بيت السناري.. معلم قاهري شهد صياغة الفرنسيين لموسوعة "في وصف مصر"

القاهرة- يوجد “بيت السناري” في قلب القاهرة، وتحديدا في حي الناصرية بالسيدة زينب بجوار الآثار الإسلامية، يحفظ جزءا مهما من هذه الفنون الأصيلة وهي الفنون الزخرفية، تبعا لتحوله إلى معهد للحرف الأثرية.
ويعود سبب اختيار بيت السناري ليكون معهدا للحرف الأثرية، إضافة إلى موقعه في قلب مدينة القاهرة، إلى تاريخ هذا الفضاء وعراقته، حيث أن باني هذا المكان هو إبراهيم كتخدا السناري، ويرجع أصله إلى السودان وبالتحديد من دنقلة، أتى إلى القاهرة زمن دولة سلاطين المماليك وعمل في خدمتهم، واستطاع بنباهته وذكائه الحصول على لقب “كتخدا”، وهو منصب كمنصب المحافظ اليوم، ومن خلال منصبه استطاع أن يكوّن ثروة بنى منها هذا البيت على طراز إسلامي، حيث نظام العمارة الإسلامية المعروف والمشربيات المصنعة من الخرط، والمنزل يحتوي على طابقين توجد بكل طابق “فسقية” من الرخام، والفسقية التي بالدور العلوي ذات زخارف محفورة على الفسيفساء، وعند مجيء الحملة الفرنسية على مصر، استولى الفرنسيون على البيت وجعلوه مجمعا علميا لعلماء الحملة، وكان أحد علماء هذه الحملة المسيو مونج الذي سميت باسمه الحارة التي يقع بها البيت، وفي هذا البيت تم عمل كتاب “وصف مصر” الذي يعتبر من أهم نتائج الحملة الفرنسية على مصر والشام.
وبعد جلاء الحملة من مصر أصبح المنزل جزءا من آثار مصر، وفي عام 1966 فكر المسؤولون عن الآثار في الحفاظ على الحرف الأثرية القديمة والتي أوشكت على الانقراض فتم إنشاء معهد صغير، أقيم مكان الحديقة الملحقة بالبيت، يضم أربعة أقسام؛ قسم النحت على الحجر، وقسم النجارة العربية، وقسم الجص المعشق بالزجاج الملون، وقسم الرخام. وبعد ذلك مر المعهد بتطورات عديدة، فدعم قسم النجارة بأفرع مكملة له، مثل فرع الخرط العربي والمشربيات، وفرع التطعيم بالصدف، وأضيف إلى المعهد أيضا قسم لزخرفة النحاس، وآخر للسجاد اليدوي وأخيرا قسم لدهانات الأسطر “الذي يعمل فيه الأسترجي”.
دور المعهدلا يقتصر على الحفاظ على الحرف الأثرية، بل يتعدى هذا الدور إلى القيام بترميم القطع الأثرية
لا يقتصر دور المعهد على الحفاظ على الحرف الأثرية، بل يتعدى هذا الدور إلى القيام بترميم القطع الأثرية كالأبواب والشبابيك والمنابر والأثاث وغيرها، وهناك أماكن أثرية قام المعهد بعمل ترميمات بها مثل بيت السحيمي، وزينب خاتون والهراوي، ومنبر مسجد قايتباي الرماح، والسيدة زينب. عن قسم النحاس، أو النقش على المعادن يقول وجدي عباس، مدير عام منطقة السيدة زينب والخليفة الأثرية “يأتي النحاس بألواح رخام، يقوم القسم بتفصيلها على حساب المقاسات المطلوبة، ثم تنقش عليها الزخارف المختلفة، سواء كانت زخارف نباتية أو هندسية أو رسومات مختلفة كالمناظر الطبيعية أو مناظر لحيوانات، أو صور آدمية يتم نسخها من المتاحف، وهي جميعها مستوحاة من التراث الإسلامي”.
وعن اقتناء هذه المنتجات عن طريق بيعها للزائرين، قال محمد الشيخ، أحد الصناع بالمعهد “إذا أعجب أحد الزوار بأي قطعة أثرية في أحد المتاحف أو المساجد أو الكنائس أو البيوت أو الوكالات أو الحوانيت وأراد أن يقتني مثلها، يتم عمل نسخة له مثل النسخة الأصلية تماما.. وهناك منافذ مختلفة لبيع المستنسخات الأثرية توجد في معارض بالأماكن الأثرية والمزارات السياحية”.
وعن كيفية إعداد الصانع أو الفنان في بيت السناري، قال سعيد الجوهري رئيس قسم النجارة بالمعهد “الصناعات التي يقوم بها المعهد هي صناعات قديمة، كان الصانع القديم يحتكرها ولا يعلمها إلا لأبنائه، ومنذ إنشاء المعهد كان المسؤولون عن إدارته يأتون بالصبية الذين لا تتجاوز أعمارهم اثنتي عشرة سنة ممن فاتتهم فرصة التعليم، وبعد مضي عام على التحاق الصبي بالمعهد، يتم عمل اختبار له حتى نقف على مدى الخبرة التي اكتسبها، ويقوم المعهد بالاعتناء بالصبي وإعطائه أجرا مجزيا، لتشجيعه على العمل واكتساب المهارة، حتى يشب الصبي على حب العمل، ويصبح صانعا ماهرا وفنانا أصيلا مبدعا، وبعد ذلك يتولى بدوره تدريب الفتية الصغار الذين يلتحقون بالمعهد”.