الضحايا المسكوت عنهم
في الأيام القليلة الماضية توالت الأخبار من ريف حلب الجنوبي عن سقوط أعداد متزايدة من القتلى في صفوف مقاتلي حزب الله. العشرات من القتلى والعشرات من المصابين والمعتقلين على أيدي المعارضة السورية المسلحة في معارك بين الطرفين قيل إنها الأسوأ على حزب الله منذ بدء تدخله العسكري في سوريا. جاء ذلك بعد ساعات على الاشتباك الذي وقع للمرة الأولى بين حزب الله والميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني (عراقية وأفغانية) من جهة، وبين جيش النظام السوري من جهة ثانية. فهل ترك جيش النظام مقاتلي حزب الله لقمة سائغة لمقاتلي المعارضة؟
أكثر من 34 قتيلا، بينهم صبي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، يضافون إلى الآلاف من القتلى اللبنانيين في حرب حزب الله على الشعب السوري. وصمت مدو يلف الدوائر الرسمية اللبنانية كأن شيئا لم يكن، حكومة ونوابا ومؤسسات وأجهزة أمنية وسلطات قضائية ومحكمة عسكرية، جميعها لا علم لها ولا قول.
وكأن من يقاتلون ويقتلون ويعودون إلى لبنان جثثا هامدة ليسوا من هذا البلد، وكأن من يرسلهم إلى سوريا، وهو أحد أبرز قوى السلطة في لبنان، لا يخضع للأنظمة ولا للقوانين النافذة التي يخضع لها جميع اللبنانيين مواطنين وأحزابا.
وإذا كان حزب الله “اللبناني” ومن ورائه نظام المافيا الإيرانية، مستعدا للقتال في سوريا حتى آخر طفل لبناني، فإن في لبنان مؤسسات قائمة وقوانين نافذة تحكم ووزراء بمواكب جرارة وقضاء يستطيع حتى أن يلاحق مرتكبي الأخطـاء الإملائية على مواقع التواصل الاجتماعي، فأين هؤلاء جميعا من استمرار زج الشباب اللبناني في أتون حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، يقررها حزب الله وأسياده في طهران خلافا للقوانين والأنظمة المحلية والدولية، تارة بذريعة حماية المقامات الدينية، وطورا بحجة محاربة التكفيريين قبل أن تمتد سيطرتهم إلى لبنان فيقيمون فيه “رقة” و“فلوجة” جديدتين، بينما تتحول كليات الجامعة اللبنانية على أيدي شبيحة حزب الله إلى نماذج مصغرة عن قندهار وتواربورا.
يتضح مما قلناه أن تواطؤا بحجم الصمت المدوي الذي تبديه أجهزة السلطة كافة عن جرائم حزب الله وحلفائه التي ترتكب بحق اللبنانيين أنفسهم أولا، ثم بحق السوريين ثانيا، ليس إلا مشاركة في الجريمة المزدوجة تلك، جريمة تتشارك فيها كل قوى السلطة في لبنان وأجهزتها الأمنية والقضائية منذ أكثر من ثلاث سنوات. فأبناؤنا، ثروتنا الوحيدة المتبقية لنا، لم يولدوا لكي يرسلوا في “سفر برلك” حزب الله ليكونوا وقودا في حروب نظام مافيا البازار – الملالي الحاكم في طهران للسيطرة على الشرق، بل ليكونوا مستقبل هذا الوطن وغده الأجمل.
وإذا كانت بعض قوى السلطة في لبنان قد اعترضت على تدخل حزب الله في سوريا في ما مضى، لكنه كان اعتراضا لفظيا يعبر عن تواطئها في المقتلة التي نعيشها بدليل هذا التعامي وهذا الصمت المطبق الذي تعتصم به منذ مدة، وتلوذ به الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية حيال تلك الجريمة المستمرة والمتمادية والتي يفترض بالقضاء أن يتحرك لملاحقة حزب الله بسببها وبالتالي لمنع استمرارها، هذه الأجهزة الممسوكة تماما من الائتلاف المافيوي المسيطر والتي لا تتحرك إلا برضاه وبطلب منه، فنجدها تلاحق مدونا هنا وتعتقل متظاهرا هناك، ولكنها لا تبدي أي اهتمام بجريمة من هذا الحجم تمس المجتمع وأبناءه ووحدة وسلامة الوطن بشكل عميق.
وبالتالي فإننا نتوجه مباشرة إلى المتضررين من هذا الواقع، إلى من يفقدون أعز ما لديهم في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل، إلى الشباب اللبناني وإلى الحراك الشعبي المدني، فلترتفع الصرخة مطالبة الجهاز القضائي بالتحرك بناء على القوانين النافذة لوقف هذه الجريمة المزدوجة، بل هذه المجزرة بحق اللبنانيين. فليس بـ“الزبالة” وحدها ترمى وجوه الفاسدين، بل بدماء الضحايا أيضا.
كاتب لبناني