الكآبة مرض العصر يصيب النساء أكثر من الرجال

أكد الباحث الاجتماعي الدكتور وفيق الرفاعي لـ“العرب” أن الكآبة صارت مرض العصر بحق، ونسبة المصابين بها في العالم تصل عند الرجال إلى 15 بالمئة بينما ترتفع النسبة لدى النساء إلى 25 بالمئة. ويبلغ عدد المرضى المسجلين في العالم حالياً أكثر من 125 مليوناً، وفي المغرب تتجاوز النسبتان هذين الرقمين. ويعود السبب إلى الخوف من المستقبل وازدياد التنافس على فرص العمل أو يعود إلى ظروف اجتماعية”.
وأوضح قائلا “الكثيرون يعانون من هذا المرض، وخطورته تكمن في أنه في حالة إهمال المريض للعلاج النفسيّ والدوائيّ، فإنَّه يتطور إلى أمراض نفسيّة أخرى تؤدي إلى الانتحار. ومن المفيد أن يجتمع عدد من المصابين بهذا المرض في أماكن عامة، كالمقاهي أو الحدائق العامة للتعارف، وتبادل النصيحة، والترفيه عن أنفسهم. وتوجد في مدينة الرباط حديقة صغيرة قريبة من (بارك قاعة سرفانتس) وسط مدينة الرباط، يجتمع فيها عدد من المكتئبين يومياً. وتوجد مقاه في منطقة أكدال وفي مركز المدينة يلتقون فيها أيضاً”.
واستطرد الدكتور وفيق قائلا “في الحقيقة يوجد العديد من المقاهي في عدد من العواصم العالمية والعربية، وقد صارت مكاناً مفيداً للذين أصيبوا بأمراض نفسيّة، للتنفيس عن ضغوطهم بصحبة أمثالهم من المرضى. ففي الصين اُفتتح مقهى للحزن يتيح لرواده البكاء الجماعي. وقد وفَّر المقهى لزبائنه المناديل والبصل والفلفل الأحمر، والموسيقى الحزينة. وكذلك لن ننسى ما قرأناه في قصة “قبو البصل” لغونتر غراس، ذلك القبو الذي تم إعداده ليجتمع فيه الزبائن للبكاء”.
ومن جانبها قالت الفنانة زهرة زيراوي، التي تخصَّصتْ في رسم بورتريهات لوجوه من أصيبوا بالكآبة لـ“العرب”، “إن لهم وجوهاً معبرة عن الألم الإنسانيّ، والشعور بعدم جدوى الركض وراء متاع الدنيا. لذلك حرصتُ على رسم وجوههم كتخطيطات، وبعد ذلك أعيد رسمها في لوحات. وأتذكر فناناً أحببته هو فان غوخ، الذي ضاقتْ به الحياة، وازداد كآبة، وقبل أن ينتحر كتب لأخيه “عزيزي ثيو، إلى أين تمضي الحياة بي، وما الذي يصنعه العقل بنا؟ إنَّه يُفقدُ الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة”.
وأضافت زيراوي “وقال جبران خليل جبران في قصيدته “نحن وأنتم”: نحن أبناء الكآبة، وأنتم أبناء المَسَرَّات/ نحن ذوو النفوس الحزينة/ والحزن كبيرٌ لا تسعه النفوس الصغيرة”. وأنا اعتبر مرضى الكآبة من أكثر الناس رقَّة، فهم ملائكة الأرض، وبسبب حساسيتهم المفرطة يعانون من قسوة الحياة، ولذلك يظهر عليهم القنوط والحزن ويهربون للحلم والعزلة”.
من أسباب الكآبة التقلب والتغير في المزاج العاطفي للفرد بشكل مبالغ فيه. وينتج هذا عند الشعور بالفشل في الحصول على العطف الكافي في الطفولة
ومن جهة أخرى قال المعالج النفسيّ، مدير مركز الشفاء بأكادير الدكتور عبدالكريم عطا لـ“العرب” “الكآبة النفسيّة Psychogenic Depression هي شعور ولون من ألوان المزاج وقلَّ من لَمْ يصب بها، ولو لفترة قصيرة من حياته. وهي كحالة مرضيّة عُرفت قديماً، ولا تزال حتى اليوم، تجربة نفسيّة عامة الوجود لدى مختلف الأجناس والثقافات. ونسبة كبيرة ممن يعانون الكآبة يخفون مشاعرهم ولا يبوحون بها”.
وأوضح أنه يمكن اعتبار الكثير من مظاهر الإنتاج الأدبي والفكري من وسائل البوح، ويلاحظ في السنوات الأخيرة ازدياد واضح في عدد حالات الكآبة بنوعيها النفسيّ والعقليّ في البلاد العربية بشكل خاص، وفي العالم بشكل عام. ولعل أهميتها في عصرنا الحاضر ليست فقط بسبب الكثير من الحالات التي نشاهدها، وإنما بسبب الخطر الكامن في كل حالة منها، وهو التهديد بالانتحار.
ومن أسباب الكآبة التقلب والتغير في المزاج العاطفي للفرد بشكل مبالغ فيه. وينتج هذا عند الشعور بالفشل في الحصول على العطف الكافي في الطفولة، كما يمثل نتيجة لصراع الإنسان ضد شعوره بالفشل والحرمان. وهي وسيلة لعقاب النفس بسبب الشعور بالإثم عندما لا يحب الإنسان إلا نفسه. وهناك تفاوت بين نسبة الكآبة في البلدان المختلفة، ويرد هذا إلى الفروق بين هذه البلدان في النواحي الثقافيّة والاجتماعيّة والدينيّة. وبين الدكتور عطا أن “الكآبة تعالج بإشراك ثلاثة أطراف: المريض، والمجتمع، والأخصائيّ النفسيّ”.
جدير بالذكر أن النساء أكثر إصابة بمرض الكآبة من الرجال في البعض من المجتمعات وحسب نوع المجتمع وثقافته، ففي المجتمعات الخليجيّة مثلا الرجل يتحمل أعباء المسؤولية، ويواجه معترك الحياة، وعليه واجبات متعددة، مما يؤدي به إلى القلق والتوتر. أما في المغرب فالمكتئبون أكثر من النساء، وذلك لتمتع المرأة بالحرية مما يجعلها تحاول أن توفر لنفسها متطلبات الحياة. إلا أنها تصطدم بالظروف المادية الصعبة والتنافس الشديد، فيصيبها الإحباط والتوتر والقلق، وهذه الهموم هي بداية لمرض الكآبة”.