومن تفوّق على من؟ فالخبر اليقين الذي أتانا من الأستانة يقول إن الفنانة التركية بيرين سات التي حظيت بشهرة عربية واسعة من خلال مسلسليها “فاطمة” و”العشق الممنوع” ستشارك قريبا في أول مسلسل عربي مشترك بين لبنان وسوريا ومصر له من العناوين المبدئية “صمت القبور”.

إلى هنا يبدو الخبر، عاديا وهو تتمّة لتميّز الدراما التركية عن نظيرتها العربيّة في الآونة الأخيرة، الأمر الذي استدعى استغلال النجاح الباهر لبعض نجمات ونجوم تركيا في الدراما العربية، وهو ما أقدمت عليه في وقت سابق قناة “حنّبعل” التونسية الخاصة في رمضان 2015، حين جازفت باعتمادها على شخصية محببة للجمهور التونسي والعربي عموما، والمتمثلة في الممثل التركي ذي الأصول العراقية سليم باركتار الشهير بدور سنبل آغا في المسلسل التركي التاريخي “حريم السلطان”، ليكون ضيف شرف مسلسل “الريسك” (المُجازفة)، فتحقّقت للسلسلة نسبة متابعة محترمة رغم شدة المنافسة.

وإن أتى تجسيد باركتار لدور رجل أعمال تركي من المافيا في المسلسل التونسي باللهجة التونسية بإصرار منه، وهو ما يحسب له، فسات التي ستؤدي أيضا في “صمت القبور” دور امرأة تركية هي زوجة لرجل عربي يعمل مع المافيا الدولية، وكم كان الدور شبيها بسابقه، مع اختلاف بسيط في اللهجات، حيث تحدّث باركتار في المسلسل التونسي بالعاميّة التونسية، في حين من المُنتظر أن تتكلّم سات في المسلسل العربي بلغتها التركية، فأين الاجتهاد؟

للإجابة عن هذا السؤال، علينا استقراء ما آلت إليه نجومية الفنانة التركية من تقهقر صارخ بعد مشاركتها الأخيرة في المسلسل التركي التاريخي “السلطانة كوسيم”، والذي لم يلق الحفاوة المرتقبة سواء عند عرضه في تركيا أو على القنوات العربية، حيث لم تنجح سات رغم شهرتها وحب الجمهور لها، وانتقد مشاهدو المسلسل دور بيرين سات بأنه لا يناسب الدراما التاريخية، كما عابوا عليها كثرة مشاهد الحب بينها وبين شخصية السلطان، ووصفها المشاهدون بالمفتعلة وغير الموفقة، وعلى إثر هذه الانتقادات وانخفاض معدلات المشاهدة قررت الممثلة التركية عدم المشاركة في الجزء الثاني من “السلطانة كوسيم”.

وحين يعرف السبب يبطل العجب، فعندما تخفق معبودة الجماهير في أداء دور البطولة المُطلقة، ستبحث لها حتما عن حلول ترقيعيّة لاسترجاع مجدها الضائع، ولو من خلال “صمت القبور”، وكم العنوان مُعبّر عن الحالة التي آلت إليها النجمة، بعد أن صمتت الصحافة بصنفيها التركي والعربي عن الحديث عنها وعن ألقها الغابر، فسقطت السلطانة من عليائها إلى قعر مهجور، فهل يعيد “صمت القبور” بيرين سات إلى مجدها المفقود؟ أم سيضاعف من ارتدادها إلى مراتب دونية؟ لننتظر!

صحافي من تونس

16