حالة غير عادية
هي المرة الأولى، ربما، في تاريخ الدراما المغاربية التي يقع فيها نسخ سلسلة تونسية وتحويلها إلى رديف لها باللهجة الجزائرية، ونعني هنا النسخة الأولى من السيتكوم التونسي الناجح “بوليس حالة عادية” لمخرجه التونسي الشاب مجدي السميري، والذي تم بثه في رمضان الماضي على قناة “التاسعة” التونسية الخاصة، ولا تزال القناة ذاتها تبث الجزء الثاني منه هذا العام.
“بوليس حالة عادية” (شرطة حالة عادية) التونسي، تم عنونته بـ”بريغاد 73” (لواء 73) في نسخته الجزائرية التي تبثه قناة “الشروق تي في” الجزائرية الخاصة في رمضان الجاري، بذات الديكور والإكسسوارات، لكن باختلاف في الشخصيات واللهجات.
ففي “بريغاد 73” الجزائرية جاءت الإكسسوارات والحكايات متشابهة حدّ التماهي مع النسخة التونسية في جزئها الأول طبعا، والذي اختلف فيه الأبطال في النسختين أولا واللهجة ثانيا، وإن تقاربت أحيانا.
“بوليس حالة عادية” التونسي جمع نخبة من ألمع نجوم الكوميديا التونسية على غرار كمال التواتي في دور “رشيد” ولطفي العبدلي في دور “عمار” والشاذلي العرفاوي في دور “رجب” وريم بن مسعود في دور “هيفاء” وخليل بن حميدة في دور “حمودة”، في حين قام بدور البطولة في “بريغاد 73” الجزائرية كل من سيد أحمد أقومي في دور “جمال” وحبيب عيشوش في دور “كريم” وبلال حتمي في دور “الهواري” وعمر التايري في دور “علي” وقدمت نجمة ستار أكاديمي ريم غزالي شخصية “ريما”.
ومن هناك نفهم أنّ النسختين اختلفتا، ولو لماما، من حيث مساحة الظهور للشخصيات الرئيسية الفاعلة في السلسلتين، فدور “حمودة” رئيس الفرقة الأمنية الخاصة في النسخة التونسية والذي قام بتجسيده خليل بن حميدة أتى بسيطا، مقارنة بحجم دور “جمال” في النسخة الجزائرية والذي جسّده الممثل الجزائري المخضرم سيد أحمد أقومي.
فالفرق بيّن بين مساحة الدورين في نسخة تونسية جعلت من ممثل غير معروف، ولو كانت مهمته عظيمة، والمتمثلة في الإدارة اللوجيستية لفرقة أمنية مختصة، يأتي مغمورا كمُجسّده، وبين نسخة جزائرية أوفت الرجل حقّ قدره وعلوّ موهبته التمثيليّة، وهو الذي يُعدّ من أشهر الممثلين الجزائريين.
وهو ما أكده مخرج العمل، أو بالأحرى العملين، مجدي السميري حين أعلن أنه حاول تغيير سيناريو سلسلة “بريغاد 73” الجزائرية بحسب اللهجة والممثلين، فالشخصيات التي تتقاسم الأدوار الأولى في النسخة التونسية ليست هي نفسها في النسخة الجزائرية، لذلك اضطر إلى الإضافة في حجم الحوار للشخصيات الرئيسية في النسخة الجزائرية.
وأتى التصريح من المخرج التونسي ردا على الحملة الشعواء التي ما انفكت تلقاها السلسة في نسختها الجزائرية من صحافة الجزائر، على اعتبار كون النسخة التونسية تفوّقت من حيث الطرافة وإدارة الممثلين على نظيرتها الجزائرية التي وُصفت بكونها فاشلة بكلّ المقاييس، بل ووصل الأمر إلى حدّ اتهامه بالتحيّل!
ومهما يكن من أمر الحملة، إن كانت مُمنهجة، أم بريئة، فالمُؤكّد أن النسخة التونسية من السلسلة “بوليس حالة عادية” لم يكن مرورها عاديّا في الجزائر، على خلفيّة كلّ ما تقدّم، ولو أنّ في الأمر لبسا لا بدّ من توضيحه في هذه “الحالة غير العاديّة”، مفاده أنّ ما يُعرض الآن في القناة الجزائرية الخاصة من سلسلة “بريغاد 73” هي النسخة المُستنسخة من “بوليس حالة عادية” التونسي في جزئه الأول، لا كما خاله بعض الصحافيين الجزائريين الذين قارنوا بين “بوليس حالة عادية” التونسي في جزئه الثاني، وبين النسخة الجزائرية التي تُعرض حاليا، وحين يُعرف السبب، يبطل العجب!
فما أجمل أن يتبادل أهل البلدين الثقافات في الفن، بدل تبادل العنف المُنتشر في العالم، وهنا مربض الفرس والفُرص أيضا، خاصة أنّ بين البلدين المُتجاورين عدواّ مُشتركا اسمه الإرهاب، ومن غيرُ “البوليس” والتعاون المُخابراتي قادر على دحضه، ولو من خلال سلسلة “أكشن” كوميدية عنوانها “بوليس حالة عادية”، حتى يستتبّ الأمن، وتعود الحياة إلى حالتها العادية والطبيعية في البلدين الشقيقين.
كاتب وصحافي من تونس