نسب الطلاق بسبب إدمان الزوجين تتصاعد داخل الأسر المصرية

كان معروفا داخل محاكم الأسرة في مصر، أن الأسباب الغالبة على طلب أحد الزوجين الانفصال عن الآخر، وإنهاء العلاقة الزوجية، تنحصر في سوء المعاملة والاعتداء اللفظي والبدني وعدم الإنجاب أو الإنفاق أو عدم التوافق في الحياة الزوجية. غير أن التغيرات التي طرأت على المجتمع وانتشار ثقافات جديدة لم تكن مألوفة داخل الأسر، لعبت دورا إضافيا، ومع زيادة المشكلات أصبح إدمان أحد الزوجين للتدخين أو المخدرات بأنواعها، أحد أكثر الأسباب التي تدفع الطرف الآخر إلى طلب الانفصال.
الجمعة 2016/07/22
إشعال أزمات لا معنى لها

القاهرة - أظهرت الإحصائيات الصادرة عن محاكم الأسرة في مصر، خلال النصف الأول من العام 2016، أن دعاوى الطلاق والخلع والنشوز بسبب الإدمان وشرب الكحول والخمور والجلوس باستمرار في المقاهي بلغت 37500 حالة.

والمثير في الجدول أن النساء يستحوذن على النسبة الأكبر في عدد حالات الإدمان وتعاطي المواد المخدرة وهجرة المنزل لساعات طويلة للاستمتاع بتدخين الشيشة في المقاهي برفقة أصدقائهن.

مثّل ذلك نسبة كبيرة من عدد حالات طلب الزوج الانفصال عن زوجته، حيث أقام 11 ألف رجل دعاوى قضائية أمام محاكم الأسرة لطلب الطلاق، بسبب تدخين زوجاتهم، بينما وصلت الدعاوى النسائية أمام القضاء إلى 6 آلاف بسبب خلافاتهن مع أزواجهن لرفضهم الإقلاع عن التدخين.

وصلت الخلافات الزوجية بين الأزواج والزوجات جراء الإدمان إلى 8500 دعوى، كانت نسبة إدمان الزوجات منها 5 آلاف دعوى والأزواج 3500 دعوى، فيما كانت معاقرة الخمور سببا في المشكلات الأسرية، وتمثل ذلك في 12 ألف دعوى، حصد الرجال المدمنون على شرب الخمور 7 آلاف منها والـ5 آلاف دعوى المتبقية كان فيها إدمان السيدات على الخمور هو السبب.

وتراوحت سنوات الزواج في الطلاق المبكر بين الزوجين بسبب تمسك كل منهما بما يفعل ورفض التنازل لأجل الطرف الآخر وإكمال الحياة الزوجية، ما بين 3 و12 شهرا، بينما تراوحت السنوت الطويلة قبل الانفصال بين 7 و20 عاما.

وصفت نادية زكي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ارتفاع دعاوى الانفصال بسبب تعاطي أحد الزوجين المخدرات أو الكحول بأنه “أمر كارثي” وغير مألوف بالنسبة إلى المجتمع المصري، وفي حال تجاهل هذه الأرقام سوف تتضاعف مستقبلا، والمثير للصدمة أن الزوجة نفسها ترفض الإقلاع عن التدخين أو الإدمان حتى لو كان ذلك على حساب طلاقها، ما يعكس تغيرات خطيرة تهدد الأجيال القادمة برمتها.

الخطر الأكبر بحسب تصريحات نادية زكي لـ”العرب”، أن الأبناء أنفسهم سوف يكونون غالبا على نفس هذا الوضع، منحرفين أخلاقيا وخارجين على القانون، ما يضاعف من الانحلال والدمار الأسري، لأنهم لن يقلعوا عن هذه العادة حتى عند الزواج، ويصبح الأمر وراثة بين أبناء الأسرة الواحدة ويتمدد عبر الأجيال وتصل هذه الأرقام إلى وضع خيالي يصعب السيطرة عليه.

خلال النصف الأول من 2016 بلغت دعاوى الطلاق والخلع والنشوز بسبب الإدمان والجلوس في المقاهي 37500 حالة

وأضافت أن أسرة الزوجين هي المسؤول الأول عن هذه العادات السيئة، فالزوج الذي نشأ في أسرة متفككة أو في طريق الخطأ تركته أسرته مع أصدقاء السوء دون رقابة صارمة، أدمن المخدرات أكثر من إدمانه لأسرته الجديدة بعد الزواج، ونفس الحال للفتاة التي تحررت من القيود الأسرية وهربت من واقعها ومشكلاتها ولجأت للإدمان بسبب تقصير أسري، وحتى بعد الزواج فإنها غالبا تهرب من المشكلات المتكررة مع زوجها بالإدمان، لتصبح في نظره امرأة غير جديرة بالثقة، وتستحق الطلاق.

الحل من وجهة نظر أستاذ علم الاجتماع، لجوء الطرف المتضرر للنصيحة بشكل متكرر، والمبادرة بعلاج المدمن ومحاولة إبعاده عن هذه العادات بشتى الطرق غير التقليدية “مثل السفر بعيدا” أو “محاولة إسعاده”، بيد أن الانفصال ليس الحل الأمثل في جميع الحالات خاصة إذا كان هناك أطفال، لأن إبداء الطرف المتضرر تمسكه بالمتضرر منه حتى لو كان سلبيا، أحيانا ما يأتي بنتائج أكثر إيجابية من العلاج.

وبحسب إحصائيات مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، تتردد نحو مليون حالة طلاق سنويا على محاكم الأسرة وتقع 240 حالة طلاق يوميا بمعدل عشر حالات طلاق كل ساعة، كما بلغ إجمالي عدد حالات الخلع والطلاق عام 2015 ربع مليون حالة، بزيادة 89 ألف حالة عن عام 2014، ما جعل مصر تحتل مرتبة متقدمة عالميا في نسب الطلاق، بعد أن ارتفعت من 7 إلى 40 بالمئة خلال الخمسين عاما الأخيرة، ووصل عدد المطلقات إلى ثلاثة ملايين، ويحق للزوجة خلع زوجها بموجب قانون أقره البرلمان خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وتبنته زوجته سوزان مبارك زمن رئاستها المجلس القومي للمرأة.

في حين رأت سعاد مصطفى، أستاذة علم النفس بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر، أن كلا من الزوجين مسؤول بشكل مباشر أو غير مباشر عن إدمان الطرف الآخر.

وقالت “من المؤكد أن الرجل عندما تزوج منها لم تكن مدمنة، وإلا رفض خطبتها بسبب سلوكياتها، ونفس الأمر بالنسبة إلى الفتاة، وبالتالي فإن الزوجة أو الزوج أدمن المخدرات والكحول وسلك طريق الانحراف أثناء الحياة الزوجية”.

وأضافت لـ”العرب” أن سوء المعاملة الزوجية باستمرار، يصل بالشخص أحيانا إلى مرحلة الإدمان للهرب من واقع سوء المعاملة لأنه وصل إلى مرحلة الندم على سوء اختيار شريك الحياة، ومن ثم يعتبر أن المخدرات أو التدخين بمثابة المتنفس الوحيد لإسعاد نفسه بنسيان الواقع، مؤكدة أن حسن المعاملة الزوجية وتقدير كل طرف للآخر واحتواءه وتعويضه عن كل شيء، عوامل كفيلة بإبعادهما عن العادات السيئة التي تقودهما إلى تخريب المنزل، وإنهاء حياتهما مبكرا، فهو لن يتزوج مجددا إذا كان مدمنا، وهي مثله إذا سلكت طريق الإدمان.

21