تونس بعد 59 سنة من إرساء النظام الجمهوري: إرهاب وفقر وأزمات متعددة

الثلاثاء 2016/07/26
النساء أكثر المتطلعات نحو دولة المواطنة

تونس – يتطلع أغلب التونسيين وهم يحيون الذكرى الـ 59 لإعلان النظام الجمهوري، الذي يعد مفصلا في تاريخ تونس الحديثة، إلى مواصلة بناء دولة المواطنة التي يتمتعون فيها بحقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، تقودها حكومة قوية قادرة على إنهاء الأزمة السياسية التي وقعت فيها البلاد تحت عنوان الربيع العربي.

وتكاد اتجاهات الرأي العام في تونس تجمع على أن حكام تونس الجدد الذين تعاقبوا على حكم البلاد مذ انتفاضة يناير 2011 فشلوا في تسيير مؤسسات الدولة وإدارة الشأن العام بناء على تطلعاتهم المشروعة في الحرية والتنمية والتشغيل.

وفي 25 يوليو من العام 1957 أعلن الزعيم التاريخي الحبيب بورقيبة إلغاء نظام ملكي وراثي حكم تونس منذ العام 1705، وتركيز النظام الجمهوي وبناء مؤسسات سيادية على أساس التفريق بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، ليؤسس دولة حديثة تقود مشروعا تنمويا وسياسيا وطنيا.

وعلى امتداد أكثر من نصف قرن نجح النظام الجمهوري في تحقيق العديد من المكاسب للتونسيين وفي مقدمتها تعميم التعليم وحرية المرأة وتحقيق مستوى تنمية مقبول نسبيا على الرغم من ندرة الثروات الطبيعية.

ويقول المؤرخون والخبراء في علم الاستراتيجيات إن تونس تكاد تكون حالة فريدة في المنطقة العربية خاصة بشأن مقاومة القوى التقليدية الممثلة في النسيج القبلي والعائلات الأرستقراطية والقوى الدينية، وانتهجت مشروعا حداثيا قادته دولة وطنية مدنية فتحت الآفاق أمام مختلف فئات المجتمع.

ويشدد الخبراء على أن النظام الجمهوري تأسس على قاعدة دولة المواطنة التي تستمد مشروعيتها من حركة الإصلاح التي تعود جذورها إلى منتصف القرن العشرين، وهي الدولة التي لا يدين التونسيون بالانتماء وبالولاء سوى إليها. غير أن مكاسب هذا النظام تكاد تعصف بها أزمة هيكلية حادة ما انفكت تتعمق خلال السنوات الخمس الماضية بعد أن قويت شوكة الجماعات الجهادية في البلاد.

ويقول الخبير في علوم الاستراتيجيات رافع بلخوجة إن “دولة المواطنة التي ناضلت من أجلها أجيال من المصلحين والمفكرين والسياسيين والفقهاء المستنيرين باتت تتهددها العديد من المخاطر لا فقط من قبل جماعات الإسلام السياسي وإنما أيضا من قبل حكام تونس الجدد الذين فشلوا في قيادة البلاد وفي تفعيل مؤسسات النظام الجمهوري”.

ويشدد بلخوجة لـ”العرب” على أن “أغلب التونسيين اليوم باتوا يخشون تراجع مكاسب النظام الجمهوري وبالتالي يخشون تحول دولة المواطنة إلى دولة حزب أو أحزاب تتناحر على التموقع في الحكم وتتناقض فكريا وسياسيا سواء من حيث المرجعيات أو من حيث التوجهات”.

وتلتقي تحاليل بالخوجة مع عمليات سبر آراء أجرتها في عام 2015 وفي النصف الأول من عام 2016 مؤسسات متخصصة تونسية وأجنبية ومع اتجاهات الرأي العام التي ترى أن حكام تونس الجدد يقودون البلاد في الاتجاه الخاطئ.

أغلب التونسيين اليوم باتوا يخشون تراجع مكاسب النظام الجمهوري وبالتالي يخشون تحول دولة المواطنة إلى دولة حزب أو أحزاب تتناحر على التموقع في الحكم

ولا يتردد أبناء الفئات الهشة في الاحتجاج على حكام تونس الجدد مشددين على أنهم يشعرون بأنهم “مواطنون من درجة ثانية” في ظل غياب التنمية وتدهور مستوى المعيشة وما يتعرضون له من تهميش اجتماعي وسياسي استبعد مشاركتهم من مواقع صنع القرار.

ويربط التونسيون النظام الجمهوري بنسيج من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها الحريات الأساسية والحق في الشغل والحق في التنمية والحق في التوزيع العادل لعائدات الخيرات، ويشددون على أن منظومة تلك الحقوق تراجعت خلال السنوات الخمس الماضية.

ويقول الخبير بلخوجة إن تونس اليوم في أمس الحاجة إلى تفعيل مقومات النظام الجمهوري وفي مقدمتها الحق في المواطنة بقطع النظر عن الانتماءات الحزبية والمرجعيات الفكرية والانحدار الاجتماعي ليشعر التونسيون بنخوة الانتماء لدولة المواطنة ولا يدينون بالولاء إلا إليها”.

ويشدد على أن تطلعات التونسيين “لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل حكومة قوية قادرة على إطلاق “ثورة إصلاحية” تكون كفيلة بالنأي عن “السياسات الترقيعية” التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة على الحكم وبعيدا عن الارتهان للأحزاب التي خيبت آمالهم”.

وتتزامن الذكرى الـ59 لإعلان الجمهورية مع إطلاق الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لمبادرة تقضي بتركيز حكومة وحدة وطنية في مسعى إلى إنقاذ البلاد من أزمتها السياسية.

غير أن المبادرة تاهت في تجاويف المناورات والحسابات الحزبية خاصة بين حركة نداء تونس وحركة النهضة المتحالفتين، وهما حزبان يسعيان إلى تركيز حكومة سياسية في حين تطالب القوى السياسية الديمقراطية والقوى المدنية بحكومة وحدة وطنية حقيقية بعيدا عن سطوة الحزبين الحليفين.

ويرى رافع بلخوجة أن غالبية اتجاهات الرأي العام السياسية تؤكد على أن إحياء مقومات النظام الجمهوري وتفعيلها أمر مرتبط بضرورة تحرير مؤسسات الدولة من سطوة أي حزب من الأحزاب وتركيز حكومة تمتلك من الأداء ومن الإرادة ما يجعلها قادرة على إحياء مبدأ المواطنة لدى الناس.

7